الاثنين، 19 يناير 2015

أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون

وكانت إجابة اللواء أحمد المواوي رداً على سؤال وجهه إليه الدفاع في القضية المذكورة.
  • س : - هل كلفتم متطوعي الإخوان بواجب خاص عند مهاجمتكم عسلوج؟
ج : - نعم ، العسلوج بلد تقع على الطريق الشرقي واستولى عليها اليهود أثناء الهدنة... ولهذا البلد أهمية كبرى بالنسبة لخطوط مواصلات القوات المصرية وكانت رئاسة الجيش بالقاهرة تهتم كل الاهتمام باسترجاع العسلوج حتى إن رئيس هيئة أركان حرب الجيش أرسل إلي إشارة هامة يقول فيها (لا بد من استرجاع العسلوج بأي ثمن) فكانت اللحظة التي وضعتها لاسترجاع العسلوج هي الهجوم عليها من الشرق والغرب.
فكلفت المرحوم البكباشي أحمد عبد العزيز قائد متطوعي الإخوان المسلمينبإرسال قوة من الشرق من المتطوعين وكانت قوة صغيرة لا تجاوز ثلاثين فردًا كلهم من متطوعي الإخوان بقيادة ضباط برتبة ملازم. وأرسلت قوة كبيرة من الغرب تعاونها جميع الأسلحة ولكن القوة الصغيرة هي التي تمكنت من دخول القرية والاستيلاء عليها.
ولما سأله المحامون عن السبب في تغلب القوة الصغيرة أجاب.. القوة الغربية كانت من الرديف (احتياط الجيش المصري العامل) وضعفت روحهم المعنوية بالرغم من وجود مدير العمليات الحربية فيها إلا أن المسألة ليست مسألة ضباط المسألة مسألة روح ، إذا كانت الروح ميتة لا يمكن للضابط أن يعمل شيئاً ، لا بد من وجود الروح المعنوية العالية.
وهكذا تحررت عسلوج على يد قوة صغيرة من متطوعي الإخوان المسلمينبقيادة ضابط ملازم.
وفي 14/ 10/ 1948 هاجمت سرية يهودية قرية بيت حانون واستطاعوا احتلالها في 16/ 10/ 1948 بعد مقاومة باسلة من قوات الجيش المصري التي كانت تحتل البلدة.
وبذلك قطع اليهود طريق المواصلات الرئيسي على ساحل البحر الأبيض المتوسط والذي كان يربط مدينة غزة ببقية المناطق في الشمال حتى أسدود على ساحل البحر.
فصدرت الأوامر لقوات الجيش المصري بالانسحاب من أسدود والمجدل إلى غزةعن طريق شاطئ البحر الأبيض المتوسط لتفادي الطريق المرصوف الذي قطعهاليهود باحتلالهم بلدة بيت حانون... وكان المفروض أن يصدر قرار انسحاب مماثل لقوات الفالوجا إلى مدينة بئر سبع وبذلك يكون الجيش المصري قد انسحب إلى خط دفاع ثان هو خط غزة بئر سبع وبذلك يكون الانسحاب منظماً.
ولكن العجيب أن قوات الفالوجا ظلت في مواقعها حتى أحاط بها اليهود من كل جانب. وقد ترتب على بقاء قوة معطلة في الفالوجا قوامها خمسة آلاف رجل ضياع مدينة بئر سبع وما أعقب ذلك من انهيار القطاع الشرقي عسلوج العوجة ثم اقتحام اليهود لحدود مصر الشرقية والزحف حتى مشارف مدينة العريشلتطويق الجيش المصري المتواجد على الشريط الساحلي رفح/ غزة.
أما قوة الفالوجا فقد أحكم اليهود حولها الحصار وظنوا أن هذه القوات لا تلبث أن تستسلم غير أن قوات الفالوجا الباسلة خيبت ظنهم ومضت تدافع عن مراكزها باستبسال حتى من الله عليها بالنجاة بعد نهاية الحرب وإعلان الهدنة وغادروا أرض الفالوجا بكامل أسلحتهم في 11/ 3/ 1949.
وقد قام الإخوان المسلمون بجهد رائع في إمداد قوات الجيش المصريالمحاصرة في الفالوجا بالمؤن والذخيرة بقوافل الجمال عبر الصحراء ، وكان للبطل الصاغ معروف الحضري جهد مشكور في هذه الفترة فكان يتولى قيادة هذه القوافل إلى أن وقع في أسر اليهود وظل في الأسر حتى تم تبادل الأسرى بعد الهدنة.
بعد حصار الفالوجا شدد اليهود هجومهم على حامية بئر سبع مفتاح فلسطينالشرقي وعاصمة النقب فاحتلوها يوم 27/ 10/ 1948.
وكانت القيادة العسكرية المصرية لحملة فلسطين سنة 1948 قد رأت بعد استشهاد البطل أحمد عبد العزيز تجميع كتيبتي الإخوان الأولى والثانية في منطقة الخليل وبيت لحم ومرتفعات صور باهر.
ولم يبق مع القوات المصرية النظامية من المتطوعين إلا الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان المسلمين فكلفتها القيادة لحملة فلسطين بإرباك مستعمرات النقب ، فقام أفراد الكتيبة الثالثة لمتطوعي الإخوان المسلمين بمحاصرة مستعمرات اليهود في صحراء النقب وتدمير شبكات مواسير المياه حتى كادت هذه المستعمرات أن تموت عطشاً.
وبسقوط بئر سبع يوم 27/ 10/ 1948 في أيدي اليهود أصبح في مقدور اليهود التنقل بحرية بين أرجاء صحراء النقب وأصبح موقف القوات المصرية في القطاع الشرقي حرجاً للغاية.
مما دفع اللواء المواوي قائد حملة فلسطين أن يطلب رسمياً في عدة خطاباً له إلى الأمانة العامة للجامعة العربية تجنيد أكبر عدد ممكن من شباب الإخوانوإرسالهم فوراً إلى ميادين القتال في فلسطين ليتمكن من السيطرة على الموقف في القطاع الشرقي قطاع عوجا - عسلوج - بئر سبع - الخليل - بيت المقدس وكلف اللواء المواوي الأستاذ الشيخ محمد فرغلي رئيس متطوعي الإخوان فيحرب فلسطين بالسفر إلى القاهرة لاستعجال تجهيز وتعبئة شباب الإخوان المسلمين.
وفي 11/ 11/ 1948 قررت الحكومة المصرية سحب اللواء المواوي وتعيين اللواء أركان حرب أحمد فؤاد صادق قائداً لحملة فلسطين وكان أفراد الكتيبة الثالثة للإخوان المسلمين لا يزالون يحتلون المواقع المحيطة بمستعمرات اليهود.
وفي ذات يوم صدرت أوامر بسحب الإخوان من تلك المواقع ووضعهم في معسكر برفح.
وبمجرد سحب الإخوان من تلك المواقع بادر اليهود إلى احتلالها وبذلك انحلت القيود التي كانت تكبل المستعمرات اليهودية بالنقب.
ولم تمض أيام قليلة حتى احتل اليهود تبة الشيخ نوران ولقد حاول الجيش المصري استردادها فهاجمها بقوات كبيرة في 6/ 12/ 1948 ولكن ذهبت محاولاته أدراج الرياح.
أما بقية المواقع التي كان يحتلها الإخوان وصدرت لهم أوامر قيادة حملةفلسطين بإخلائها فقد احتلها اليهود.
فاحتل اليهود تل جمة في 5/ 12/ 1948 وتل الفارعة في 18/ 12/ 1948 وكان سحب الإخوان من مواقعهم المنيعة والحد من نشاطهم العسكري يرجع إلى الإجراءات الشاذة التي اتخذتها حكومة النقراشي قبيل حل جماعة الإخوان فيمصر.
فقد كان الملك فاروق ينظر بعين الريبة إلى الإخوان المسلمين ويخشى أن يؤلفوا جيشاً في فلسطين يكون خطراً على عرشه. حقاً لقد كان الإخوان المسلمين خطراً على إسرائيل وفد فهم اليهود ذلك حق الفهم في ميدان القتال.
فأوحى اليهود إلى الإنجليز الذين أوحوا إلى الملك فاروق وأدخلوا في روعه أن استمرار الإخوان في جهادهم بفلسطين والنشاط الذي يجريه حسن البنا فيمصر لتجهيز قوات إخوانية كثيفة ليدخل بها فلسطين وإيقاظه لروح الجهاد الديني في الشعب المصري سيصبح خطراً داهما على عرش فاروق.
فأمر الملك فاروق رئيس وزرائهمحمود فهمي النقراشي باتخاذ الإجراءات اللازمة للبطش بجماعة الإخوان المسلمين واستئصال شأفتهم.
ولقد سبق أن ذكرت أن اللواء المواوي طالب بإرسال أكبر عدد من متطوعيالإخوان المسلمين وإرسالهم فوراً إلى ميدان القتال ب فلسطين وسافر لهذه الغاية الشيخ محمد فرغلي رئيس متطوعي الإخوان في حرب فلسطين إلىالقاهرة بتعليمات مكتوبة من قائد حملة فلسطين اللواء المواوي.
ولقد أخبرني الصاغ محمود لبيب أن عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية قد استدعاه في ذلك التاريخ ورجاه أن يعمل على تجنيد أكبر عدد ممكن لأن خطورة الموقف العسكري في فلسطين تتطلب إرسالهم على جناح السرعة.
ومضى محمود لبيب فاتصل بشعب الإخوان في جميع أنحاء مصر وطلب تجهيز أكبر عدد ممكن من الأفراد.
ولكن ما إن تناهى النبأ إلى مسامع النقراشي رئيس الوزراء حتى رفض قبول الفكرة رفضا باتا.
ولم يستطع محمود لبيب فهم أسباب الرفض في حينه حتى جاءت الحوادث الغربية بعد ذلك لتعلن الحقيقة المرة.. ذلك أن النقراشي كان مشغولاً بتنظيم خطة للفتك بجماعة الإخوان المسلمين ومحوها من الوجود.
ولو أدى الأمر إلى تعريض جيش مصر في فلسطين لأقدح الأخطار وتعريض الأرض التي اكتسبها بدمائه إلى الضياع وتسليمها لليهود بلا قتال.
إذ أصدر النقراشي رئيس الوزراء أوامر مشددة إلى اللواء فؤاد صادق قائد حملةفلسطين الجديد بسحب قوات الإخوان من مواقعهم وسحب أسلحتهم واعتقالهم وإرسالهم كأسرى حرب إلى المعتقلات في مصر.
ولكن اللواء فؤاد صادق رفض بشدة اعتقال هؤلاء المجاهدين واكتفى بسحبهم من مواقعهم وأبقاهم في معسكر بمنطقة رفح المصرية ومعهم أسلحتهم.
وفي الوقت الذي كان فيه حسن البنا بعد قوات كثيفة ليدخل بها إلى فلسطينكان النقراشي يرتكب أبشع حماقة يمكن أن يصدر من رجل دولة مسئول في حالة الحرب.
ولم تلبث الأنباء أن جاءت بقيام المذبحة ، فسبق زعماء الإخوان إلى المعتقلات وكان من بينهم الشيخ محمد فرغلي رئيس الإخوان المسلمين بفلسطين الذي أرسله المواوي ليستعجل حضور شباب الإخوان المتطوعين للجهاد في فلسطين.
وفي ليلة 7/ 12/ 1948 حوصر معسكر الإخوان برفح بقوات كبيرة من الجيش المصري وحضر اللواء البرديني ومعه عدد من ضباط البوليس الحربي وطلبوا مقابلة قائد معسكر الإخوان المسلمين.
وقال اللواء البرديني لقائد الإخوان : لقد أبلغتنا الحكومة المصرية أن قراراً صدر بحل الإخوان بمصر والقائد العام فؤاد صادق بناء على طلب الحكومة يطلب تسليم الأسلحة ومعدات الحرب خشية أن يركب بعض شباب الإخوان رءوسهم ويرتكبوا بعض الحماقات يكون فيها أبلغ الضرر.
وهم شبان في مقتبل العمر متحمسون وقد لا يقدرون عواقب تصرفاتهم في هذه المرحلة الخطيرة التي يجتازها الجيش المصري وأنت رجل عاقل فأرجو ألا تمانع في تسليم الأسلحة ومعدات الحرب. فقال له قائد الكتيبة الثالثة من متطوعيالإخوان : إن مسألة حل الإخوان المسلمين أمر وارد وهذه الدعوة غير قابلة للحل لأنها دعوة الله وستجد حتماً من يعمل لها من غير الإخوان المسلمين.
أما خشية الجيش من قيام حركة انتقامية في الميدان فتلك خشية لا موضع لها على الإطلاق ، فإن إيمان الإخوان بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يمنعهم من التفكير في مثل هذه الأعمال ، وإن هؤلاء الشباب الذين باعوا أنفسهم لله لن يختموا جهادهم بضرب وجوه المؤمنين من إخوانهم ضباط وجنود الجيش المصري.
وعلى هذا فتسليم الأسلحة لا مبرر له ، وعلى القائد العام أن يطمئن تماماً ويبلغ المسئولين في مصر بهذا الرأي وأن يتحمل التبعة وهو رجل شريف وشجاع.
وأخيراً اتفق اللواء البرديني مع قائد الإخوان على كتمان الأمر حتى يقابل قائدالإخوان اللواء فؤاد صادق في الصباح.
وذهب قائد الإخوان في الصباح لمقابلة اللواء فؤاد صادق الذي قال له : إنه فكر في الأمر فاستقر رأيه على معالجته بالحكمة وأنه سيترك للإخوان حرية الاختيار فإن رأوا كلهم أو بعضهم مغادرة الميدان والذهاب إلى بلادهم في مصر فسوف يسهل لهم أمر العودة وإن رأوا أن يستمروا في الحرب مع الجيش المصريفسيظلون في أماكنهم دون أي تغيير في أوضاعهم.
على أنه يرجو أن يتدبر الإخوان الأمر وأن يعلموا أن الجيش المصري في حاجة إليهم وإلى جهودهم ولا يليق بهم التخلي عنه في هذه الظروف.
ثم طلب جمع الإخوان في موعد معين ليتحدث إليهم ولما عاد قائد الإخوان إلى المعسكر وجد أبناء قرار حل الإخوان قد سبقه إلى أفراد المعسكر عن طريق أجهزة الراديو.
فشرح لهم ما دار بينه وبين اللواء فؤاد صادق وتشاور الإخوان في الأمر واستقر رأيهم بالإجماع على البقاء ومواصلة القتال مع الجيش المصري حتى تضع الحرب أوزارها.
وفي اليوم التالي حضر اللواء فؤاد صادق وعرف إجماع الإخوان على البقاء لمواصلة القتال في سبيل الله فحياهم اللواء صادق على روحهم الوطنية الطيبة. هذا كان رأي شباب الإخوان المقاتل مع الجيش المصري فماذا كان رأي قيادةالإخوان في مصر .
لقد أرسل حسن البنا خطاباً سرياً مع أحد الإخوان يقول فيه لا شأن للمتطوعين بما يجري في مصر وما دام في فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن مهمتهم لم تنته وأوصى الإخوان بالهدوء وعدم مقاومة الحكومة في إجراءتها التعسفية حتى لا يستفيد الإنجليز واليهود من الفتنة لأن الإخوان المسلمين لو قاوموا الحكومة لتحولت الفتنة إلى حرب أهلية لن يستفيد منها سوى أعداء مصر .
وأمر حسن البنا الإخوان أن يتحملوا المحنة وأن يسلموا أكتافهم للسعديين ليقتلوا ويشردوا كيف شاءوا حرصاً على مصلحة شعب مصر وإبقاء على وحدة الأمة وتفاديا لنشوب حرب أهلية لا يستفيد منها سوى أعداء الإسلام.
وصدع الإخوان بالأمر وتحملوا مصائب المحنة بصبر وجلد ومضي السعديون في خطتهم الطائشة يعتقلون ويعذبون حتى بات أي فرد في مصر تحت رحمة البوليس السياسي.
وكان طبيعياً أن تبرر الحكومة المصرية خطتها فأخذت وسائل الإعلام التابعة لها تشيع أنباء مختلفة عن مؤامرات وهمية تدبر في الخفاء لقلب نظام الحكم.
وطفحت الصحف الحكومية بتفاصيل هذه المؤامرات الوهمية ولم يسمح للإخوان بالدفاع عن أنفسهم وفرض التعتيم الإعلامي التام لكيلا يعرف شعبمصر حقيقة الأمور.
فالحكومة في ظل الأحكام العرفية كانت نقيض بيد من حديد على وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة ودور نشر وتملي عليها ما تذيعه وتنشره من إفك وزور وبهتان. ولو ترك حسن البنا على حريته دون أن تضع الحكومة المصريةالعراقيل أمامه لرأي دعاة السوء كيف يغرق فلسطين بقوات إخوانية كثيفة ولتغيرت نتيجة الحرب لا محالة.

موقف كاتب هذه السطور من الحرب الفلسطينية عام 1948

أ- شاهد عيان على الأسلحة الفاسدة
عندما دخل الجيش المصري فلسطين في 15 مايو 1948 كنت مدرساً بمدرسة المشاة. وقد أرسلت حكومة مصر في ذلك الوقت لجاناً لشراء الأسلحة من دول أوروبا. وكانت الأسلحة الخاصة بسلاح المشاة ترسل عينة منها لمدرسة المشاة لتجربتها وتدريب الضباط والجنود الجدد عليها قبل إرسالهم لميادين القتال. وفي يوم من الأيام الأخيرة لشهر مايو 1948 كلفت بترجمة كتاب من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية عن سلاح جديد اسمه Bigit mortar اشترته إحدى لجان مشتريات السلاح من أسبانيا.
وأثناء قيامي بعملية الترجمة في مدرسة المشاة حضر البكباشي عبد العليم منصور مهران ومعه البكباشي مهندس مصطفى النيال وقالا تفضل معنا إلى تبة البندرول (جبل صغير بالقرب من مدرسة المشاة) لتجربة السلاح الجديد. فقلت لهما تفضلا وسألحق بكما بعد أن أتم جمع الورق الموجود في يدي وأحفظه تحت القفل في الخزينة. فذهب البكباشي مهران والبكباشي النيال إلى مكان التجربة عند تبة النبدرول ، وذهبت لألحق بهما بعد قليل من الوقت لا يتجاوز ربع ساعة فسمعت صوت انفجار شديد تحطم على أثره زجاج شبابيك مدرسة المشاة ، فأسرعت عدواً إلى تبة البندرول فوجدت أنهم أطلقوا أول دانة من هذا المدفع فانفجرت الدانة داخل الماسورة الخاصة بالمدفع. وقتل البكباشي مهران وأصيب المهندس النيال إصابة خطيرة في رأسه أودت بحياته بعد ذلك كما قتل تسعة من ضباط الصف المعلمين من قوة مدرسة المشاة كانوا جميعاً في التجربة مع البكباشي مهران والمهندس النيال.
وأرى أن المسئول الأول عن إحضار الأسلحة الفاسدة لمصر هي اللجان التي أرسلت إلى أوروبا لشراء الأسلحة والذخائر وأستبعد تماماً أن يكون الملك فاروقشريكاً في هذه الجرائم لأن الملك هو القائد الأعلى للجيش وانتصار الجيش فخر للملك ولا شك في هذا مع العلم بأنه لم يرسل إلى ميدان القتال بفلسطين سنة1948 أية أسلحة فاسدة لأن السلاح كان يجرب في مصر قبل إرساله إلى ميدان القتال.
ب- اشتراكي في حرب فلسطين سنة 1948
قررت رئاسة الجيش المصري إنشاء لواء مشاة جديد لتعزيز القوات المسلحة المصرية فتقرر إنشاء اللواء الرابع المشاة من الكتائب 10- 11- 12 وللعلم فقوةالجيش المصري من المشاة حينما قامت حرب فلسطين في 15 مايو 1948 لم تكن تزيد على 3 لواء مشاة تشمل الكتائب من رقم 1- 9.
وفي 30/ 6/ 1948 تقرر نقلي من مدرسة المشاة إلى الكتيبة 12 مشاة ثم نقلت يوم 4/ 10/ 1948 إلى الكتيبة العاشرة المشاة قيادة القائم مقام عثمان بك فهمي عبد الرءوف وفي 18- 10- 1948 تحركت الكتيبة العاشرة المشاة إلى فلسطينمن معسكر هاكستب بالسكة الحديد رأساً إلى مدينة غزة وحينما نزلنا من القطار في محطة غزة الفلسطينية كان موقف القوات المصرية حرجاً للغاية ، إذ قطع اليهود خط مواصلات الجيش المصري شمال غزة بعد أن استطاعوا قوة يهودية احتلال بلدة بيت حانون يوم 16/ 10/ 1948.
وبذلك قطعت مواصلات القوات المصرية ما بين غزة والقوات الموجودة في المجدل وأسدود شمالاً على الطريق الساحلي. وكلفت قيادة حملة فلسطينالكتيبة العاشرة التي أخدم بها باحتلال موقع دفاعي حول مدينة غزةالفلسطينية.
ثم صدرت لنا الأوامر بتسليم غزة لكتيبة أخرى والتحرك جهة الشرق لاحتلال مدينة عسلوج. ثم صدرت لنا الأوامر بإخلاء العسلوج وتسليمها لقوة أخرى والتوجه إلى دير البلح على الطريق الساحلي وعين للكتيبة العاشرة المشاة التي أخدم بها قطاع للدفاع عنه كانت من ضمنه التبة 86.
ج- شاهد عيان على بسالة الإخوان المسلمين
نقض اليهود الهدنة يوم 23/ 12/ 1948 وهاجموا مرتفعاً حاكماً يقع شرق الطريق الساحلي المرصوف (طريق رفح/ تل أبيب) وهذا المرتفع يعرف بالتبة 86 في قطاع دير البلح وكان هذا التل يقع ضمن القطاع الذي تحتله الكتيبة العاشرة التي أخدم بها.
هاجم اليهود التبة 86 ليلاً فاقتحموا مواقع المشاة بالسلاح الأبيض وقتلوا الحراس وفر بعض الجنود مذعورين من هول المباغتة. وكان نجاح اليهود في احتلال التبة 86 معناه عزل حامية غزة وتمثيل مأساة الفالوجا مرة أخرى.
ولقد تولى الأمير ألاي محمود بك رأفت قائد قطاع دير البلح إدارة معركة استرداد التبة 86. فطلب من القائد العام فؤاد صادق إرسال قوة من الإخوان المسلمين لاسترداد التبة 86. ورغم أن قرار حل الإخوان كان قد صدر في 8/ 12/1948 فقد ظل الإخوان المسلمون يؤدون واجبهم المقدس في مجاهدة أعداء الله. رغم ما كانت تصلهم من أنباء مثيرة عن الإرهاب ضد إخوانهم في مصر.
وكلفت قيادة حملة فلسطين سرية من كتيبة الإخوان الثالثة والتي كانت موجودة كاحتياط للقيادة العامة في معسكر رفح باسترداد التبة 86.
وبدأت معركة استرداد التبة 86 الساعة 2 بعد ظهر يوم 24/ 12/ 1948 بإطلاق المدفعية المصرية غلالة من النيران فوق التل أتبعتها بستارة من الدخان ثم تقدمت قاذفات اللهب المركبة على حمالات مدرعة يتبعها شباب الإخوان المسلمين. ولما اقتربت قوة الإخوان من التبة 86 سكتت المدافع وانطلقت قاذفات اللهب تصب حممها على التبة وورع اليهود حين رأوا الإخوان يلقون بأنفسهم عليهم فوق الخنادق وسط اللهب ويعاركونهم بالسلاح الأبيض ورغم كثرة الضحايا من الإخوان فقد تمكنوا من استرداد التبة 86 وفتكوا بمن كان فيها من اليهود فلم ينج منهم أحد.
وطلب اللواء فؤاد صادق الإنعام بأوسمة عسكرية على الإخوان الذين استردوا التبة 86 فما طلت حكومة السعديين غير أن الرجل الشجاع أصر على رأيه مما اضطر الحكومة إلى إجابته إلى مطلبه.
وصدرت النشرة العسكرية تحمل أسماء خمسة عشر من الإخوان المسلمينالمصريين ثم تتابعت النشرات العسكرية تحمل الإنعام الملكي على أبطالالإخوان المسلمين في حرب فلسطين.
ومن المضحك والمبكي في وقت واحد أن تصدر النشرات العسكرية وفيها عتراف رسمي ببطولة الإخوان المسلمين وهو اعتراف من قيادة الجيش المصريبشجاعتهم وصدق جهادهم ثم هو اعتراف بفضل قائد الدعوة الإمام حسن البنا.
في هذا الوقت بالذات كان الإخوان يقاسون مرارة الاعتقال والتعذيب ويعيشون كالمجرمين وراء الأسوار. وهكذا أباحت العقلية المتناقضة لنفسها أن تعامل طائفة من الناس على أنهم أبطال ومجرمون في آن واحد.
 المعارك الأخيرة في النقب التدوينة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق