الجمعة، 9 يناير 2015

احمد عرابى فى الميزان

الحقيقة التي يؤسف لها أن "القائد أحمد عرابي" الذي قاد الثورة الشعبية ضد الإنجليز و (الخديوي توفيق) عام 1882 م كان في الواقع بعيدًا عن عقيدة أهل السنة والجماعة، جاهلاً لكثير من قضاياها المهمة التي على رأسها عقيدة الولاء والبراء والتي أجزم أنه لم يع معناها أبدًا.
بالإضافة إلى عدم وضوح المنهج وصفاء الرؤية، واعتقاده الساذج أنه يمكن أن يستغل علاقاته بهؤلاء الماكرين في إزالة الصعوبات التي كان يضعها الإنجليز في طريق حرية البلاد واستقلالها.
هذا الخلل الخطير في شخصية الزعيم (أحمد عرابي) كان من الأسباب الخطيرة في انهزام الجيش المصري، وانتصار الجيش البريطاني بكل سهولة.
فحين احتل الإنجليز الإسكندرية عزم عرابي على ردم مدخل القناة ليمنع الأسطول الإنجليزي من إنزال جنوده في الجبهة الشرقية، ولكن المستر ديلسبس أثناه عن عمله هذا، ووعده بمنع الأسطول من المرور في القنال اعتمادًا على حيادها
ولكن هذه الوعود سرعان ما تلاشت، وخدع بها القائد (عرابي) وعبر الأسطول الإنجليزي قناة السويس ليطوق البلاد من الشرق والغرب، وتقع الكارثة، ويجثم الاحتلال الإنجليزي على صدر مصر قرابة السبعين عامًا.
حقًّا إنها مأساة متكررة، فكم رزئت الأمة بأعداد من الحكام والقواد الذين لم يكونوا جديرين ومؤهلين لقيادتها، ومع إخلاص بعضهم إلى أن جهلهم بالعقيدة الصحيحة كان سببًا في إخفاق إخلاصهم، ونكبة أممهم وشعوبهم، ومن هؤلاء القائد (أحمد عرابي) الذي تصدى لقيادة الثورة والجهاد، وخلفه جموع الأمة وعلماؤها، ولكنه كان غير خليق بالقيادة بسبب ما ذكرنا
"وهذه الثورة العرابية لو قُدِّر لها أن تنجح فربما كانت سبقت مصطفى كمال أتاتورك بأشياء كثيرة فها هو محمود سامي البارودي أحد زعمائها يقول:
"كنا نرمي منذ بداية حركتنا إلى قلب مصر جمهورية مثل سويسرا، ولكنا وجدنا العلماء لم يستعدوا لهذه الدعوة؛ لأنهم كانوا متأخرين عن زمنهم، ومع ذلك فسنجتهد في جعل مصر جمهورية قبل أن نموت" 

* أحمد عرابي والماسون:
"أنشأ الأفغاني في الإسكندرية "جمعية مصر الفتاة"، ولم يكن فيها مصري حقيقي واحد، وإنما كان أغلب أعضائها من شباب اليهود .. ! كانت هذه الجمعية سرية وكان لها صحيفة تنطق باسمها هي صحيفة "مصر الفتاة" ذكر ذلك الشيخ محمد عبده في كتابه "أسباب الحوادث العرابية" ويظهر أنهم كانوا من الأتراك النازحين؛ لأنه كان معروفًا عن الأتراك المعادين لسياسة السلطان عبد الحميد أنهم يهربون إلى مصر، وإلا فما معنى قول الشيخ محمد عبده: "لم يكن فيها مصري واحد". وقد كان لهذه الجمعية دور خطير في إدارة ثورة عرابي، وهذا ما يجعلنا نشك في إخلاص أحمد عرابي في ثورته، خاصة وأنه ثبت أنه ماسوني. ورغم أن هذه الجمعية تأسست في الإسكندرية، إلا أنه أصبح لها فروع في مختلف المدن المصرية، وكانت هذه الجمعية أشبه ما تكون بجمعية تركيا الفتاة، التي حركت الثورة ضد السلطان عبد الحميد وانتهت بخلعه.
وهنا يعلق الدكتور محمد حسين على التشابه بين هاتين الجمعيتين فيقول: "هذا التشابه بين الاسمين وبين الأهداف الثورية لكل منهما، مع الاتفاق الزمني؛ لأن مؤسس تركيا الفتاة على ما هو معروف هو مدحت المعاصر للثورة العرابية، يوحي بوجود صلة ويؤيد وجود هذه الصلة أن عدداً كبيرا من أعضاء الحزبين التركي والمصري كانوا من الماسون، وأن الحزبين كليهما كانا متأثرين بمبادئ الثورة الفرنسية التي كان بعض زعمائها ومفكريها من الماسون أيضًا"
إذن لا بد أن تكون جذور هذين الحزبين واحدة، ولا يستبعد أن تكون الماسونية هي التي أوعزت إلى جمال الدين الأفغاني بتشكيل هذا الحزب أو الجمعية.
والذي يؤيد القول بأن هذه الجمعية كانت وراء ثورة عرابي وأن للماسونية الدور الأكبر في أمثال هذه الجمعيات السرية التي لا يعرف أعضاؤها ومحركوها ما جاء في البحوث التي نشرتها الجامعة الأمريكية في بيروت إذ تقول: " .. ويكفي أن نقول: أنه كان للماسونية دور كبير في هذه الجمعيات لم يكشف بعد، ولم توضح جوانبه الخفية .. ونحن نعلم أن الجمعيات الماسونية وعلى رأسها مكالييري اليوناني، قامت بدور كبير في حركة الانتفاض على حكم عبد الحميد في تركيا.
وأحب أن أشير أيضًا إلى تأثر بعض هذه الجمعيات بتنظيم جمعيات الكاربوناري كما كان الأمر في "جمعية مصر الفتاة" التي نظمها عدد من يهود الإسكندرية بالاشتراك مع بعض المثقفين المصريين على غرار جمعيات الكاربوناري، وفي الجمعيات السرية في العهد الحميدي"
من هذا تفهم أن جمعية مصر الفتاة هي صورة مصغرة عن جمعية تركيا الفتاة، وكلاهما يعملان سرًا بأوامر الماسونية اليهودية العالمية" * الثعلب والجاسوس البريطاني "بلنت" تنبّه له مصطفى كامل وصادقه أحمد عرابي!!
هناك صداقة مريبة جمعت بين بلنت وكل من الأفغاني ومحمد عبده وأحمد عرابي، وكان بلنت من أشد الناس تفانيًا في خدمة مصالح الإنجليز رغم أنه يتظاهر بصداقته للشرق المتمثل بالشعوب التابعة لتركيا، وبعدائه
للحكومات البريطانية، بل كان أحيانا يتظاهر بالدفاع عن قضايا الشعوب الشرقية ويقف بجانبهم، كما وقف بجانب عر بي ودافع عنه بعد أسره، كان هذا نوعًا من الدهاء والحنكة الإنجليزية.
بلنت واضع كتاب "مستقبل الإسلام " الذي يدعو فيه إلى هدم الخلافة الإسلامية بنقلها من السلاطين العثمانيين إلى العرب الضعفاء، ويدعو إلى الاعتماد على الإنجليز في إقامة خلافة إسلامية قوية. بلنت كان على صلة بزعماء الثورة العرابية التي انتهت باحتلال مصر من قبل قومه 
بلنت شجع عرابي على الثورة، وهو يعلم أنه ضعيف لا يستطيع الوقوف أمام جيوش الاحتلال، وهو الذي زين لعرابي الحكم الجمهوري الذي قام من أجل تحقيقه، ووقف أمام الخديوي يطالب بالتخلي عن السلطة، ففي خطاب عرابي إلى صديقه بلنت يقول: "ثم خلع إسماعيل فزال عنا عبء ثقيل، ولكنا لو كنا نحن قد فعلنا بأنفسنا لكنا تخلصنا من أسرة محمد علي بأجمعها، ولم يكن فيها أحد جدير بالحكم سوى سعيد، وكنا عندئذ أعلنا الجمهورية" بلنت أودى بصاحبه عرابي وثورته وبلاده في الهاوية، ومع ذلك لم يفطن عرابي لخطره بل بقي على صداقته له بعد ذلك، وتولى بلنت الدفاع عنه بعد أسره ومحاكمتة يقول الدكتور محمد محمد حسين واصفًا بلنت: "والمستر بلنت كان غريبًا جدًا في تصريحاته، كان لا يفتر عن التنقل بين مضارب الأعراب في مصر وفي سوريا وفي نجد، يدعو المصريين إلى الثورة، ويتكلم بعد وقوعها باسم عرابي، ويقدم صورًا مضللة عن صفته الرسمية وقدرته السياسية" ولذا فقد لفت أنظار الكثيرين، ممن درس حياة جمال الدين الأفغاني، هذه الصداقة الحميمة لهذا الثعلب والجاسوس البريطاني، الذي تنبه له مصطفى كامل وغفل عنه جمال الدين.
وكان الدكتور محمد محمد حسين قد شعر بهذه الصلة المشبوهة بين جمال الدين وبلنت فراح يتساءل ويقول: "وفيم كانت صلة الأفغاني بهذا الرجل بلنت، ينزل ضيفًا عليه عندما زار انجلترا؟ ويكتب إلى محمد عبده من بورسعيد وهو في طريقه إليها يطلب إليه أن يكون رده بعنوان المستر بلنت .. "
وكان جمال الدين يحكي أفكار بلنت في مسألة الخلافة، فقد دعا المستر بلنت المسلمين في كتابها مستقبل الإسلام" إلى نقل الخلافة من العثمانيين إلى العرب وكذلك جمال الدين كان يدعو إلى وضع الشريف حسين خليفة المسلمين بدلاً من السلطان عبد الحميد الثاني وهذا يؤكد صحة قول السلطان عبد الحميد بأنهما اتفقا في وزارة خارجية بريطانية على هدم الخلافة العثمانية. ثم إن بلنت هذا رجل ملحد لا يؤمن بدين ولا شريعة، فهل يصح لمسلم مؤمن بالله واليوم الآخر أن يصادق رجلاً ملحدًا، يقول الدكتور محمد محمد حسين: "بلنت كان من المتحررين الذين لا يؤمنون بالمسيحية، ولا يحسنون الظن بالكنيسة الكاثوليكية" والغريب أنه كان له اتصال وثيق بجميع من اشتغلوا بالمسألة المصرية من المصريين والأجانب منذ عهد عرابي إلى أن مات فقد صادق محمد عبده وبقي يراسله وينشر أفكاره حتى بعد موت جمال الدين الأفغاني، فهو الذي توسط لدى المعتمد البريطاني كرومر، بعد احتلال مصر على أثر ثورة عرابي وطرد محمد عبده من مصر، على إعادة الشيخ محمد عبده إلى مصر ولما عاد محمد عبده إلى مصر كان أول هدف له هو ترك السياسة ومجانبة الخصام مع الحكومة البريطانية. وقد قال اللورد كرومر نفسه في كتابه "مصر الحديثة": "إن العفو صدر عن الشيخ محمد عبده بسبب الضغط البريطاني" وأعجب من هذا أن تجد بعض المؤرخين المغفلين يقول: بأن بلنت كان رجلاً أرستقراطيًّا وثريًا، وكان يحب العرب والشرق ويدافع عن قضاياهم ويعطف على ثوراتهم وقادتهم ومفكريهم، منهم جمال الدين الأفغاني وأحمد عرابي ومحمد عبده وغيرهم، وكذا كانت صداقته لهم شريفة!! ويقول الشيخ محمد الجنبيهي وهو من علماء الأزهر المعروفين بالصلاح والتقوى في كتابه "بلايا بُوزا" يعارض فكر طه حسين ومحمد عبده: يقول الجنبيهي في صلة محمد عبده باللورد كرومر وبالمستر بلنت "لما شرعت القوة البريطانية في نفي الخونة العرابيين، ذلك النفي الصوري، كان نفي ابن عبده الغرابلي في البلاد الشامية وحده ليفتن فيها من أراد الله فتنته.
فلما انقضت مدة النفي، ورجع إلى الديار المصرية، كانت ثقة اللورد كرومر به أكبر ثقة. فسكن في "منشية الصدر" بعيدًا عن عيون الرقباء وكانت الواسطة بينه وبين اللورد رجلاً إنكليزيًا اسمه "بلنت" .. "
يقول الدكتور محمد محمد حسين في كتابه "الإسلام والحضارة العربية" (ص 94) بالهامش "يرى المؤلف أن عرابي كان خائنًا، وأنه كان يمثل الجناح الحربي في مدرسة الأفغاني، بينما كان محمد عبده يمثل الجناح الفكري، ويستدل على ذلك بصلتهما المشتركة وصلة أستاذهما الأفغاني من قبل بالمستر بلنت، الذي كان يعمل على تمزيق الدولة الإسلامية. فالمستر بلنت -كما هو معروف- هو الذي تولى الدفاع عن عرابي في محاكمته، وهو الذي أصدر بيانًا باسم الثورة العرابية نشره في جريدة التيمز، يصف فيه الحزب الوطني الذي أعد للثورة بأنه "حزب سياسي لا ديني" "الاتجاهات الوطنية"

* موقف محمد الهدي السنوسي شيخ السنوسيين من الحركة العرابية:
لم يقتنع المهدي السنوسي بجدوى الثورة، كأسلوب لتحقيق مطالب عرابي؛ لأنها تتيح للأجانب التدخل، وقد وضح هذا الرأي في رسالة بعث بها محمد الشريف أخو المهدي إلى الشيخ مصطفى المحجون شيخ زاوية الطيلمون بتاريخ شعبان 1306 هـ بمناسبة قيام إحدى قبائل برقة بالعصيان على الدولة العثمانية، إذ قال فيها: "ونرجو أن تكون الفتنة التي بالوطن قد طُفئت؛ لأنها مخيفة سيئة العاقبة، تشبه الفتنة العرابية التي من أجلها حلّ بالوطن الشرقي وأهله ما حلّ؛ لأنهم يحركونها ويعجزون عنها فتكون العاقبة التسليم للأجانب، فلو أنهم سلكوا طريقًا غير هذا لكان أسهل وآمن عاقبة ولسوف تكشف الأيام الكثير عن خبايا الثورة العرابية"  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق