محمد عبدة فى ميزان الشرع
لقد كان محمد عبدة التلميذ الوفي للأفغاني، وكان أمل المخطط اليهودي الصليبي -كما أوضح كرومر وجب وغيرهما- أن تكون حركة الشيخ مماثلة تمامًا لحركة (سير أحمد
خان) مؤسس جامعة (علي قره) بالهند التي تسمت (المعتزلة الجدد) وكانوا
مفتونين بحضارة الغرب منبهرين بها إلى أقصى حد.
ولكن ظروف مصر غير ظروف الهند، كما أن الشيخ وإن كان اعتزاليًا متطرفًا لم يستطع أن يصدم المشاعر الإسلامية بأكثر مما فعل حيث قامت ضد بعض تصرفاته ضجة في كثير من أنحاء العالم الإسلامي (الفتوى الترنسفالية، فتوى إباحة صناديق التوفير .. ). وليس ثمة شك في أن "مصر الحديثة" التي يريدها كرومر هي دولة لا دينية لا صلة لها بالإسلام وحكومتها ستكون على الشرط الذي مر آنفًا، أما محمد عبده فلم تكن لديه كما يبدو صورة واضحة، وإنما كان يهدف إلى الاصلاح الذي ينشده في ظل الاحتلال الإنجليزي. ولهذا فإن التعاون بين كرومر والشيخ يعني تقديم تنازلات من الأخير للأول، أما العدو المشترك لهما فهم العلماء. "غير الأحرار" الذين كانوا -رغم ما فيهم- ينفرون من المحتل والعمل معه في أية صورة!
وابتدأ محمد عبده عمله الاصلاحي بمهاجمة الأزهر ونقد المحاكم ونقد الحياة الاجتماعية وكرومر من ورائه يقطف الثمار.
لقد كانت بريطانيا -كعادتها- عازمة على إلغاء الشريعة الإسلامية فور تمكنها في البلاد، غير أن كرومر رأى أن أفضل وسيلة لذلك هو تفريغ المحاكم الشرعية من محتواها بأن يتولاها علماء "ذوو طابع تحرري" تتم تربيتهم بإشرافه هو والشيخ في معهد خاص لقضاة الشرع، وقوّى عزمه على ذلك، المعلومات التي يذكر أنه حصل عليها عن الكلية التي أنشاتها في سراجيفو حكومة النمسا والمجر لتخريج قضاة الشرع المسلمين والتي يقول عنها أنها: "كلية أثبتت نجاحها من كل الوجوه"، ويتحدث عن ذلك في تقريره السنوي لحكومته عام 1905:
" .. وقد وضعت هذه المعلومات تحت تصرف لجنة ذات كفاية ممتازة يرأسها المفتي الأكبر السابق (محمد عبده) بقصد وضع خطة مشابهة تلائم ظروف مصر وحاجاتها، وقد أتمت اللجنة عملها في شهر يونيه السابق ووضعت النظم المقترحة تحت تصرف الحكومة .. وهذه النظم تزود الطالب ببرامج ثقافية ذات طابع تحرري لا تحصر الطالب في الدراسات الدينية الخاصة والعجيب حقًا أن محمد عبده لم يكن يرى حرجًا من اقتباس القوانين التشريعية الغربية، ما دام ذلك يحقق (الإصلاح في نظره) بل يقول العقاد - وهو من المعجبين به- إنه: "علم أن المراجع العربية لهذه القوَانين لا تعطيه الإحاطة الواجبة بتلك المبادئ في أصولها المأثورة عند فلاسفة التشريع الغربيين فشرع في تعلم اللغة الفرنسية" . كما أن إعجابه بالثقافة الغربية هو الذي جعله يبالغ في انتقاص الأزهر مطلقًا عليه لفظ "الإصطبل أو المارستان أو المخروب"، ويحاول إصلاحه وإصلاح التعليم كله على الطريقة الغربية ويقول:
"إن كان لي حظ من العلم الصحيح .. فإنني لم أحصله إلا بعد أن مكثت عشر سنين أكنس من دماغي ما علق فيه من وساخة الأزهر وهو إلى الأن لم يبلغ ما أريد له من النظافة"
ولكن ظروف مصر غير ظروف الهند، كما أن الشيخ وإن كان اعتزاليًا متطرفًا لم يستطع أن يصدم المشاعر الإسلامية بأكثر مما فعل حيث قامت ضد بعض تصرفاته ضجة في كثير من أنحاء العالم الإسلامي (الفتوى الترنسفالية، فتوى إباحة صناديق التوفير .. ). وليس ثمة شك في أن "مصر الحديثة" التي يريدها كرومر هي دولة لا دينية لا صلة لها بالإسلام وحكومتها ستكون على الشرط الذي مر آنفًا، أما محمد عبده فلم تكن لديه كما يبدو صورة واضحة، وإنما كان يهدف إلى الاصلاح الذي ينشده في ظل الاحتلال الإنجليزي. ولهذا فإن التعاون بين كرومر والشيخ يعني تقديم تنازلات من الأخير للأول، أما العدو المشترك لهما فهم العلماء. "غير الأحرار" الذين كانوا -رغم ما فيهم- ينفرون من المحتل والعمل معه في أية صورة!
وابتدأ محمد عبده عمله الاصلاحي بمهاجمة الأزهر ونقد المحاكم ونقد الحياة الاجتماعية وكرومر من ورائه يقطف الثمار.
لقد كانت بريطانيا -كعادتها- عازمة على إلغاء الشريعة الإسلامية فور تمكنها في البلاد، غير أن كرومر رأى أن أفضل وسيلة لذلك هو تفريغ المحاكم الشرعية من محتواها بأن يتولاها علماء "ذوو طابع تحرري" تتم تربيتهم بإشرافه هو والشيخ في معهد خاص لقضاة الشرع، وقوّى عزمه على ذلك، المعلومات التي يذكر أنه حصل عليها عن الكلية التي أنشاتها في سراجيفو حكومة النمسا والمجر لتخريج قضاة الشرع المسلمين والتي يقول عنها أنها: "كلية أثبتت نجاحها من كل الوجوه"، ويتحدث عن ذلك في تقريره السنوي لحكومته عام 1905:
" .. وقد وضعت هذه المعلومات تحت تصرف لجنة ذات كفاية ممتازة يرأسها المفتي الأكبر السابق (محمد عبده) بقصد وضع خطة مشابهة تلائم ظروف مصر وحاجاتها، وقد أتمت اللجنة عملها في شهر يونيه السابق ووضعت النظم المقترحة تحت تصرف الحكومة .. وهذه النظم تزود الطالب ببرامج ثقافية ذات طابع تحرري لا تحصر الطالب في الدراسات الدينية الخاصة والعجيب حقًا أن محمد عبده لم يكن يرى حرجًا من اقتباس القوانين التشريعية الغربية، ما دام ذلك يحقق (الإصلاح في نظره) بل يقول العقاد - وهو من المعجبين به- إنه: "علم أن المراجع العربية لهذه القوَانين لا تعطيه الإحاطة الواجبة بتلك المبادئ في أصولها المأثورة عند فلاسفة التشريع الغربيين فشرع في تعلم اللغة الفرنسية" . كما أن إعجابه بالثقافة الغربية هو الذي جعله يبالغ في انتقاص الأزهر مطلقًا عليه لفظ "الإصطبل أو المارستان أو المخروب"، ويحاول إصلاحه وإصلاح التعليم كله على الطريقة الغربية ويقول:
"إن كان لي حظ من العلم الصحيح .. فإنني لم أحصله إلا بعد أن مكثت عشر سنين أكنس من دماغي ما علق فيه من وساخة الأزهر وهو إلى الأن لم يبلغ ما أريد له من النظافة"
لا شك أن الأزهر كان بحاجة إلى الإصلاح، ولكن الإصلاح الذي يريده الإنجليز
-ومعهم الشيخ- كان من نوع آخر، لا سيما وأن شبح سليمان الحلبي يهدد كرومر
كل حين وكان من أعظم خطط الإنجليز للقضاء على الشريعة الإسلامية إنشاء "مجلس شورى
القوانين" الذي كانوا يحكمون مصر من خلاله، والذي قدم الشيخ له خدمات جليلة
مما دفع المستشار القضائي الإنجليزي إلى رثائه في تقريره عن المحاكم لعام
1905 قائلاً:
"ولا يسعني ختم ملاحظاتي على سير المحاكم الشرعية في العام الماضي بغير أن أتكلم عن وفاة مفتي الديار المصرية الجليل المرحوم الشيخ محمد عبده في شهر يوليه الفائت وأن أبدي أسفي الشديد على الخسارة التي أصابت هذه النظارة بفقده .. ".
إلى أن يقول:
"وفوق ذلك فقد قام لنا بخدمة جزيلة لا تقدر في مجلس شورى القوانين في معظم ما أحدثناه أخيرًا من الإصلاحات المتعلقة بالمواد الجنائية وغيرها من الإصلاحات القضائية، إذ كان يشرح للمجلس آراء النظارة ونياتها ويناضل عنها ويبحث عن حل يرضي الفريقين كلما اقتضى الحال ذلك (! ) وإنه ليصعب تعويض ما خسرناه بموته نظرًا لسمو مداركه وسعة اطلاعه وميله لكل ضروب الإصلاح والخبرة الخصوصية التي اكتسبها أثناء توظفه في محكمة الأستئناف وسياحاته إلى مدن أوربا ومعاهد العلم
"ولا يسعني ختم ملاحظاتي على سير المحاكم الشرعية في العام الماضي بغير أن أتكلم عن وفاة مفتي الديار المصرية الجليل المرحوم الشيخ محمد عبده في شهر يوليه الفائت وأن أبدي أسفي الشديد على الخسارة التي أصابت هذه النظارة بفقده .. ".
إلى أن يقول:
"وفوق ذلك فقد قام لنا بخدمة جزيلة لا تقدر في مجلس شورى القوانين في معظم ما أحدثناه أخيرًا من الإصلاحات المتعلقة بالمواد الجنائية وغيرها من الإصلاحات القضائية، إذ كان يشرح للمجلس آراء النظارة ونياتها ويناضل عنها ويبحث عن حل يرضي الفريقين كلما اقتضى الحال ذلك (! ) وإنه ليصعب تعويض ما خسرناه بموته نظرًا لسمو مداركه وسعة اطلاعه وميله لكل ضروب الإصلاح والخبرة الخصوصية التي اكتسبها أثناء توظفه في محكمة الأستئناف وسياحاته إلى مدن أوربا ومعاهد العلم
وقد يكون أخطر آثار محمد عبده التي تعد ركيزة من ركائز العلمانية في العالم
الإسلامي إضعاف مفهوم "البراء والولاء، ودار الحرب ودار الإسلام" إذ كان
الشيخ أعظم من اجترأ عليه من المنتسبين للعلماء، لا بتعاونه مع الحكومة
الإنجليزية الكافرة فحسب، ولكن بدعوته الصريحة إلى موالاة الإنجليز وغيرهم
-بحجة أن التعاون مع الكفار ليس محرمًا من كل وجه- ودعوته إلى التقريب بين
الأديان.
حقيقة أن الراي العام الإسلامي قد ثار على بعض فتاوى الشيخ التي أباح بها موالاة الكفار، ولكن تأثيرها في الأمة لا شك فيه، لا سيما في تلك الفترة الحرجة التي تتميز بغبش الرؤية واختلاط المفهومات.
ويليها في الخطورة فتواه حول إباحة الربا بطريق صناديق التوفير معتمدًا -كما يرى العقاد- على مفهوم الآية من أنه لا يحرم من الربا إلا الأضعاف المضاعفة!
وأخيراً فإن الشيخ -بقصد أو بدون قصد- قد أوجد القاعدة التي ارتكز عليها من يسمون دعاة الاصلاح للتعلق بأذيال الغرب وإقصاء الإسلام عن توجيه الحياة، إذ ظلوا ينقضون عرى الإسلام عروة عروة حتى أن المعركة الآن أصبحت تدور ضد قانون الأحوال الشمخصية وهو البقية الضئيلة من آثار الشريعة الإسلامية والميزة الأجتماعية التي تميز المسلم من غيره.
لم يكن محمد عبده علمانيًا ولكن أفكاره تمثل بلا شك حلقة وصل بين العلمانية الأوروبية والعالم الإسلامي، ومن ثم فقد باركها المخطط اليهودي الصليبي واتخذها جسرًا عبر عليه إلى علمانية التعليم والتوجيه في العالم الإسلامي وتنحية الدين عن الحياة الاجتماعية بالإضافة إلى إبطال العمل بالشريعة والتحاكم إلى القوانين الجاهلية المستوردة، - واستيراد النظريات الاجتماعية الغربية، وهو ما تم جميعه تحت ستار " الإصلاح " أيضًا أما الجماهير الإسلامية فقد اتخذت أفكار الشيخ الإصلاحية مبررًا نفسيًا لتقبلها للتغير العلماني المتدرج في الدول العربية.
وقد صور محمد المويلحي في عمله الرائع " حديث عيسى بن هشام " شيئًا من ذلك على لسان أبطال الرواية، إذ يسال أحدهم متعجبًا كيف ساغ للمصريين أن يأخذوا بقانون نابليون المخالف للشريعة؟ فيجيب الأخر بأن المفتي أقسم بالله أنه موافق للشريعة وانظر كيف حرص المغرضون على تضخيم فتوى محمد عبده ليبتروا هذا الجانب بكامله عن الشريعة، وممن استخدموا لذلك حفني ناصف الذي قال: "إن الربا بفائده ليس من أنواع الربا المحرم، وأن سبب تخلف مصر هو عدم فتح بنوك على الطريقة الغربية"، ثم تلاه من تلاه حتى استصدرت فتوى من أحد شيوخ الأزهر البارزين بإباحته، ولا يزال هذا هو رأي من يسمون أصحاب الاتجاه العصري....
حقيقة أن الراي العام الإسلامي قد ثار على بعض فتاوى الشيخ التي أباح بها موالاة الكفار، ولكن تأثيرها في الأمة لا شك فيه، لا سيما في تلك الفترة الحرجة التي تتميز بغبش الرؤية واختلاط المفهومات.
ويليها في الخطورة فتواه حول إباحة الربا بطريق صناديق التوفير معتمدًا -كما يرى العقاد- على مفهوم الآية من أنه لا يحرم من الربا إلا الأضعاف المضاعفة!
وأخيراً فإن الشيخ -بقصد أو بدون قصد- قد أوجد القاعدة التي ارتكز عليها من يسمون دعاة الاصلاح للتعلق بأذيال الغرب وإقصاء الإسلام عن توجيه الحياة، إذ ظلوا ينقضون عرى الإسلام عروة عروة حتى أن المعركة الآن أصبحت تدور ضد قانون الأحوال الشمخصية وهو البقية الضئيلة من آثار الشريعة الإسلامية والميزة الأجتماعية التي تميز المسلم من غيره.
لم يكن محمد عبده علمانيًا ولكن أفكاره تمثل بلا شك حلقة وصل بين العلمانية الأوروبية والعالم الإسلامي، ومن ثم فقد باركها المخطط اليهودي الصليبي واتخذها جسرًا عبر عليه إلى علمانية التعليم والتوجيه في العالم الإسلامي وتنحية الدين عن الحياة الاجتماعية بالإضافة إلى إبطال العمل بالشريعة والتحاكم إلى القوانين الجاهلية المستوردة، - واستيراد النظريات الاجتماعية الغربية، وهو ما تم جميعه تحت ستار " الإصلاح " أيضًا أما الجماهير الإسلامية فقد اتخذت أفكار الشيخ الإصلاحية مبررًا نفسيًا لتقبلها للتغير العلماني المتدرج في الدول العربية.
وقد صور محمد المويلحي في عمله الرائع " حديث عيسى بن هشام " شيئًا من ذلك على لسان أبطال الرواية، إذ يسال أحدهم متعجبًا كيف ساغ للمصريين أن يأخذوا بقانون نابليون المخالف للشريعة؟ فيجيب الأخر بأن المفتي أقسم بالله أنه موافق للشريعة وانظر كيف حرص المغرضون على تضخيم فتوى محمد عبده ليبتروا هذا الجانب بكامله عن الشريعة، وممن استخدموا لذلك حفني ناصف الذي قال: "إن الربا بفائده ليس من أنواع الربا المحرم، وأن سبب تخلف مصر هو عدم فتح بنوك على الطريقة الغربية"، ثم تلاه من تلاه حتى استصدرت فتوى من أحد شيوخ الأزهر البارزين بإباحته، ولا يزال هذا هو رأي من يسمون أصحاب الاتجاه العصري....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق