قد تتعدد وسائل أهل الباطل في حرب الإسلام،
وهذه سنة الله الجارية في خلقه، فما حدث مع نبي يحدث للآخر، لكن يقيض الله
جل وعلا للمؤمنين ويمكن لهم أمر دينهم، فمع الصبر على المشاق يأتي التمكين،
ومع الثبات على الحق ينتشر الدين، وفي كل ذلك حكمة لله عز وجل ونواميس
كونية يريها لعباده، وتظهر لهم بمرور الأيام.وسائل أهل الباطل في حرب الإسلام
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس السابع من دروس السيرة النبوية.
تحدثنا عن جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة في مكة، وتكلمنا عن اعتراض معظم أهل مكة على دعوة الإسلام، وذكرنا الموانع الكثيرة التي كانت عند أهل مكة فصدتهم عن الدخول في دين الله عز وجل.
ثم ذكرنا الوسائل التي اتبعها أهل الباطل في حرب الدعوة الجديدة، فقد استخدموا وسائل سلمية كثيرة، مثل: محاولة تحييد أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل الحرب الإعلامية الموجهة التي تمثلت في تشويه صورة الداعية، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي تشويه الدعوة والإسلام وقواعده وتعاليمه، وفي شغل الناس بالملهيات والأغاني والمعاصي وغيرها، والتي قام بها النضر بن الحارث لعنه الله، لكن لم تفلح هذه الوسائل في إبعاد الناس عن سماع كلام الله عز وجل، ولم تمنع الناس من الدخول في دين الله، فماذا فعلت قريش؟ أو ماذا يفعل أهل الباطل لمقاومة الإسلام؟
السبب الثالث في تربية المسلمين على الصبر: هي دراسة التاريخ.
التاريخ يكرر نفسه، ودراسته تعرض صوراً واقعية من الماضي لأناس عاشوا في نفس الظروف التي عشت أنت فيها؛ لأنها حرب واحدة بين الحق والباطل، علو للباطل في فترة من الفترات، تعذيب وتشريد وقتل وإبادة لأهل الحق، وصبر وجلد وتحمل وعزيمة من المؤمنين، ثم في النهاية انتصار للحق وتمكين له، وهزيمة للباطل وهلاك له.
صورة متكررة في كل صفحات التاريخ، سنة من سنن الله عز وجل.
راجع القرآن المكي لتجد قصصاً لا حصر لها، لا تكاد تخلو سورة من سور القرآن المكي من قصة أو إشارة إلى قصة من هذا النوع، وتصور أنك تسمع مع الصحابة من ضمن الأمثلة الكثيرة التي ضربها الله عز وجل لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة مكة، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4]، هذه درجة عظيمة من الألم والإيذاء، حتى هذا لم يحصل مع الصحابة، لا يوجد أحد قتل أبناء الصحابة الرضع مثل ما كان يفعل فرعون لعنه الله، ومع هذه الصورة من الألم، تأتي صورة أخرى من التسلية، يقول الله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]، بعد كل هذا الألم والاضطهاد يريد الله عز وجل أن يمكن للمستضعفين، {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:6] إلى آخر الآيات.
نفس الصورة تكررت في مكة وتتكرر إلى يوم القيامة، فإذا كان الصبر سيتكرر فإن التمكين لا محالة سيتكرر؛ لأن الذي يعد هو ربنا سبحانه وتعالى وهو قادر على كل شيء.
إذاً: دراسة التاريخ وتحليله وفقهه أمر في غاية الأهمية لتربية الصف المؤمن على الصبر، ووضع لأيديهم على كل مفاتيح النصر الحقيقة.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس السابع من دروس السيرة النبوية.
تحدثنا عن جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة في مكة، وتكلمنا عن اعتراض معظم أهل مكة على دعوة الإسلام، وذكرنا الموانع الكثيرة التي كانت عند أهل مكة فصدتهم عن الدخول في دين الله عز وجل.
ثم ذكرنا الوسائل التي اتبعها أهل الباطل في حرب الدعوة الجديدة، فقد استخدموا وسائل سلمية كثيرة، مثل: محاولة تحييد أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل الحرب الإعلامية الموجهة التي تمثلت في تشويه صورة الداعية، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي تشويه الدعوة والإسلام وقواعده وتعاليمه، وفي شغل الناس بالملهيات والأغاني والمعاصي وغيرها، والتي قام بها النضر بن الحارث لعنه الله، لكن لم تفلح هذه الوسائل في إبعاد الناس عن سماع كلام الله عز وجل، ولم تمنع الناس من الدخول في دين الله، فماذا فعلت قريش؟ أو ماذا يفعل أهل الباطل لمقاومة الإسلام؟
الضغوط النفسية لصد المسلمين عن الدين
اتخذ أهل الباطل وسيلة أخرى من وسائل الباطل في حرب الإسلام: إنها حرب نفسية شنها أهل الباطل في مكة على المسلمين؛ حتى لا يشعروا براحة، مثل: الضغوط النفسية من الأهل والأقارب.
نحن نعرف أن معظم المؤمنين من الشباب، لذا اجتمع أهل الكفر وأعلنوا في مكة أنه على كل أب وأم وشيخ قبيلة أن يتصرف مع أبنائه، فنحن نعمل ذلك من أجل مصلحة الابن الذي خرج عن دين الآباء، وكذلك من أجل مصلحة الأب حتى يظل محافظاً على مكانه في مكة، مع العلم أن لهجة أهل السلطان في مكة كانت تحمل تهديداً خفياً أو صريحاً، مثل ما حصل مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان يحمل مهمة إبعاده عن دين الله عز وجل أمه، فقد حاولت بكل طرق الترغيب والترهيب أن تمنع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن الإيمان، لكنها فشلت ولم تستطع رده عن الإسلام، حتى إنها لجأت إلى الإضراب عن الطعام والشراب، قالت: لن آكل ولن أشرب حتى ترجع عن الإسلام، ضغط نفسي رهيب على شاب عمره (20) سنة، لكن الله ثبت سعداً رضي الله عنه، ووقف أمامها وقد أشرفت على الهلاك يقول لها في يقين: تعلمين والله يا أماه! لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً، ما تركت ديني هذا لشيء، فكلي إن شئت أو لا تأكلي! إصرار شديد، استحالة أن يغير هذا الدين مهما كانت الأثمان، ومهما كانت العواقب، فأكلت الأم وبقي سعد رضي الله عنه وأرضاه مسلماً، لكن الأمر كان شديداً ولا شك على نفس الشاب الصغير.
كذلك الضغط النفسي أيضاً مارسته أم مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه، كان مصعب أنعم فتيان قريش، كانت أمه غنية، وكانت توفر له كل أسباب الرفاهية، كانت تحضر له العطر من الشام والملابس من اليمن، فلما آمن منعت عنه ذلك، بل طردته من البيت ومنعت عنه كل الأموال، لكنه وإن كان قد تعود على حياة الترف والرفاهية لم يتغير، تقشر جلده مثل جلد الحية؛ لأنه كان معتاداً على حياة الترف والرفاهية، كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم إذا رأه بكوا لحاله وهو غير مبال، ثبت على الإسلام الذي غير تماماً من شخصية مصعب رضي الله عنه.
كذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه كان عمه يلف حوله الحصير، وبعد ذلك يشعله تحته حتى يكاد يختنق، لكنه أيضاً لم يرجع عن الدين.
وكان أبو جهل لعنه الله قيادياً كبيراً في مكة، وكان له تأثير على بيوت كثيرة فيها، كان يمر بنفسه على أهل مكة يهدد ويخوف، ولما يعلم بإسلام أحد يذهب لأهله، ويتوعد أهله بالخسارة الفادحة في المال والجاه والمكانة، كان يطرد من الأعمال من شك في إسلامه، كان يضغط على كبراء مكة ليضيقوا اقتصادياً على المسلمين، ومن لم تقنعه الكلمات قد يقتنع بالجوع.
حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسلم من هذه الضغوط النفسية، فـ أبو لهب لعنه الله كان قد زوج ولديه عتبة وعتيبة من بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة رقية والسيدة أم كلثوم فلما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الدعوة، أمر ولديه أن يطلقا بنتي الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالفعل طلقا البنتين، وهذا هم ثقيل، ولا شك أن فكر الرسول صلى الله عليه وسلم سوف ينشغل بهذه القضية ولو بدرجة ما.
ثم صورته في مكة يصبح شكلها مختلفاً، فعمه لا يريد أن يزوج ولديه ببنتي الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم وصل الأمر إلى أن زوجة أبي لهب أم جميل أروى بنت حرب -وكانت امرأة شديدة السوء- كانت تحمل الشوك وتضعه أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم! تعدى الأمر من إيذاء الرجال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إيذاء النساء، هذا شيء في منتهى المشقة على نفسية أي رجل، بل خرجت هذه المرأة ذات مرة لتضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمسكت بيدها فهراً من الحجارة، -يعني: ملء الكف من الحجارة- وجاءت لترجم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس بجانب الصديق رضي الله عنه في البيت الحرام فلما جاءت إليهما أخذ الله عز وجل ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أين صاحبك قد بلغني أنه يهجوني؟ وذلك في الآية الكريمة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5]، فـ أم جميل بنت حرب قالت: والله لو وجدته لرجمته بهذا الفهر! وهذا الإيذاء لم يكن فقط في الشارع أو في البيت الحرام، لا، بل كانوا يتطاولون على رسول الله حتى وهو في بيته، فقد كان إذا صلى في فناء بيته ألقوا عليه رحم الشاة من فوق السور حتى يصيبه هذا الأذى؛ لذا كان يصلي وراء حجر يستتر به من
اتخذ أهل الباطل وسيلة أخرى من وسائل الباطل في حرب الإسلام: إنها حرب نفسية شنها أهل الباطل في مكة على المسلمين؛ حتى لا يشعروا براحة، مثل: الضغوط النفسية من الأهل والأقارب.
نحن نعرف أن معظم المؤمنين من الشباب، لذا اجتمع أهل الكفر وأعلنوا في مكة أنه على كل أب وأم وشيخ قبيلة أن يتصرف مع أبنائه، فنحن نعمل ذلك من أجل مصلحة الابن الذي خرج عن دين الآباء، وكذلك من أجل مصلحة الأب حتى يظل محافظاً على مكانه في مكة، مع العلم أن لهجة أهل السلطان في مكة كانت تحمل تهديداً خفياً أو صريحاً، مثل ما حصل مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان يحمل مهمة إبعاده عن دين الله عز وجل أمه، فقد حاولت بكل طرق الترغيب والترهيب أن تمنع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن الإيمان، لكنها فشلت ولم تستطع رده عن الإسلام، حتى إنها لجأت إلى الإضراب عن الطعام والشراب، قالت: لن آكل ولن أشرب حتى ترجع عن الإسلام، ضغط نفسي رهيب على شاب عمره (20) سنة، لكن الله ثبت سعداً رضي الله عنه، ووقف أمامها وقد أشرفت على الهلاك يقول لها في يقين: تعلمين والله يا أماه! لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً، ما تركت ديني هذا لشيء، فكلي إن شئت أو لا تأكلي! إصرار شديد، استحالة أن يغير هذا الدين مهما كانت الأثمان، ومهما كانت العواقب، فأكلت الأم وبقي سعد رضي الله عنه وأرضاه مسلماً، لكن الأمر كان شديداً ولا شك على نفس الشاب الصغير.
كذلك الضغط النفسي أيضاً مارسته أم مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه، كان مصعب أنعم فتيان قريش، كانت أمه غنية، وكانت توفر له كل أسباب الرفاهية، كانت تحضر له العطر من الشام والملابس من اليمن، فلما آمن منعت عنه ذلك، بل طردته من البيت ومنعت عنه كل الأموال، لكنه وإن كان قد تعود على حياة الترف والرفاهية لم يتغير، تقشر جلده مثل جلد الحية؛ لأنه كان معتاداً على حياة الترف والرفاهية، كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم إذا رأه بكوا لحاله وهو غير مبال، ثبت على الإسلام الذي غير تماماً من شخصية مصعب رضي الله عنه.
كذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه كان عمه يلف حوله الحصير، وبعد ذلك يشعله تحته حتى يكاد يختنق، لكنه أيضاً لم يرجع عن الدين.
وكان أبو جهل لعنه الله قيادياً كبيراً في مكة، وكان له تأثير على بيوت كثيرة فيها، كان يمر بنفسه على أهل مكة يهدد ويخوف، ولما يعلم بإسلام أحد يذهب لأهله، ويتوعد أهله بالخسارة الفادحة في المال والجاه والمكانة، كان يطرد من الأعمال من شك في إسلامه، كان يضغط على كبراء مكة ليضيقوا اقتصادياً على المسلمين، ومن لم تقنعه الكلمات قد يقتنع بالجوع.
حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسلم من هذه الضغوط النفسية، فـ أبو لهب لعنه الله كان قد زوج ولديه عتبة وعتيبة من بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة رقية والسيدة أم كلثوم فلما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الدعوة، أمر ولديه أن يطلقا بنتي الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالفعل طلقا البنتين، وهذا هم ثقيل، ولا شك أن فكر الرسول صلى الله عليه وسلم سوف ينشغل بهذه القضية ولو بدرجة ما.
ثم صورته في مكة يصبح شكلها مختلفاً، فعمه لا يريد أن يزوج ولديه ببنتي الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم وصل الأمر إلى أن زوجة أبي لهب أم جميل أروى بنت حرب -وكانت امرأة شديدة السوء- كانت تحمل الشوك وتضعه أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم! تعدى الأمر من إيذاء الرجال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إيذاء النساء، هذا شيء في منتهى المشقة على نفسية أي رجل، بل خرجت هذه المرأة ذات مرة لتضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمسكت بيدها فهراً من الحجارة، -يعني: ملء الكف من الحجارة- وجاءت لترجم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس بجانب الصديق رضي الله عنه في البيت الحرام فلما جاءت إليهما أخذ الله عز وجل ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أين صاحبك قد بلغني أنه يهجوني؟ وذلك في الآية الكريمة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5]، فـ أم جميل بنت حرب قالت: والله لو وجدته لرجمته بهذا الفهر! وهذا الإيذاء لم يكن فقط في الشارع أو في البيت الحرام، لا، بل كانوا يتطاولون على رسول الله حتى وهو في بيته، فقد كان إذا صلى في فناء بيته ألقوا عليه رحم الشاة من فوق السور حتى يصيبه هذا الأذى؛ لذا كان يصلي وراء حجر يستتر به من
طلب المعجزات الخارقة للدلالة على صحة الإسلام تعنتاً ومماراة
وسيلة أخرى من وسائل أهل الباطل: طلب الأمور المعجزة من باب الجدل والمراء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى لهم بمعجزة عظيمة خالدة: إنها معجزة القرآن الكريم، تحداهم به تحدياً صارخاً، قال تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23 - 24]، تحدٍ في منتهى القوة: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة:24] ومع ذلك قريش ما حاولت مرة واحدة أن تعارض هذا القرآن الكريم، ومع علمهم بصدقه صلى الله عليه وسلم، ومع علمه بعجزهم وضعفهم أخذوا يطلبون المعجزات الأخرى من باب الجدل، مثل: انشقاق القمر، فوقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأشار بيده إلى القمر فانشق إلى نصفين، نصف على جبل والنصف الآخر على جبل آخر أمام الناس جميعاً، فقالوا: سحركم محمد، والمنصف منهم قال: اسألوا المسافرين، فلو كان سحرنا لن يسحرهم، فلما أتت الناس سألها أهل قريش عن هذا الأمر، فقالوا: نعم، لقد رأينا القمر انشق في ذات الليلة التي انشق عندهم فيها، فكانت هي الليلة التي شق فيها للرسول صلى الله عليه وسلم القمر، ومع ذلك قالوا: هذا سحر مستمر ولم يؤمنوا؛ لأنهم ما طلبوا الآيات رغبة في التصديق وإنما لمجرد الجدال والمراء، ثم وصل الأمر إلى أن قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكره الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه} [الإسراء:90 - 93]، لكن الله سبحانه وتعالى يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، أنكم إذا وصلتم إلى هذه الدرجة من الجدال والمراء فليس هناك إلا رد واحد وهو: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء:93]، هم لا يريدون الإيمان، وليس هناك داع للجدل العقيم مع هؤلاء الذين أنكروا بعقولهم وقلوبهم وجوارحهم المعجزة العظيمة، كل الذي طلبوه أقل من معجزة القرآن الكريم، لكنهم لا يريدون أن يؤمنوا، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} [الحجر:14]، أي: لو أخذناهم وأريناهم السماء والأفلاك والمجرات والجنة والنار {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:15].
هكذا يفعل الكفار وأهل الباطل دائماً في حربهم للمسلمين.
إذاً: من وسائل أهل الباطل في حرب المسلمين: طلب الأمور المعجزة من باب الجدل والمراء.
وسيلة أخرى من وسائل أهل الباطل: طلب الأمور المعجزة من باب الجدل والمراء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى لهم بمعجزة عظيمة خالدة: إنها معجزة القرآن الكريم، تحداهم به تحدياً صارخاً، قال تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23 - 24]، تحدٍ في منتهى القوة: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة:24] ومع ذلك قريش ما حاولت مرة واحدة أن تعارض هذا القرآن الكريم، ومع علمهم بصدقه صلى الله عليه وسلم، ومع علمه بعجزهم وضعفهم أخذوا يطلبون المعجزات الأخرى من باب الجدل، مثل: انشقاق القمر، فوقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأشار بيده إلى القمر فانشق إلى نصفين، نصف على جبل والنصف الآخر على جبل آخر أمام الناس جميعاً، فقالوا: سحركم محمد، والمنصف منهم قال: اسألوا المسافرين، فلو كان سحرنا لن يسحرهم، فلما أتت الناس سألها أهل قريش عن هذا الأمر، فقالوا: نعم، لقد رأينا القمر انشق في ذات الليلة التي انشق عندهم فيها، فكانت هي الليلة التي شق فيها للرسول صلى الله عليه وسلم القمر، ومع ذلك قالوا: هذا سحر مستمر ولم يؤمنوا؛ لأنهم ما طلبوا الآيات رغبة في التصديق وإنما لمجرد الجدال والمراء، ثم وصل الأمر إلى أن قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكره الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه} [الإسراء:90 - 93]، لكن الله سبحانه وتعالى يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، أنكم إذا وصلتم إلى هذه الدرجة من الجدال والمراء فليس هناك إلا رد واحد وهو: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء:93]، هم لا يريدون الإيمان، وليس هناك داع للجدل العقيم مع هؤلاء الذين أنكروا بعقولهم وقلوبهم وجوارحهم المعجزة العظيمة، كل الذي طلبوه أقل من معجزة القرآن الكريم، لكنهم لا يريدون أن يؤمنوا، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} [الحجر:14]، أي: لو أخذناهم وأريناهم السماء والأفلاك والمجرات والجنة والنار {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:15].
هكذا يفعل الكفار وأهل الباطل دائماً في حربهم للمسلمين.
إذاً: من وسائل أهل الباطل في حرب المسلمين: طلب الأمور المعجزة من باب الجدل والمراء.
السخرية والاستهزاء بالمؤمنين
هذه وسيلة من أقبح وسائل أهل الباطل في حرب الإسلام والمسلمين: هي السخرية والاستهزاء بالمؤمنين.
لم يصبح هناك منطق ولا عقل ولا حجة {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:29 - 33].
كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا جلس وجلس حوله المستضعفون من المسلمين، قال المشركون: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟! هكذا سخرية بدون حجة وبدون دليل، وإذا دخل عليهم فقراء المسلمين، قالوا: هؤلاء ملوك الأرض، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لأهل مكة: قولوا كلمة واحدة -لا إله إلا الله، محمد رسول الله- تملكوا بها العرب والعجم.
فيقولون: هؤلاء هم ملوك الأرض الذين سيملكون العرب والعجم.
جلس عقبة بن أبي معيط لعنه الله مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه، فرآه أبي بن خلف فظن أنه آمن، فذهب بعد ذلك يقول له: أنت آمنت، قال: لم أؤمن؟ فلم يصدقه، وقال له: حتى تثبت لي أنك لم تؤمن بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم لابد أن تبصق في وجه محمد، فقام عقبة لعنه الله وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصق في وجهه! هكذا فعلوا مع أحب الخلق إلى الله عز وجل، لكن الوضع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين بصفة عامة أن ازدادت حركة الدعوة في مكة، وازداد عدد المسلمين، وشعر المشركون بأن الموضوع سيخرج من أيديهم، فقدموا التنازلات، وبدءوا بعمل مفاوضات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاولوا أن يلتقوا في منتصف الطريق كما يقال: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9]، قدموا اقتراحين للرسول صلى الله عليه وسلم: أما الأول فقد كان سفيهاً من حكماء قريش، قاموا بما يسمى بالعبادة المشتركة فقالوا: هلم يا محمد فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر.
يعني: أنت تعبد هبل واللات والعزى، ونحن أيضاً نعبد إلهك في نفس الوقت، فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منها.
هذا مفهوم مغلوط وسطحي عن الألوهية أن أعبد عشرة أو عشرين إلهاً، وهذا تفكير طفولي من حكماء قريش.
الاقتراح الثاني كان على نفس المستوى من السطحية، فبعض المشركين تقدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يكون هناك ما يسمى بعبادة التناوب، يعني: نعبد إله محمد سنة، وهو يعبد إلهنا سنة، فنزل قول الله عز وجل يقطع الطريق تماماً على هذه المفاوضات الطفولية، وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]، المرة الوحيدة التي قال الله عز وجل فيها: (الْكَافِرُونَ)، ليقطع السبيل على كل كافر يساوم المؤمنين على أمر العقيدة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6]، بذلك أغلق الباب على هذه المفاوضات الهزلية، والدعوة تزداد، والمسلمون يتكاثرون.
هذه وسيلة من أقبح وسائل أهل الباطل في حرب الإسلام والمسلمين: هي السخرية والاستهزاء بالمؤمنين.
لم يصبح هناك منطق ولا عقل ولا حجة {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:29 - 33].
كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا جلس وجلس حوله المستضعفون من المسلمين، قال المشركون: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟! هكذا سخرية بدون حجة وبدون دليل، وإذا دخل عليهم فقراء المسلمين، قالوا: هؤلاء ملوك الأرض، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لأهل مكة: قولوا كلمة واحدة -لا إله إلا الله، محمد رسول الله- تملكوا بها العرب والعجم.
فيقولون: هؤلاء هم ملوك الأرض الذين سيملكون العرب والعجم.
جلس عقبة بن أبي معيط لعنه الله مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه، فرآه أبي بن خلف فظن أنه آمن، فذهب بعد ذلك يقول له: أنت آمنت، قال: لم أؤمن؟ فلم يصدقه، وقال له: حتى تثبت لي أنك لم تؤمن بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم لابد أن تبصق في وجه محمد، فقام عقبة لعنه الله وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصق في وجهه! هكذا فعلوا مع أحب الخلق إلى الله عز وجل، لكن الوضع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين بصفة عامة أن ازدادت حركة الدعوة في مكة، وازداد عدد المسلمين، وشعر المشركون بأن الموضوع سيخرج من أيديهم، فقدموا التنازلات، وبدءوا بعمل مفاوضات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاولوا أن يلتقوا في منتصف الطريق كما يقال: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9]، قدموا اقتراحين للرسول صلى الله عليه وسلم: أما الأول فقد كان سفيهاً من حكماء قريش، قاموا بما يسمى بالعبادة المشتركة فقالوا: هلم يا محمد فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر.
يعني: أنت تعبد هبل واللات والعزى، ونحن أيضاً نعبد إلهك في نفس الوقت، فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منها.
هذا مفهوم مغلوط وسطحي عن الألوهية أن أعبد عشرة أو عشرين إلهاً، وهذا تفكير طفولي من حكماء قريش.
الاقتراح الثاني كان على نفس المستوى من السطحية، فبعض المشركين تقدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يكون هناك ما يسمى بعبادة التناوب، يعني: نعبد إله محمد سنة، وهو يعبد إلهنا سنة، فنزل قول الله عز وجل يقطع الطريق تماماً على هذه المفاوضات الطفولية، وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]، المرة الوحيدة التي قال الله عز وجل فيها: (الْكَافِرُونَ)، ليقطع السبيل على كل كافر يساوم المؤمنين على أمر العقيدة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6]، بذلك أغلق الباب على هذه المفاوضات الهزلية، والدعوة تزداد، والمسلمون يتكاثرون.
وسيلة التعذيب الجسدي
لم تجد قريشاً حلاً إلا أن تلجأ إلى السلاح المعتاد في أيدي أهل الباطل، إذا وجدوا صلابة في الصف المؤمن، ألا وهو سلاح الإيذاء والتعذيب والتنكيل، سبحان الله، ووالله ما هو إلا سلاح الضعفاء، وهناك من يظن أن من معهم السلاح أقوى من المسلمين، لا، بل هم الضعفاء؛ فهم يختفون وراء سيوفهم وسياطهم ودروعهم، ويخفون معهم ضعفاً شديداً في نفوسهم، يخفون ضعف العقيدة والإيمان والحجة والبرهان، وضعف الشخصية والحكمة والرأي، وضعف الأخلاق والضمير.
إذاً: التعذيب والظلم والإجرام منطق من لا منطق له.
وأنا في حيرة من أمري: كيف لإنسان أن تقبل نفسه أو فطرته أن يرى إنساناً يعذب أمامه، بل ويشارك في التعذيب أو يأمر به؟ أي طبيعة وأي شخصية داخل هذا الإنسان؟ ما شكل قلبه؟ كيف انحطت البشرية إلى هذا المستوى المتدني من فساد الفطرة، الإنسان السليم لا يستطيع أن يرى حيواناً يتألم، فكيف بإنسان يلهب ظهره بالسياط؟ كيف لإنسان أن يحبس إنساناً بلا جريرة أياماً وشهوراً، بل وسنوات، والإسلام قد حرم على المسلم أن يحبس هرة؟ مع كل التداعيات الخطيرة التي تحدث لأسرته ولزوجته ولأولاده ولأمه وأبيه دون ذنب أو خطأ؟ ليس لهم جريمة إلا كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم يصف حال الكافرين مع المؤمنين: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8]، أي: مشكلة المؤمنين أنهم آمنوا بالله عز وجل، فقست قلوب الكافرين، وانطلقوا يفترسون المؤمنين والمؤمنات.
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، هذه نقطة سوداء في تاريخ البشرية حصلت في مكة، وما زالت تتكرر فيمن بعدهم وإلى يوم القيامة.
مرّ بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه بسلسلة مضنية من التعذيب، كان أمية بن خلف عليه لعنة الله يعذبه، تعذيباً معنوياً وبدنياً لا ينقطع، فقد كان أمية يضع في عنقه حبلاً ثم يأمر أطفال مكة أن يسحبوه في شوارع وجبال مكة، ولم يكن هذا لمدة يوم أو يومين، بل كان لفترات طويلة إلى أن ظهر أثر الحبل على عنق بلال رضي الله عنه وأرضاه، وكان أمية يمنع عنه الطعام، ويغدو به إلى الصحراء في مكة، ويضعه على الرمال الملتهبة في صحراء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة لا يقوى على حملها إلا المجموعة من الرجال فتوضع على صدر بلال، وهو يقول: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، لكن بلالاً رضي الله عنه وأرضاه صبر، وكان كثيراً ما يكرر: أحد أحد.
ولما سئل: لماذا هذه الكلمة بالذات؟ قال: كانت أشد كلمة على الكفار، فكان يريد أن يغيظهم بها.
فصبر بلال رضي الله عنه وأرضاه وما بدل وما غير، إلى أن اشتراه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم أعتقه بعد ذلك، ومرت الأيام ونسي الألم، لكن يبقي الأجر، واحفظوا هذه الجملة: يذهب الألم ويبقى الأجر، كل شيء يذهب، الدنيا كلها تذهب، لكن يبقى الأجر والثواب.
ياسر وسمية رضي الله عنهما والدا عمار بن ياسر رضي الله عنهم عذبا تعذيباً شديداً، وكان أبو جهل عليه لعنة الله يعذبهما مع عمار بنفسه، وزاد العذاب فوق الحد، إلى أن وصل الأمر أن قتل ياسر وسمية رضي الله عنها في بيت الله الحرام، وما ذنبهم حتى يعذبوا إلى أن يموت الأبوان، ليس لهم أي ذنب إلا إنهم أناس يتطهرون، وذنبهم أنهم يريدون الخير لهم ولكم وللمجتمع وللأرض كلها، وأنهم أناس صالحون يريدون أن يعبدوا ربهم بالطريقة التي شرعها الله، لكن {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]، قتل ياسر وقتلت سمية، لكن من الذي انتصر في النهاية؟ القاتل أو المقتول؟ سيأتي يوم عظيم، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6]، في هذا اليوم سيأتي الذين عذبوا المسلمين على مر العصور، ويغمسون غمسة واحدة في نار جهنم، وسينسى هؤلاء الهمجيون سعادة الدنيا جميعاً بغمسة واحدة، فما بالك بالخلود في جهنم مع العذاب الشديد! وفي ذات اليوم سيأتي أيضاً بلال وياسر وسمية ومن سار على نهجهم، أولئك الذين عذبوا في سبيل الله عز وجل، سيأتي هؤلاء وسيغمسون غمسة واحدة في الجنة، وسينسى المؤمنون شقاء الدنيا جميعاً، أي جهل وغباء وحماقة يعاني منها أولئك المعذبون لغيرهم؟ {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4 - 5].
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ
لم تجد قريشاً حلاً إلا أن تلجأ إلى السلاح المعتاد في أيدي أهل الباطل، إذا وجدوا صلابة في الصف المؤمن، ألا وهو سلاح الإيذاء والتعذيب والتنكيل، سبحان الله، ووالله ما هو إلا سلاح الضعفاء، وهناك من يظن أن من معهم السلاح أقوى من المسلمين، لا، بل هم الضعفاء؛ فهم يختفون وراء سيوفهم وسياطهم ودروعهم، ويخفون معهم ضعفاً شديداً في نفوسهم، يخفون ضعف العقيدة والإيمان والحجة والبرهان، وضعف الشخصية والحكمة والرأي، وضعف الأخلاق والضمير.
إذاً: التعذيب والظلم والإجرام منطق من لا منطق له.
وأنا في حيرة من أمري: كيف لإنسان أن تقبل نفسه أو فطرته أن يرى إنساناً يعذب أمامه، بل ويشارك في التعذيب أو يأمر به؟ أي طبيعة وأي شخصية داخل هذا الإنسان؟ ما شكل قلبه؟ كيف انحطت البشرية إلى هذا المستوى المتدني من فساد الفطرة، الإنسان السليم لا يستطيع أن يرى حيواناً يتألم، فكيف بإنسان يلهب ظهره بالسياط؟ كيف لإنسان أن يحبس إنساناً بلا جريرة أياماً وشهوراً، بل وسنوات، والإسلام قد حرم على المسلم أن يحبس هرة؟ مع كل التداعيات الخطيرة التي تحدث لأسرته ولزوجته ولأولاده ولأمه وأبيه دون ذنب أو خطأ؟ ليس لهم جريمة إلا كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم يصف حال الكافرين مع المؤمنين: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8]، أي: مشكلة المؤمنين أنهم آمنوا بالله عز وجل، فقست قلوب الكافرين، وانطلقوا يفترسون المؤمنين والمؤمنات.
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، هذه نقطة سوداء في تاريخ البشرية حصلت في مكة، وما زالت تتكرر فيمن بعدهم وإلى يوم القيامة.
مرّ بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه بسلسلة مضنية من التعذيب، كان أمية بن خلف عليه لعنة الله يعذبه، تعذيباً معنوياً وبدنياً لا ينقطع، فقد كان أمية يضع في عنقه حبلاً ثم يأمر أطفال مكة أن يسحبوه في شوارع وجبال مكة، ولم يكن هذا لمدة يوم أو يومين، بل كان لفترات طويلة إلى أن ظهر أثر الحبل على عنق بلال رضي الله عنه وأرضاه، وكان أمية يمنع عنه الطعام، ويغدو به إلى الصحراء في مكة، ويضعه على الرمال الملتهبة في صحراء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة لا يقوى على حملها إلا المجموعة من الرجال فتوضع على صدر بلال، وهو يقول: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، لكن بلالاً رضي الله عنه وأرضاه صبر، وكان كثيراً ما يكرر: أحد أحد.
ولما سئل: لماذا هذه الكلمة بالذات؟ قال: كانت أشد كلمة على الكفار، فكان يريد أن يغيظهم بها.
فصبر بلال رضي الله عنه وأرضاه وما بدل وما غير، إلى أن اشتراه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم أعتقه بعد ذلك، ومرت الأيام ونسي الألم، لكن يبقي الأجر، واحفظوا هذه الجملة: يذهب الألم ويبقى الأجر، كل شيء يذهب، الدنيا كلها تذهب، لكن يبقى الأجر والثواب.
ياسر وسمية رضي الله عنهما والدا عمار بن ياسر رضي الله عنهم عذبا تعذيباً شديداً، وكان أبو جهل عليه لعنة الله يعذبهما مع عمار بنفسه، وزاد العذاب فوق الحد، إلى أن وصل الأمر أن قتل ياسر وسمية رضي الله عنها في بيت الله الحرام، وما ذنبهم حتى يعذبوا إلى أن يموت الأبوان، ليس لهم أي ذنب إلا إنهم أناس يتطهرون، وذنبهم أنهم يريدون الخير لهم ولكم وللمجتمع وللأرض كلها، وأنهم أناس صالحون يريدون أن يعبدوا ربهم بالطريقة التي شرعها الله، لكن {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]، قتل ياسر وقتلت سمية، لكن من الذي انتصر في النهاية؟ القاتل أو المقتول؟ سيأتي يوم عظيم، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6]، في هذا اليوم سيأتي الذين عذبوا المسلمين على مر العصور، ويغمسون غمسة واحدة في نار جهنم، وسينسى هؤلاء الهمجيون سعادة الدنيا جميعاً بغمسة واحدة، فما بالك بالخلود في جهنم مع العذاب الشديد! وفي ذات اليوم سيأتي أيضاً بلال وياسر وسمية ومن سار على نهجهم، أولئك الذين عذبوا في سبيل الله عز وجل، سيأتي هؤلاء وسيغمسون غمسة واحدة في الجنة، وسينسى المؤمنون شقاء الدنيا جميعاً، أي جهل وغباء وحماقة يعاني منها أولئك المعذبون لغيرهم؟ {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4 - 5].
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ
نتائج الابتلاء في العهد المكي وفي كل عهد
ما حصل في مكة ليس غريباً؛ لأن حرب الحق والباطل سنة من سنن الله عز وجل، ستبتلى الأمة المؤمنة بصفة عامة، وسيبتلى كل فرد من أفرادها بصفة خاصة، لن يكون هناك أي استثناء، يقول الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2]، لابد من ابتلاء ولابد من فتنة؛ حتى تحدث ثلاثة أشياء مهمة نتيجة هذا الابتلاء: تنقية وتربية وتزكية.
الأمر الأول: التنقية، تنقية الصف المسلم، ما أسهل أن يقول المرء بلسانه: آمنت وصدقت وأيقنت، لكن ما أصعب العمل، لابد من اختبار وإيذاء الدعاة والملتزمين بنهج الله عز وجل ونهج رسوله الكريم، هذه سنة ماضية لتنقية الصف المؤمن من المنافقين {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3]، وإلا لقال كل الناس: نحن مسلمون، نحن مجاهدون في سبيل الله، لكن لابد من ابتلاء حقيقي وشديد.
الأمر الثاني: التربية، يريد ربنا سبحانه وتعالى لهذه الأمة أن تقود العالمين، وقيادة العالمين تحتاج إلى طراز فريد من البشر لا يهتز أمام العواصف، والابتلاء برنامج تدريبي متدرج للمؤمنين، يرتفع بمستوى المؤمن يوماً بعد يوم، وكلما عظمت مهام المؤمن ازداد بلاؤه؛ ليزداد إعداده كالذهب كلما اصطلى بالنار كان أنقى، وهكذا المسلم الصادق يخرج من الابتلاء أقوى وأعظم.
هذه أشياء رأيناها في التاريخ، ورأيناها في الواقع، وستظل إلى يوم القيامة سنة من سنن الله عز وجل.
الأمر الثالث: التزكية، أي: التطهير من الذنوب والخطايا، أحيانًا يحب ربنا إنساناً ويريد أن يرفع درجته، وهذه الدرجة لا يبلغها بعمله، فيبتليه سبحانه وتعالى فيصبر، فيبلغ الدرجة العالية: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، إذا كانت الشوكة تعمل هكذا، فما بالك بالضرب والجلد والحبس والتعذيب.
هذا كله مصلحة للمؤمنين.
إذاً: تنقية للصف المسلم، وتربية للصف المسلم، وتزكية للصف المسلم، لابد لها من ابتلاء، وسيظل الابتلاء إلى يوم القيامة.
ما حصل في مكة ليس غريباً؛ لأن حرب الحق والباطل سنة من سنن الله عز وجل، ستبتلى الأمة المؤمنة بصفة عامة، وسيبتلى كل فرد من أفرادها بصفة خاصة، لن يكون هناك أي استثناء، يقول الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2]، لابد من ابتلاء ولابد من فتنة؛ حتى تحدث ثلاثة أشياء مهمة نتيجة هذا الابتلاء: تنقية وتربية وتزكية.
الأمر الأول: التنقية، تنقية الصف المسلم، ما أسهل أن يقول المرء بلسانه: آمنت وصدقت وأيقنت، لكن ما أصعب العمل، لابد من اختبار وإيذاء الدعاة والملتزمين بنهج الله عز وجل ونهج رسوله الكريم، هذه سنة ماضية لتنقية الصف المؤمن من المنافقين {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3]، وإلا لقال كل الناس: نحن مسلمون، نحن مجاهدون في سبيل الله، لكن لابد من ابتلاء حقيقي وشديد.
الأمر الثاني: التربية، يريد ربنا سبحانه وتعالى لهذه الأمة أن تقود العالمين، وقيادة العالمين تحتاج إلى طراز فريد من البشر لا يهتز أمام العواصف، والابتلاء برنامج تدريبي متدرج للمؤمنين، يرتفع بمستوى المؤمن يوماً بعد يوم، وكلما عظمت مهام المؤمن ازداد بلاؤه؛ ليزداد إعداده كالذهب كلما اصطلى بالنار كان أنقى، وهكذا المسلم الصادق يخرج من الابتلاء أقوى وأعظم.
هذه أشياء رأيناها في التاريخ، ورأيناها في الواقع، وستظل إلى يوم القيامة سنة من سنن الله عز وجل.
الأمر الثالث: التزكية، أي: التطهير من الذنوب والخطايا، أحيانًا يحب ربنا إنساناً ويريد أن يرفع درجته، وهذه الدرجة لا يبلغها بعمله، فيبتليه سبحانه وتعالى فيصبر، فيبلغ الدرجة العالية: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، إذا كانت الشوكة تعمل هكذا، فما بالك بالضرب والجلد والحبس والتعذيب.
هذا كله مصلحة للمؤمنين.
إذاً: تنقية للصف المسلم، وتربية للصف المسلم، وتزكية للصف المسلم، لابد لها من ابتلاء، وسيظل الابتلاء إلى يوم القيامة.
أسباب صبر الصحابة على الأذى في العهد المكي
كانت السمة المميزة لجميع الصحابة: الصبر على الأذى وتحمل الاضطهاد في سبيل الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسلمين أن يردوا عن أنفسهم ذلك الأمر؛ للأمر الصريح من الله عز وجل: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:106]، وكان المشركون يعذبون ويشردون ويذبحون والمسلمون صابرون، بل أمروا ألا يردوا إيذاء، ولا يحملوا سلاحاً، ولا يرفعوا ضيماً، ولا يكسروا صنماً، ولا يسبوا مشركاً، {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108]، قتل ياسر وقتلت سمية والرسول صلى الله عليه وسلم يمر من أمامهم وهم يقتلون فيكتفي بقوله: (صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة)، ولم يمسك بيد أبي جهل ولم يجمع الصحابة ليقوموا بثورة أبداً.
نحن نريد أن نقف هنا وقفة، هي: كيف تعلم الصحابة الصبر؟ كيف يمكن لرجل يوضع على النار ويحرق أن يتحمل كل هذه الآلام ولا ينتقم لنفسه، وهو في الأخير جسد وعظم ودم ولحم وروح مثل كل الناس؟! نحن لا ندرس السيرة من أجل أن نحكي حكايات لطيفة عن جيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لا، بل نحن ندرسها حتى نفهم كيف وصلوا إلى هذا المستوى؟ ونعرف كيف نقلدهم؟ هناك طرق سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يعلم الصحابة، فدين الإسلام ليس فيه ضلالات أو أوهام، فكل شيء فيه واضح.
أنا سأخبركم عن بعض الأساليب والأسباب التي جعلت الصحابة ومن بعدهم يتحملون هذه الآلام المضنية في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الدعوة:
كانت السمة المميزة لجميع الصحابة: الصبر على الأذى وتحمل الاضطهاد في سبيل الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسلمين أن يردوا عن أنفسهم ذلك الأمر؛ للأمر الصريح من الله عز وجل: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:106]، وكان المشركون يعذبون ويشردون ويذبحون والمسلمون صابرون، بل أمروا ألا يردوا إيذاء، ولا يحملوا سلاحاً، ولا يرفعوا ضيماً، ولا يكسروا صنماً، ولا يسبوا مشركاً، {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108]، قتل ياسر وقتلت سمية والرسول صلى الله عليه وسلم يمر من أمامهم وهم يقتلون فيكتفي بقوله: (صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة)، ولم يمسك بيد أبي جهل ولم يجمع الصحابة ليقوموا بثورة أبداً.
نحن نريد أن نقف هنا وقفة، هي: كيف تعلم الصحابة الصبر؟ كيف يمكن لرجل يوضع على النار ويحرق أن يتحمل كل هذه الآلام ولا ينتقم لنفسه، وهو في الأخير جسد وعظم ودم ولحم وروح مثل كل الناس؟! نحن لا ندرس السيرة من أجل أن نحكي حكايات لطيفة عن جيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لا، بل نحن ندرسها حتى نفهم كيف وصلوا إلى هذا المستوى؟ ونعرف كيف نقلدهم؟ هناك طرق سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يعلم الصحابة، فدين الإسلام ليس فيه ضلالات أو أوهام، فكل شيء فيه واضح.
أنا سأخبركم عن بعض الأساليب والأسباب التي جعلت الصحابة ومن بعدهم يتحملون هذه الآلام المضنية في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الدعوة:
تعظيم قدر الله في قلوب المؤمنين
السبب الأول في زرع الصبر في قلوب المؤمنين: تعظيم قدر الله عز وجل.
لو كنت معظماً قدر الله سبحانه وتعالى في قلبك لا يمكن أن يهمك كل ألم يمر بك هذه الآلام؛ لذا تجد القرآن المكي يتكلم كثيراً عن تعظيم قدر الله عز وجل، يتحدث عن صفات الله عز وجل، عن جبروت الله عز وجل، عن عظمة الله عز وجل، عن قدرة الله عز وجل، عن أن الله عز وجل بيده كل شيء ولو كان سيصيبك ضر لابد أنه سيصيبك، ولو اجتمع أهل الأرض لحمايتك فلن ينفعوك، وعلى العكس لو أراد بك الرحمة لابد أن تحدث، وإن اجتمع أهل الأرض ليمنعوك منها، يقول الله في سورة الأنعام المكية: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:17]، لو كنت فعلاً مصدقاً بهذه الكلمات ستعرف أن نصيبك من الألم ستأخذه؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي أراد أن يقع بك ذلك الألم، فلابد أن يقع، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:17 - 18]، كل واحد مكتوب عليه نصيبه من الألم من ظالم أو مظلوم، كافر أو مؤمن، وإن لم يعذب في سبيل الله فسيعذب بصورة أخرى، من وجع في ضرسه، وسرطان في جسمه، وكسر في رجله، وصداع في رأسه، {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} [آل عمران:196]، قد يكون نصيبه من الألم معنوياً، وهو أشد من الألم المادي، لعل له ابناً فاشلاً يشرب المخدرات أو يكون عاقاً لوالديه، أو منعدم الأدب، أو زوجته منكدة عليه حياته، أو رئيسه يهينه كل يوم يعيش في تعاسة وشقاء، حتى لو كان أمام الناس تبدو عليه السعادة وممكن له في الأرض فهو في معيشة ضنكاً.
كل الناس تحس بالألم، {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]، لكن المسلم يتعذب كل هذا التعذيب وهو منتظر الجنة في الآخرة، لكن الظالم مسكين يتعذب في الدنيا بالطريقة التي يريدها ربنا سبحانه وتعالى، وفي الآخرة يعذب في جهنم، عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة، فلماذا لا يصبر المؤمن؟! إذاً: المؤمن عندما يعظم قدر ربنا سبحانه وتعالى يستسهل التضحية من أجل الله عز وجل؛ لأنه يعلم أن كل شيء بيد الله سبحانه وتعالى، وأن كل شيء قدره الله عز وجل لابد أن يحدث وأن يتحقق، سواء كان نعمة أو مشقة.
السبب الأول في زرع الصبر في قلوب المؤمنين: تعظيم قدر الله عز وجل.
لو كنت معظماً قدر الله سبحانه وتعالى في قلبك لا يمكن أن يهمك كل ألم يمر بك هذه الآلام؛ لذا تجد القرآن المكي يتكلم كثيراً عن تعظيم قدر الله عز وجل، يتحدث عن صفات الله عز وجل، عن جبروت الله عز وجل، عن عظمة الله عز وجل، عن قدرة الله عز وجل، عن أن الله عز وجل بيده كل شيء ولو كان سيصيبك ضر لابد أنه سيصيبك، ولو اجتمع أهل الأرض لحمايتك فلن ينفعوك، وعلى العكس لو أراد بك الرحمة لابد أن تحدث، وإن اجتمع أهل الأرض ليمنعوك منها، يقول الله في سورة الأنعام المكية: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:17]، لو كنت فعلاً مصدقاً بهذه الكلمات ستعرف أن نصيبك من الألم ستأخذه؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي أراد أن يقع بك ذلك الألم، فلابد أن يقع، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:17 - 18]، كل واحد مكتوب عليه نصيبه من الألم من ظالم أو مظلوم، كافر أو مؤمن، وإن لم يعذب في سبيل الله فسيعذب بصورة أخرى، من وجع في ضرسه، وسرطان في جسمه، وكسر في رجله، وصداع في رأسه، {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} [آل عمران:196]، قد يكون نصيبه من الألم معنوياً، وهو أشد من الألم المادي، لعل له ابناً فاشلاً يشرب المخدرات أو يكون عاقاً لوالديه، أو منعدم الأدب، أو زوجته منكدة عليه حياته، أو رئيسه يهينه كل يوم يعيش في تعاسة وشقاء، حتى لو كان أمام الناس تبدو عليه السعادة وممكن له في الأرض فهو في معيشة ضنكاً.
كل الناس تحس بالألم، {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]، لكن المسلم يتعذب كل هذا التعذيب وهو منتظر الجنة في الآخرة، لكن الظالم مسكين يتعذب في الدنيا بالطريقة التي يريدها ربنا سبحانه وتعالى، وفي الآخرة يعذب في جهنم، عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة، فلماذا لا يصبر المؤمن؟! إذاً: المؤمن عندما يعظم قدر ربنا سبحانه وتعالى يستسهل التضحية من أجل الله عز وجل؛ لأنه يعلم أن كل شيء بيد الله سبحانه وتعالى، وأن كل شيء قدره الله عز وجل لابد أن يحدث وأن يتحقق، سواء كان نعمة أو مشقة.
رفع قيمة الآخرة في قلوب المؤمنين
السبب الثاني: رفع قيمة الآخرة في عيون المؤمنين.
وهذا أسلوب من أروع الأساليب في تربية الصف المؤمن على التحمل والجلد والصبر، وتوسيع مدارك المسلم، وليعلم المقياس الحقيقي بين الدنيا بكل ما فيها من مصاعب ومشاق وألم وعمل، وبين الآخرة وما فيها من خلود، إذا أدرك الناس أن هناك يوماً ما سيحاسبون فيه على ما يعملون، وكان هذا العلم علماً يقينياً، وأدركوا أن الذي سيحاسبهم هو إله قادر عليم حكيم جبار قاهر سبحانه وتعالى، فإنهم ولاشك سيعملون له؛ لأجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في أول يوم لدعوته للناس (والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن على ما تعملون، وإنها لجنة أبداً أو نار أبداً).
نحن أحياناً نعاني من خلل تربوي خطير، وهو أننا لا نركز على رفع قيمة الآخرة في عيون المؤمنين، راجع القرآن المكي؛ لتعرف طبيعة المرحلة، إذا كانت الدعوة مضطهدة، والظلم مستفحلاً والأعداء كثر، فلابد من التركيز على رفع قيمة الآخرة في عيون المسلمين.
كما تحدث القرآن المكي عن الجنة؟ لا تكاد تخلو سورة من سور القرآن المكي من التذكير بالجنة والتذكير بالنار.
عش في الجنة التي كان يعيش فيها الصحابة وهم لا يزالون في الدنيا، يقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان:12]، أنا أريدك أن تتخيل أحد الصحابة وهو في بيت الأرقم بن أبي الأرقم يسمع هذه الآيات والتعذيب ينتظره في الخارج، كم سيكون حجم التعذيب بالنسبة للذي يسمعه عن وصف الجنة؟ لا شيء، إذا قورن أي ألم بالخلود في النعيم سقط {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان:12 - 22].
تخيل مؤمناً يسمع هذه الآيات ويعيش فيها، ثم يأتي عدوه ليعذبه ويحرمه جرعة الماء، أو الظل، أو يجلده أو يصلبه أو يقتله، ما الضير في ذلك؟ أليس منتقلاً من هذه الحياة بهمومها ومتاعبها إلى تلك الجنة العظيمة الخالدة؟! إذاًَ اسمع آيات القرآن الكريم المكي بهذا المفهوم، بأذن الصحابي الذي يعذب، لم يكن للتعذيب عندهم أي قيمة، هنا ستفسر لك أشياء غريبة على أسماعنا، مثل: موقف حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه لما طعن بالرمح في ظهره فخرج من صدره فقال: فزت ورب الكعبة! أي فوز فازه هذا وقد مات، وفقد كل شيء في عرف أهل الدنيا؟ هو يعتبر نفسه فائزاً؛ لأنه سينتقل من أرض الجهاد إلى الجنة مباشرة، مات شهيداً، وقد وعد الله الشهيد بأن يدخله الجنة بغير حساب.
إذاً: لماذا لا يقول: فزت ورب الكعبة؟ نفهم من هذا أن تعظيم قيمة الآخرة يصبر المؤمنين لا محالة على كل ألم وأذى ومشقة في سبيل الله عز وجل.
دراسة التاريخالسبب الثاني: رفع قيمة الآخرة في عيون المؤمنين.
وهذا أسلوب من أروع الأساليب في تربية الصف المؤمن على التحمل والجلد والصبر، وتوسيع مدارك المسلم، وليعلم المقياس الحقيقي بين الدنيا بكل ما فيها من مصاعب ومشاق وألم وعمل، وبين الآخرة وما فيها من خلود، إذا أدرك الناس أن هناك يوماً ما سيحاسبون فيه على ما يعملون، وكان هذا العلم علماً يقينياً، وأدركوا أن الذي سيحاسبهم هو إله قادر عليم حكيم جبار قاهر سبحانه وتعالى، فإنهم ولاشك سيعملون له؛ لأجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في أول يوم لدعوته للناس (والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن على ما تعملون، وإنها لجنة أبداً أو نار أبداً).
نحن أحياناً نعاني من خلل تربوي خطير، وهو أننا لا نركز على رفع قيمة الآخرة في عيون المؤمنين، راجع القرآن المكي؛ لتعرف طبيعة المرحلة، إذا كانت الدعوة مضطهدة، والظلم مستفحلاً والأعداء كثر، فلابد من التركيز على رفع قيمة الآخرة في عيون المسلمين.
كما تحدث القرآن المكي عن الجنة؟ لا تكاد تخلو سورة من سور القرآن المكي من التذكير بالجنة والتذكير بالنار.
عش في الجنة التي كان يعيش فيها الصحابة وهم لا يزالون في الدنيا، يقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان:12]، أنا أريدك أن تتخيل أحد الصحابة وهو في بيت الأرقم بن أبي الأرقم يسمع هذه الآيات والتعذيب ينتظره في الخارج، كم سيكون حجم التعذيب بالنسبة للذي يسمعه عن وصف الجنة؟ لا شيء، إذا قورن أي ألم بالخلود في النعيم سقط {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان:12 - 22].
تخيل مؤمناً يسمع هذه الآيات ويعيش فيها، ثم يأتي عدوه ليعذبه ويحرمه جرعة الماء، أو الظل، أو يجلده أو يصلبه أو يقتله، ما الضير في ذلك؟ أليس منتقلاً من هذه الحياة بهمومها ومتاعبها إلى تلك الجنة العظيمة الخالدة؟! إذاًَ اسمع آيات القرآن الكريم المكي بهذا المفهوم، بأذن الصحابي الذي يعذب، لم يكن للتعذيب عندهم أي قيمة، هنا ستفسر لك أشياء غريبة على أسماعنا، مثل: موقف حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه لما طعن بالرمح في ظهره فخرج من صدره فقال: فزت ورب الكعبة! أي فوز فازه هذا وقد مات، وفقد كل شيء في عرف أهل الدنيا؟ هو يعتبر نفسه فائزاً؛ لأنه سينتقل من أرض الجهاد إلى الجنة مباشرة، مات شهيداً، وقد وعد الله الشهيد بأن يدخله الجنة بغير حساب.
إذاً: لماذا لا يقول: فزت ورب الكعبة؟ نفهم من هذا أن تعظيم قيمة الآخرة يصبر المؤمنين لا محالة على كل ألم وأذى ومشقة في سبيل الله عز وجل.
السبب الثالث في تربية المسلمين على الصبر: هي دراسة التاريخ.
التاريخ يكرر نفسه، ودراسته تعرض صوراً واقعية من الماضي لأناس عاشوا في نفس الظروف التي عشت أنت فيها؛ لأنها حرب واحدة بين الحق والباطل، علو للباطل في فترة من الفترات، تعذيب وتشريد وقتل وإبادة لأهل الحق، وصبر وجلد وتحمل وعزيمة من المؤمنين، ثم في النهاية انتصار للحق وتمكين له، وهزيمة للباطل وهلاك له.
صورة متكررة في كل صفحات التاريخ، سنة من سنن الله عز وجل.
راجع القرآن المكي لتجد قصصاً لا حصر لها، لا تكاد تخلو سورة من سور القرآن المكي من قصة أو إشارة إلى قصة من هذا النوع، وتصور أنك تسمع مع الصحابة من ضمن الأمثلة الكثيرة التي ضربها الله عز وجل لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة مكة، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4]، هذه درجة عظيمة من الألم والإيذاء، حتى هذا لم يحصل مع الصحابة، لا يوجد أحد قتل أبناء الصحابة الرضع مثل ما كان يفعل فرعون لعنه الله، ومع هذه الصورة من الألم، تأتي صورة أخرى من التسلية، يقول الله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]، بعد كل هذا الألم والاضطهاد يريد الله عز وجل أن يمكن للمستضعفين، {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:6] إلى آخر الآيات.
نفس الصورة تكررت في مكة وتتكرر إلى يوم القيامة، فإذا كان الصبر سيتكرر فإن التمكين لا محالة سيتكرر؛ لأن الذي يعد هو ربنا سبحانه وتعالى وهو قادر على كل شيء.
إذاً: دراسة التاريخ وتحليله وفقهه أمر في غاية الأهمية لتربية الصف المؤمن على الصبر، ووضع لأيديهم على كل مفاتيح النصر الحقيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق