قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان العالم يعج بصور شتى من الانحرافات
العقدية والأخلاقية والطبقية والاستعباد والاغتصاب للحقوق بكل صورها لا
يختص ذلك ببلد دون آخر، والفارق هو في ازدياد فئة لنوع من الشر على فئة
أخرى، وما ذاق أهل الأرض العدل إلا بالنور الساطع من شمس النبوة على أرجاء
العالم.
حال العالم قبل البعثة النبوية
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس الثاني من سلسلة الدروس الخاصة بالمرحلة المكية من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في هذا الدرس نتحدث عن الوضع في العالم قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولسائل أن يسأل: لماذا الحديث عن الفترة السابقة للإسلام؟ بمعنى: أننا في هذه الدروس نتحدث عن قواعد بناء الأمة الإسلامية، فما الذي يدفعنا للحديث عن فترة سابقة لفترة الإسلام؟ أقول: لن تدرك قيمة النور إلا إذا عرفت الظلام، ويكفي لبيان ذلك ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه، فإنه عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث وضح حال الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب)، وصل حال الأرض إلى حالة من التردي والضياع الشديد، إلى الدرجة التي يمقتهم فيها الله عز وجل، والمقت هو شدة الكراهية، وكلمة (بقايا) توحي بأنهم مجرد آثار، وليس ثمة أثر مباشر لهم في واقع الناس، وهذه البقايا لم تكن مجتمعات، يعني: ما كانت مثلاًَ مجتمعاً صالحاً في مكان ما على الأرض، بل كانوا أفراداً معدودين، رجل في مدينة، ورجل في مدينة أخرى يبتعد عنه مئات أو آلاف الأميال، وهكذا.
تعالوا نخترق الزمان والمكان، نخترق الزمان بالوصول إلى ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونخترق المكان بالوصول إلى كل بقعة على الأرض كانت تعاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونتجول بين الشرق والغرب.
تعالوا نرى حال الناس، والملوك، والأخلاق، والطباع، ونرى ما يسمى بالحضارات في ذلك الزمان.
حال العالم قبل البعثة النبوية
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس الثاني من سلسلة الدروس الخاصة بالمرحلة المكية من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في هذا الدرس نتحدث عن الوضع في العالم قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولسائل أن يسأل: لماذا الحديث عن الفترة السابقة للإسلام؟ بمعنى: أننا في هذه الدروس نتحدث عن قواعد بناء الأمة الإسلامية، فما الذي يدفعنا للحديث عن فترة سابقة لفترة الإسلام؟ أقول: لن تدرك قيمة النور إلا إذا عرفت الظلام، ويكفي لبيان ذلك ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه، فإنه عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث وضح حال الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب)، وصل حال الأرض إلى حالة من التردي والضياع الشديد، إلى الدرجة التي يمقتهم فيها الله عز وجل، والمقت هو شدة الكراهية، وكلمة (بقايا) توحي بأنهم مجرد آثار، وليس ثمة أثر مباشر لهم في واقع الناس، وهذه البقايا لم تكن مجتمعات، يعني: ما كانت مثلاًَ مجتمعاً صالحاً في مكان ما على الأرض، بل كانوا أفراداً معدودين، رجل في مدينة، ورجل في مدينة أخرى يبتعد عنه مئات أو آلاف الأميال، وهكذا.
تعالوا نخترق الزمان والمكان، نخترق الزمان بالوصول إلى ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونخترق المكان بالوصول إلى كل بقعة على الأرض كانت تعاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونتجول بين الشرق والغرب.
تعالوا نرى حال الناس، والملوك، والأخلاق، والطباع، ونرى ما يسمى بالحضارات في ذلك الزمان.
حال الدولة الرومانية قبل البعثة النبوية
أول شيء يلفت الأنظار في ذلك الزمن دولة ضخمة جداً تمتلك نصف الأرض تقريباً وهي الدولة الرومانية، ومن ضخامتها سمى الله عز وجل سورة من سور القرآن الكريم بسورة الروم، ذكر فيها قصة الروم مع الفرس، قال الله: {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:2 - 4] إلى آخر الآيات، ولكن ما هي الدولة الرومانية؟ كانت الدولة الرومانية ضخمة جداً، مساحتها ممتدة على ثلاثة أرباع أوروبا مقسمة إلى قسمين رئيسيين، دولة رومانية شرقية وعاصمتها القسطنطينية، كان يحكمها القيصر هرقل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيصر هذا لقب للملك الذي يحكم الدولة الرومانية.
وأما الدولة الرومانية الغربية فكانت عاصمتها روما، وهذه سقطت قبل البعثة النبوية ولم تبق إلا الدولة الرومانية الشرقية.
كانت هناك خلافات عقائدية عقيمة بين طوائف النصارى في أطراف الدولة الرومانية الشاسعة، فالدولة الشرقية أرثوذكسية، والغربية كاثوليكية، ودارت بينهما حروب فني فيها الآلاف والآلاف على مدار السنين، وظلت هذه الحروب مشتعلة حتى العهد القريب، وإلى الآن هناك خلافات عقائدية ضخمة، وحروب بين الطوائف المختلفة من النصارى.
أما الجوانب الأخلاقية فقد كانت في انحدار شديد في هذه الدولة، مثل تأخر سن الزواج، أو بمعنى أصح اختفى الزواج، وفضل الجميع العزوبة على الزواج؛ لأن تكاليف الزواج كانت غالية والناس كلها فقراء، الأموال كثيرة جداً في الدولة، ولكنها مجموعة في أيدي قلة قليلة من رجال الدولة الرومانية الواسعة، فأدى ذلك إلى انحلال رهيب بين أوساط الناس، وانتشر الزنا في كل مكان، واختلطت الأنساب.
وأصبحت الرشوة أصلاً في التعامل مع موظفي الدولة، فأي مصلحة تريد أن تقضيها لابد أن تقدم بين يديها رشوة.
والضرائب ضخمة باهظة على كل سكان البلاد، وهي على الفقراء أكثر منهم على الأغنياء.
الوحشية الشديدة في الطباع؛ فمن وسائل التسلية التي كانت في الدولة الرومانية الشرقية: وسيلة صراع العبيد مع الوحوش المفترسة في أقفاص مغلقة، والوزراء والأمراء ينظرون من الخارج، ويستمتعون برؤية الأسد أو النمر وهو يأكل العبد بعد قتال يدوم قليلاً أو كثيراً.
نحن نتعجب من هذه الصورة، ونقول: هذه كانت عادة مجتمعات مظلمة، ولكننا نرى أيضاً في إسبانيا صراع الرجال مع الثيران، وكيف يدمر الثور أو يقتل الرجل والناس تشاهد وتصفق وتهلل، وهي صورة كما يسمونها من صور الحضارة.
أيضاً هناك حروب بربرية همجية وحشية، على سبيل المثال: في عهد اسفسيانوس أحد قياصرة الرومان، حاصر اليهود في أورشليم (القدس) سنة (70 م) خمسة أشهر كاملة، انتهت في سبتمبر سنة (70 م) ثم سقطت المدينة بعد هزيمة مهينة عرفها التاريخ، لماذا نقول: هزيمة مهينة؟ لأن الرومان قتلوا أبناء اليهود ونساءهم بأيديهم، يعني: يجبر كل يهودي أن يمسك بزوجته وأولاده ويقتلهم بنفسه، هكذا أتى الأمر الروماني إلى دولة اليهود المحاصرة داخل مدينة القدس، الغريب أن اليهود أطاعوا ووافقوا على ذلك، وقاموا به من شدة الرعب، وطمعاً منهم في النجاة، وهم أحرص الناس على حياة، وخرجوا يقتلون أبناءهم ونساءهم بسيوفهم، ثم خرجوا للرومان الذين بدءوا بعمل قرعة بين كل اثنين من اليهود، أيهما يقتل أخاه إلى أن صفوا كل اليهود الموجودين في القدس ولم ينج منهم إلا الشريد، أو أولئك الذين كانوا يسكنون في أماكن بعيدة.
إذاً: هذه كانت صورة من صور الحرب الرومانية التي كانت تتميز بالشراسة وأشد أنواع الهمجية المتخيلة.
كان العبيد في المجتمع الروماني ثلاثة أضعاف الأحرار، ومعاملة العبيد كانت في منتهى القسوة، لدرجة أن أفلاطون الفيلسوف صاحب فكرة المدينة الفاضلة (اليوتوبيا) التي ألفها وتخيلها في عقله، هذه المدينة الخيالية المثالية يقول فيها: إنه لا يجب أن يعطى فيها العبيد حق المواطنة.
مع أنهم من أهل البلد، لكن ليست لهم أي قيمة في بلاد الرومان.
كانت هذه لقطات سريعة من حال الدولة الرومانية في العهد السابق لبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أول شيء يلفت الأنظار في ذلك الزمن دولة ضخمة جداً تمتلك نصف الأرض تقريباً وهي الدولة الرومانية، ومن ضخامتها سمى الله عز وجل سورة من سور القرآن الكريم بسورة الروم، ذكر فيها قصة الروم مع الفرس، قال الله: {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:2 - 4] إلى آخر الآيات، ولكن ما هي الدولة الرومانية؟ كانت الدولة الرومانية ضخمة جداً، مساحتها ممتدة على ثلاثة أرباع أوروبا مقسمة إلى قسمين رئيسيين، دولة رومانية شرقية وعاصمتها القسطنطينية، كان يحكمها القيصر هرقل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيصر هذا لقب للملك الذي يحكم الدولة الرومانية.
وأما الدولة الرومانية الغربية فكانت عاصمتها روما، وهذه سقطت قبل البعثة النبوية ولم تبق إلا الدولة الرومانية الشرقية.
كانت هناك خلافات عقائدية عقيمة بين طوائف النصارى في أطراف الدولة الرومانية الشاسعة، فالدولة الشرقية أرثوذكسية، والغربية كاثوليكية، ودارت بينهما حروب فني فيها الآلاف والآلاف على مدار السنين، وظلت هذه الحروب مشتعلة حتى العهد القريب، وإلى الآن هناك خلافات عقائدية ضخمة، وحروب بين الطوائف المختلفة من النصارى.
أما الجوانب الأخلاقية فقد كانت في انحدار شديد في هذه الدولة، مثل تأخر سن الزواج، أو بمعنى أصح اختفى الزواج، وفضل الجميع العزوبة على الزواج؛ لأن تكاليف الزواج كانت غالية والناس كلها فقراء، الأموال كثيرة جداً في الدولة، ولكنها مجموعة في أيدي قلة قليلة من رجال الدولة الرومانية الواسعة، فأدى ذلك إلى انحلال رهيب بين أوساط الناس، وانتشر الزنا في كل مكان، واختلطت الأنساب.
وأصبحت الرشوة أصلاً في التعامل مع موظفي الدولة، فأي مصلحة تريد أن تقضيها لابد أن تقدم بين يديها رشوة.
والضرائب ضخمة باهظة على كل سكان البلاد، وهي على الفقراء أكثر منهم على الأغنياء.
الوحشية الشديدة في الطباع؛ فمن وسائل التسلية التي كانت في الدولة الرومانية الشرقية: وسيلة صراع العبيد مع الوحوش المفترسة في أقفاص مغلقة، والوزراء والأمراء ينظرون من الخارج، ويستمتعون برؤية الأسد أو النمر وهو يأكل العبد بعد قتال يدوم قليلاً أو كثيراً.
نحن نتعجب من هذه الصورة، ونقول: هذه كانت عادة مجتمعات مظلمة، ولكننا نرى أيضاً في إسبانيا صراع الرجال مع الثيران، وكيف يدمر الثور أو يقتل الرجل والناس تشاهد وتصفق وتهلل، وهي صورة كما يسمونها من صور الحضارة.
أيضاً هناك حروب بربرية همجية وحشية، على سبيل المثال: في عهد اسفسيانوس أحد قياصرة الرومان، حاصر اليهود في أورشليم (القدس) سنة (70 م) خمسة أشهر كاملة، انتهت في سبتمبر سنة (70 م) ثم سقطت المدينة بعد هزيمة مهينة عرفها التاريخ، لماذا نقول: هزيمة مهينة؟ لأن الرومان قتلوا أبناء اليهود ونساءهم بأيديهم، يعني: يجبر كل يهودي أن يمسك بزوجته وأولاده ويقتلهم بنفسه، هكذا أتى الأمر الروماني إلى دولة اليهود المحاصرة داخل مدينة القدس، الغريب أن اليهود أطاعوا ووافقوا على ذلك، وقاموا به من شدة الرعب، وطمعاً منهم في النجاة، وهم أحرص الناس على حياة، وخرجوا يقتلون أبناءهم ونساءهم بسيوفهم، ثم خرجوا للرومان الذين بدءوا بعمل قرعة بين كل اثنين من اليهود، أيهما يقتل أخاه إلى أن صفوا كل اليهود الموجودين في القدس ولم ينج منهم إلا الشريد، أو أولئك الذين كانوا يسكنون في أماكن بعيدة.
إذاً: هذه كانت صورة من صور الحرب الرومانية التي كانت تتميز بالشراسة وأشد أنواع الهمجية المتخيلة.
كان العبيد في المجتمع الروماني ثلاثة أضعاف الأحرار، ومعاملة العبيد كانت في منتهى القسوة، لدرجة أن أفلاطون الفيلسوف صاحب فكرة المدينة الفاضلة (اليوتوبيا) التي ألفها وتخيلها في عقله، هذه المدينة الخيالية المثالية يقول فيها: إنه لا يجب أن يعطى فيها العبيد حق المواطنة.
مع أنهم من أهل البلد، لكن ليست لهم أي قيمة في بلاد الرومان.
كانت هذه لقطات سريعة من حال الدولة الرومانية في العهد السابق لبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حال الدولة الفارسية قبل البعثة النبوية
ننتقل إلى جهة الشرق لنرى الدولة الفارسية التي كانت تمتلك نصف العالم الآخر في ذلك الزمن، وكانت تمثل مأساة حضارية بكل المقاييس! انهيار شديد في الأخلاق بلغ إلى ما يسمى بزواج المحارم، وهذا شيء رغم بشاعته إلا أنه كان منتشراً في الدولة الفارسية، فقد كان الرجل يتزوج من ابنته أو أخته أو أمه، كبار القوم وصغارهم في ذلك سواء، فكسرى يمكن أن يتزوج أي واحدة في المجتمع كله، وقد وقع من يزدجرد الثاني كسرى فارس أنه تزوج من ابنته ثم قتلها.
كذلك بهرام جوبين وهو أحد الأكاسرة كان متزوجاً من أخته، وبعضهم كان يتزوج أمه، وهذا الأمر كان مستنكراً في كل بقاع الأرض، وكل الشعوب تعيب على أهل فارس أنهم يتزوجون بالمحارم، ولم يقولوا: إن هذا متعارف عليه في المجتمعات؟ لا، بل كان هذا شيئاً منكراً ضد الفطرة، ولكنهم كانوا يفعلونه.
وسبب ذلك: أنه في عهد قباذ -وهو أحد الأكاسرة الكبار في تاريخ الفرس- ظهر رجل اسمه مزدك، وهناك من يضعه في طائفة الفلاسفة والمفكرين، قال مزدك: إن الناس سواسية في كل شيء! وكانت كلمته ظاهرها جيد، لكن هل هم سواسية في الحقوق، والمعاملة؟ لا، لم يرد هذا فقط، بل أراد سواسية حتى في المال والنساء، فلا يوجد احترام لأي ملكية في البلد، كل شيء مباح للناس كلها، كل شيء مشاع، يمكن لأي أحد أن يدخل إلى بيت الآخر ويأخذ من ماله ونسائه، فبالتبعية استفاد الأقوياء من هذا القانون على حساب الضعفاء، وكان الرجل القوي يدخل على الضعيف يغلبه على ماله وزوجته فلا يستطيع الضعيف أن يتكلم، بينما الضعيف لا يستطيع أن يدخل على القوي، ولا أن يعترض أو يرفع شكواه؛ لأن هذا أصبح جزءاً من الدين في بلاد فارس.
ثم عمت البلاد المشاكل؛ لأن كل الناس لا تريد أن تعمل؛ لأن كل من يعمل لا يملك شيئاً، فلماذا يعمل؟ وعمت السرقات كل مكان، وباركها كسرى قباذ؛ لأن هذا عنده من الدين الذي وضعه مزدك، وفسد الناس كلهم أجمعون.
قارن هذا بالذي سيأتي ويقول: (والذي نفس محمد بيده! لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) صلى الله عليك وسلم يا رسول الله.
وتقديس الأكاسرة في بلاد فارس كان أمراً عظيماً جداً عند عامة الناس، فالناس كانت تعتقد أن في دم كسرى هذا دماً إلهياً، وأنهم فوق البشر وفوق القانون، كان الرجل إذا دخل على كسرى ارتمى ساجداً على الأرض، فلا يقوم حتى يؤذن له، وأقرب الناس إلى كسرى وهم طبقة الكهان والأمراء والوزراء كانوا يقفون على بعد (5) أمتار، ومن أدنى منهم درجة على بعد (10) أمتار، والرسل كانوا يقفون على مسافة (15) متراً من كسرى، من أراد أن يدخل على كسرى ليضع على فمه قطعة من القماش الأبيض الرقيق، حتى لا تلوث أنفاسه الحضرة الملكية لكسرى! بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استقبله رجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل الذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له، يعني: يتواضع لجليسه حتى إنه لا يمد رجله أمام الجليس، كما روى ذلك الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه وأرضاه.
كانت هناك طبقية شديدة فيها مهانة كبيرة جداً للإنسانية، فقد قسموا شعب فارس من أوله إلى آخره سبع طبقات: الأولى: طبقة الأكاسرة فوق الجميع.
الثانية: طبقة الأشراف وهؤلاء سبع عائلات، ولا يمكن أن يوجد شريف خارج هذه العائلات السبع.
الثالثة: طبقة رجال الدين.
الرابعة: طبقة رجال الحرب وقواد الجيوش.
الخامسة: طبقة المثقفين، ورجال العلم، والكتاب، والأطباء، والشعراء.
السادسة: طبقة الدهاقين، وهم رؤساء القرى، وجامعو الضرائب.
الطبقة السابعة: وهي طبقة الشعب، وهم أكثر من (90%) من مجموع سكان فارس، وهم: العمال، والفلاحون، والتجار، والجنود، والعبيد.
وهذه الطبقة ليس لها حقوق تذكر.
كانوا يربطون بالسلاسل في المعارك، كما حدث في موقعة الأبلة، وهي أول موقعة إسلامية في فتح فارس، كانت بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، كان الفرس يربطون ستين ألفاً من الجنود بالسلاسل، كل عشرة في سلسلة، حتى إن الموقعة سميت بعد ذلك في التاريخ بذات السلاسل، ولك أن تتصور كيف يستطيع هؤلاء المقيدون في السلاسل أن يحاربوا قوماً وصفهم خالد بن الوليد رضي الله عنه بقوله في رسالته إلى زعيم الأبلة في نفس الموقعة: جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
شيء آخر أيضاً في منتهى البشاعة، كان في بلاد فارس عبادة النار، ظهر رجل اسمه زرادشت في بلاد فارس، يعتبرونه من كبار الفلاسفة ليس فقط لأهل فارس بل للعالم بأسره، حتى إن صاحب (الخالدون المائة) وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، عدّه من ضمن الخالدين، وجعل رقمه (89)؛ لأن ديانته محلية، بينما ديانة الرس
ننتقل إلى جهة الشرق لنرى الدولة الفارسية التي كانت تمتلك نصف العالم الآخر في ذلك الزمن، وكانت تمثل مأساة حضارية بكل المقاييس! انهيار شديد في الأخلاق بلغ إلى ما يسمى بزواج المحارم، وهذا شيء رغم بشاعته إلا أنه كان منتشراً في الدولة الفارسية، فقد كان الرجل يتزوج من ابنته أو أخته أو أمه، كبار القوم وصغارهم في ذلك سواء، فكسرى يمكن أن يتزوج أي واحدة في المجتمع كله، وقد وقع من يزدجرد الثاني كسرى فارس أنه تزوج من ابنته ثم قتلها.
كذلك بهرام جوبين وهو أحد الأكاسرة كان متزوجاً من أخته، وبعضهم كان يتزوج أمه، وهذا الأمر كان مستنكراً في كل بقاع الأرض، وكل الشعوب تعيب على أهل فارس أنهم يتزوجون بالمحارم، ولم يقولوا: إن هذا متعارف عليه في المجتمعات؟ لا، بل كان هذا شيئاً منكراً ضد الفطرة، ولكنهم كانوا يفعلونه.
وسبب ذلك: أنه في عهد قباذ -وهو أحد الأكاسرة الكبار في تاريخ الفرس- ظهر رجل اسمه مزدك، وهناك من يضعه في طائفة الفلاسفة والمفكرين، قال مزدك: إن الناس سواسية في كل شيء! وكانت كلمته ظاهرها جيد، لكن هل هم سواسية في الحقوق، والمعاملة؟ لا، لم يرد هذا فقط، بل أراد سواسية حتى في المال والنساء، فلا يوجد احترام لأي ملكية في البلد، كل شيء مباح للناس كلها، كل شيء مشاع، يمكن لأي أحد أن يدخل إلى بيت الآخر ويأخذ من ماله ونسائه، فبالتبعية استفاد الأقوياء من هذا القانون على حساب الضعفاء، وكان الرجل القوي يدخل على الضعيف يغلبه على ماله وزوجته فلا يستطيع الضعيف أن يتكلم، بينما الضعيف لا يستطيع أن يدخل على القوي، ولا أن يعترض أو يرفع شكواه؛ لأن هذا أصبح جزءاً من الدين في بلاد فارس.
ثم عمت البلاد المشاكل؛ لأن كل الناس لا تريد أن تعمل؛ لأن كل من يعمل لا يملك شيئاً، فلماذا يعمل؟ وعمت السرقات كل مكان، وباركها كسرى قباذ؛ لأن هذا عنده من الدين الذي وضعه مزدك، وفسد الناس كلهم أجمعون.
قارن هذا بالذي سيأتي ويقول: (والذي نفس محمد بيده! لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) صلى الله عليك وسلم يا رسول الله.
وتقديس الأكاسرة في بلاد فارس كان أمراً عظيماً جداً عند عامة الناس، فالناس كانت تعتقد أن في دم كسرى هذا دماً إلهياً، وأنهم فوق البشر وفوق القانون، كان الرجل إذا دخل على كسرى ارتمى ساجداً على الأرض، فلا يقوم حتى يؤذن له، وأقرب الناس إلى كسرى وهم طبقة الكهان والأمراء والوزراء كانوا يقفون على بعد (5) أمتار، ومن أدنى منهم درجة على بعد (10) أمتار، والرسل كانوا يقفون على مسافة (15) متراً من كسرى، من أراد أن يدخل على كسرى ليضع على فمه قطعة من القماش الأبيض الرقيق، حتى لا تلوث أنفاسه الحضرة الملكية لكسرى! بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استقبله رجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل الذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له، يعني: يتواضع لجليسه حتى إنه لا يمد رجله أمام الجليس، كما روى ذلك الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه وأرضاه.
كانت هناك طبقية شديدة فيها مهانة كبيرة جداً للإنسانية، فقد قسموا شعب فارس من أوله إلى آخره سبع طبقات: الأولى: طبقة الأكاسرة فوق الجميع.
الثانية: طبقة الأشراف وهؤلاء سبع عائلات، ولا يمكن أن يوجد شريف خارج هذه العائلات السبع.
الثالثة: طبقة رجال الدين.
الرابعة: طبقة رجال الحرب وقواد الجيوش.
الخامسة: طبقة المثقفين، ورجال العلم، والكتاب، والأطباء، والشعراء.
السادسة: طبقة الدهاقين، وهم رؤساء القرى، وجامعو الضرائب.
الطبقة السابعة: وهي طبقة الشعب، وهم أكثر من (90%) من مجموع سكان فارس، وهم: العمال، والفلاحون، والتجار، والجنود، والعبيد.
وهذه الطبقة ليس لها حقوق تذكر.
كانوا يربطون بالسلاسل في المعارك، كما حدث في موقعة الأبلة، وهي أول موقعة إسلامية في فتح فارس، كانت بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، كان الفرس يربطون ستين ألفاً من الجنود بالسلاسل، كل عشرة في سلسلة، حتى إن الموقعة سميت بعد ذلك في التاريخ بذات السلاسل، ولك أن تتصور كيف يستطيع هؤلاء المقيدون في السلاسل أن يحاربوا قوماً وصفهم خالد بن الوليد رضي الله عنه بقوله في رسالته إلى زعيم الأبلة في نفس الموقعة: جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
شيء آخر أيضاً في منتهى البشاعة، كان في بلاد فارس عبادة النار، ظهر رجل اسمه زرادشت في بلاد فارس، يعتبرونه من كبار الفلاسفة ليس فقط لأهل فارس بل للعالم بأسره، حتى إن صاحب (الخالدون المائة) وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، عدّه من ضمن الخالدين، وجعل رقمه (89)؛ لأن ديانته محلية، بينما ديانة الرس
حال أوروبا الشمالية قبل البعثة النبوية
أوروبا الشمالية، وهي: إنجلترا، والدول الإسكندنافية السويد والدنمارك وفنلندا وألمانيا.
هذه المناطق الشمالية من أوروبا كانت خارج حدود الدولة الرومانية، يقول عنها المؤرخ الفرنسي رينو -وشهد شاهد من أهلها: طفحت أوروبا في ذلك الزمن بالعيوب والآثام، وهربت من النظافة والعناية بالإنسان والمكان، وزخرت بالجهل والفوضى والتأخر وشيوع الظلم والاضطهاد، فشت فيها الأمية، للدرجة التي كان الأمراء يفتخرون بأنهم لا يستطيعون أن يقرءوا، والعلماء كانوا في مهانة شديدة في هذه البلاد، هذا إن وجدوا.
قارن هذا بدين كانت أول كلماته {اقْرَأْ} [العلق:1] كما قال الله عز وجل.
ثم قال: كانت أوروبا مسرحاً للحروب والأعمال الوحشية.
ويقول جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) يصف وضع أوروبا: لم يجدوا في أوروبا بعض الميل للعلم إلا في القرن الحادي عشر والثاني عشر من الميلاد.
وهذا موافق للقرن الرابع والخامس الهجري.
ثم يقول جوستاف لوبون: وذلك حين ظهر فيهم أناس أرادوا أن يرفعوا أكفان الجهل، فولوا وجوههم شطر المسلمين الذين كانوا أئمة عصرهم.
وهذا الكلام كان بعد أربعة أو خمسة قرون من نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة (اقرأ).
إذاً: كيف كان الوضع قبل هذا؟ كتب مؤرخ أندلسي اسمه صاعد كتاباً اسمه (طبقات الأمم) وهو كتاب رائع، يصف فيه حال البلاد في زمانه، وقد توفي في القرن الخامس الهجري سنة (462هـ) في طليطلة، يحكي حال البلاد الشمالية في القرن الخامس الهجري فيقول: كانوا قوماً أشبه بالبهائم، وقد يكون ذلك من إفراط بعد الشمس عن رءوسهم فصارت بذلك أمزجتهم باردة، وأخلاقهم فجة رديئة، وقد انسدلت شعورهم على وجوههم، وعدموا دقة الأفهام، وغلب عليهم الجهل والبلادة، وفشت فيهم الغباوة.
وهذا الرحالة الأندلسي إبراهيم الطرطوش يصف أهل جليقية الذين كانوا يعيشون في شمال إسبانيا، قال: هم أهل غدر ودناءة أخلاق، لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين بالماء البارد، لا يغسلون ثيابهم منذ يلبسونها إلى أن تتقطع عليهم، ويزعمون أن الوسخ الذي يعلوهم من عرقهم تصح به أبدانهم.
قارن بين هذا وبين دين يأمر بالوضوء خمس مرات في اليوم، والاغتسال من الجنابة، ويوم الجمعة، وفي الأعياد، ويأمر باجتناب صلاة الجماعة -وهي من أشرف العبادات- لمن أكل ثوماً أو بصلاً! انظر إلى احترام الإنسان للإنسان، ومدى تكريم الله عز وجل لعباده المؤمنين! يروي ابن فضلان الرحالة المسلم في القرن الرابع الهجري ما شاهده بنفسه من موت أحد السادة في أوروبا، فجاءوا بجارية له كي تموت معه، فشربت الخمر ورقصت وقامت بطقوس معينة، ثم قيدوها بالحبال من رقبتها، ثم أقبلت امرأة عجوز يسمونها ملك الموت وبيدها خنجر كبير، ثم أخذت تطعنها في صدرها بين الضلوع في أكثر من موضع، والرجال يخنقونها بالحبل حتى ماتت، ثم أحرقوها ووضعوها مع سيدها الميت، وهم بهذا يحترمون إنسانية السيد كما يظنون! قارن هذا بما جاء به الإسلام وتعجب من أجل أن تعرف دينك، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه) سواء كان هذا العتق على سبيل الوجوب أو الاستحباب.
فهذه نظرة الإسلام لمعاملة الرقيق.
أوروبا الشمالية، وهي: إنجلترا، والدول الإسكندنافية السويد والدنمارك وفنلندا وألمانيا.
هذه المناطق الشمالية من أوروبا كانت خارج حدود الدولة الرومانية، يقول عنها المؤرخ الفرنسي رينو -وشهد شاهد من أهلها: طفحت أوروبا في ذلك الزمن بالعيوب والآثام، وهربت من النظافة والعناية بالإنسان والمكان، وزخرت بالجهل والفوضى والتأخر وشيوع الظلم والاضطهاد، فشت فيها الأمية، للدرجة التي كان الأمراء يفتخرون بأنهم لا يستطيعون أن يقرءوا، والعلماء كانوا في مهانة شديدة في هذه البلاد، هذا إن وجدوا.
قارن هذا بدين كانت أول كلماته {اقْرَأْ} [العلق:1] كما قال الله عز وجل.
ثم قال: كانت أوروبا مسرحاً للحروب والأعمال الوحشية.
ويقول جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) يصف وضع أوروبا: لم يجدوا في أوروبا بعض الميل للعلم إلا في القرن الحادي عشر والثاني عشر من الميلاد.
وهذا موافق للقرن الرابع والخامس الهجري.
ثم يقول جوستاف لوبون: وذلك حين ظهر فيهم أناس أرادوا أن يرفعوا أكفان الجهل، فولوا وجوههم شطر المسلمين الذين كانوا أئمة عصرهم.
وهذا الكلام كان بعد أربعة أو خمسة قرون من نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة (اقرأ).
إذاً: كيف كان الوضع قبل هذا؟ كتب مؤرخ أندلسي اسمه صاعد كتاباً اسمه (طبقات الأمم) وهو كتاب رائع، يصف فيه حال البلاد في زمانه، وقد توفي في القرن الخامس الهجري سنة (462هـ) في طليطلة، يحكي حال البلاد الشمالية في القرن الخامس الهجري فيقول: كانوا قوماً أشبه بالبهائم، وقد يكون ذلك من إفراط بعد الشمس عن رءوسهم فصارت بذلك أمزجتهم باردة، وأخلاقهم فجة رديئة، وقد انسدلت شعورهم على وجوههم، وعدموا دقة الأفهام، وغلب عليهم الجهل والبلادة، وفشت فيهم الغباوة.
وهذا الرحالة الأندلسي إبراهيم الطرطوش يصف أهل جليقية الذين كانوا يعيشون في شمال إسبانيا، قال: هم أهل غدر ودناءة أخلاق، لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين بالماء البارد، لا يغسلون ثيابهم منذ يلبسونها إلى أن تتقطع عليهم، ويزعمون أن الوسخ الذي يعلوهم من عرقهم تصح به أبدانهم.
قارن بين هذا وبين دين يأمر بالوضوء خمس مرات في اليوم، والاغتسال من الجنابة، ويوم الجمعة، وفي الأعياد، ويأمر باجتناب صلاة الجماعة -وهي من أشرف العبادات- لمن أكل ثوماً أو بصلاً! انظر إلى احترام الإنسان للإنسان، ومدى تكريم الله عز وجل لعباده المؤمنين! يروي ابن فضلان الرحالة المسلم في القرن الرابع الهجري ما شاهده بنفسه من موت أحد السادة في أوروبا، فجاءوا بجارية له كي تموت معه، فشربت الخمر ورقصت وقامت بطقوس معينة، ثم قيدوها بالحبال من رقبتها، ثم أقبلت امرأة عجوز يسمونها ملك الموت وبيدها خنجر كبير، ثم أخذت تطعنها في صدرها بين الضلوع في أكثر من موضع، والرجال يخنقونها بالحبل حتى ماتت، ثم أحرقوها ووضعوها مع سيدها الميت، وهم بهذا يحترمون إنسانية السيد كما يظنون! قارن هذا بما جاء به الإسلام وتعجب من أجل أن تعرف دينك، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه) سواء كان هذا العتق على سبيل الوجوب أو الاستحباب.
فهذه نظرة الإسلام لمعاملة الرقيق.
حال مصر قبل البعثة النبوية
كانت مصر محتلة من قبل الرومان منذ هزيمة كليوباترا على يد أوكتافيوس في سنة (31) قبل الميلاد، يعني: أكثر من (5) قرون من الاحتلال الروماني لمصر، حتى سقط في سنة (476م) لما سقطت الدولة الرومانية الغربية، لكن الدولة الرومانية الشرقية سرعان ما استولت على مصر قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي (100) سنة.
والدولة الرومانية سواء كانت شرقية أو غربية كانوا يتخذون من مصر مخزناً يمد الإمبراطورية الرومانية باحتياجاتها من الغذاء، وحصل تدهور شديد في الاقتصاد المصري، وتدهور شديد أيضاً في الحالة العلمية والاجتماعية، وفقد المصريون السلطة بكاملها في بلادهم، لكن الرومان حرصوا على أن يتركوا بعض الرموز من أجل أن تبقى صورة من المصريين موجودة في السلطة، فيتجنبوا ثورة الشعوب، لكن الواقع أن كل الحكم والإدارة كانت في يد الرومان.
فرضوا الضرائب الباهظة على الشعب الفقير المعدم، ضرائب عامة على الأفراد والصناعات والأراضي والماشية، وحتى على المبيعات.
وضرائب على المارة، إذا أردت أن تذهب من مكان إلى مكان أو من مدينة إلى مدينة تدفع ضريبة.
وضرائب حتى على زوجات الجنود، الجندي يدفع روحه من أجل البلد وامرأته وهو غائب تدفع ضريبة.
وضرائب على أثاث المنزل، بل تجاوزت ضرائب الأحياء إلى الأموات، فقد كان لا يسمح بدفن الميت إلا بعد أن تدفع ضريبة معينة تشبه ضريبة التركات، ولم يكتفوا بمصيبة الموت فأضافوا إليها ضريبة.
فوق كل هذا كان هناك التعذيب لأجل المخالفة في المعتقد الديني، فالكل لابد أن يكون تحت مظلة النصرانية الأرثوذكسية.
كانت مصر محتلة من قبل الرومان منذ هزيمة كليوباترا على يد أوكتافيوس في سنة (31) قبل الميلاد، يعني: أكثر من (5) قرون من الاحتلال الروماني لمصر، حتى سقط في سنة (476م) لما سقطت الدولة الرومانية الغربية، لكن الدولة الرومانية الشرقية سرعان ما استولت على مصر قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي (100) سنة.
والدولة الرومانية سواء كانت شرقية أو غربية كانوا يتخذون من مصر مخزناً يمد الإمبراطورية الرومانية باحتياجاتها من الغذاء، وحصل تدهور شديد في الاقتصاد المصري، وتدهور شديد أيضاً في الحالة العلمية والاجتماعية، وفقد المصريون السلطة بكاملها في بلادهم، لكن الرومان حرصوا على أن يتركوا بعض الرموز من أجل أن تبقى صورة من المصريين موجودة في السلطة، فيتجنبوا ثورة الشعوب، لكن الواقع أن كل الحكم والإدارة كانت في يد الرومان.
فرضوا الضرائب الباهظة على الشعب الفقير المعدم، ضرائب عامة على الأفراد والصناعات والأراضي والماشية، وحتى على المبيعات.
وضرائب على المارة، إذا أردت أن تذهب من مكان إلى مكان أو من مدينة إلى مدينة تدفع ضريبة.
وضرائب حتى على زوجات الجنود، الجندي يدفع روحه من أجل البلد وامرأته وهو غائب تدفع ضريبة.
وضرائب على أثاث المنزل، بل تجاوزت ضرائب الأحياء إلى الأموات، فقد كان لا يسمح بدفن الميت إلا بعد أن تدفع ضريبة معينة تشبه ضريبة التركات، ولم يكتفوا بمصيبة الموت فأضافوا إليها ضريبة.
فوق كل هذا كان هناك التعذيب لأجل المخالفة في المعتقد الديني، فالكل لابد أن يكون تحت مظلة النصرانية الأرثوذكسية.
حال الصين قبل البعثة النبوية وبعدها
أما وضع الصين أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان فيها ثلاث ديانات: الأولى: لرجل اسمه لاوتسوا وله ديانة نظرية غير عملية، فيها بعد كامل عن النساء، وزهد كامل في الدنيا، وانعزال كامل عن المجتمع.
الثانية: لـ كنفوشيوس، ويعتبرونه من كبار الفلاسفة الصينيين، وهو صاحب مادية بحتة، وهي ديانة تعنى بقوانين وقواعد وتجارب، وتشير إلى أن الحياة بصفة عامة شيء بائس، ومن ناحية العبادة أنت حر، اعبد ما أردت: شجرة أو نهراً، أو إلخ، فهذا أمر لا يعني كنفوشيوس.
الثالثة: لـ بوذا، وهي تعاليم أخلاقية معينة، ولكن فيها أيضاً الكثير من الانعزال عن المجتمع، والزهد في الحياة، وبعد قليل تحول بوذا من مجرد مشرع إلى معبود رسمي، صنعت له التماثيل، وظل يعبد على مدار السنين.
وإلى الآن هؤلاء الثلاثة موجودون، حتى إن صاحب كتاب (الخالدون المائة) وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وضعهم في الخالدين، بوذا الخامس وكنفوشيوس السادس.
بل إن مؤلف الكتاب لم يتردد أن يقول في وقاحة شديدة: إن بوذا يستحق أن يتصدر قائمة الخالدين ويسبق محمداً صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام لولا أن أتباع بوذا الآن أقل من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباع عيسى عليه السلام، من أجل هذا أخر بوذا إلى المرتبة الخامسة، وهذا يضمر لنا إلى أي حد أصبحت المقاييس مختلة عند أمثال هؤلاء.
أما وضع الصين أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان فيها ثلاث ديانات: الأولى: لرجل اسمه لاوتسوا وله ديانة نظرية غير عملية، فيها بعد كامل عن النساء، وزهد كامل في الدنيا، وانعزال كامل عن المجتمع.
الثانية: لـ كنفوشيوس، ويعتبرونه من كبار الفلاسفة الصينيين، وهو صاحب مادية بحتة، وهي ديانة تعنى بقوانين وقواعد وتجارب، وتشير إلى أن الحياة بصفة عامة شيء بائس، ومن ناحية العبادة أنت حر، اعبد ما أردت: شجرة أو نهراً، أو إلخ، فهذا أمر لا يعني كنفوشيوس.
الثالثة: لـ بوذا، وهي تعاليم أخلاقية معينة، ولكن فيها أيضاً الكثير من الانعزال عن المجتمع، والزهد في الحياة، وبعد قليل تحول بوذا من مجرد مشرع إلى معبود رسمي، صنعت له التماثيل، وظل يعبد على مدار السنين.
وإلى الآن هؤلاء الثلاثة موجودون، حتى إن صاحب كتاب (الخالدون المائة) وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وضعهم في الخالدين، بوذا الخامس وكنفوشيوس السادس.
بل إن مؤلف الكتاب لم يتردد أن يقول في وقاحة شديدة: إن بوذا يستحق أن يتصدر قائمة الخالدين ويسبق محمداً صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام لولا أن أتباع بوذا الآن أقل من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباع عيسى عليه السلام، من أجل هذا أخر بوذا إلى المرتبة الخامسة، وهذا يضمر لنا إلى أي حد أصبحت المقاييس مختلة عند أمثال هؤلاء.
حال الهند قبل البعثة النبوية وبعدها
أما الهند فأعجوبة الأعاجيب؛ حيث كثرت فيها المعبودات بشكل مريع، فأي شيء في الهند يعبد، تماثيل لكل شيء، يعبدون الأشخاص والجبال والأنهار، مثل: نهر الكنج فهو مقدس عندهم، حتى المعادن، وأشهر المعادن التي كانت تعبد الذهب والفضة.
وعبدوا آلات الحرب من سيف أو درع، وآلات الكتابة من قلم أو كراسة.
كذلك الأجرام الفلكية تعبد من دون الله عز وجل، والحيوانات، وأكثر حيوان يعبد في بلاد الهند هو البقرة، وللأسف ما زالت تعبد إلى الآن من قبل علماء كمبيوتر وعلماء ذرة وأطباء ومهندسين، وليس فقط البقرة، بل كل الحيوانات عبدت في بلاد الهند، لدرجة أنهم عبدوا الفئران، وحصلت مجاعة ضخمة في بلاد الهند كان سببها ترك الفئران فأكلت كل المزروعات الهندية.
الشهوة الجنسية الجامحة عمت بلاد الهند، الكهان يرتكبون أبشع الفواحش في المعابد، ويعتبرون ذلك من الدين، ويتقربون بذلك إلى الآلهة.
الطبقية البشعة في بلاد الهند قسمت الناس إلى أربع طبقات: طبقة البراهمة الكهنة والحكام.
طبقة شتري وهؤلاء رجال الحرب.
وطبقة ويش وهي طبقة التجار والأغنياء.
طبقة شودر، وهذه طبقة منبوذة، ومعنى كلمة (شودر) المنبوذين، وهذه الطبقة هي أحط عندهم من البهائم، وأذل من الكلاب، حتى إن القانون عندهم ينص: من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة من دون أن يكون لهم أجر.
قارن هذا بما رواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه).
ليس لطبقة شودر أن يقتنوا مالاً؛ لأن هذا يؤذي البراهمة، فلا يصح أن تكون عندك ملكية لأي جزء ولو القليل من المال.
وإذا همّ شودري أن يضرب برهمي قطعت يده، وإذا هم بالجلوس إليه كوي استه بالنار، ونفي خارج البلاد، وإذا سبه اقتلع لسانه، وإذا ادعى أنه يعلمه شيئاً سقي زيتاً مغلياً.
يقول القانون الهندي: إن كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والبومة سواء بسواء مثل كفارة قتل الشودر.
هذا هو وضع بلاد الهند التي يكتب عنها في الكتب عبارة: حضارة، وأنها كذا وكذا.
المرأة في المجتمع الهندي أحياناً يكون لها أكثر من زوج، وهي في منزلة مثل منزلة الأمة، حتى ولو كانت زوجة لشريف.
أحياناً في بلاد الهند يلعب الرجل القمار ويخسر، ثم لا يجد إلا أن يقامر على زوجته، وممكن أن يخسرها في القمار.
قارن هذا بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً) (النساء شقائق الرجال) (خيركم خيركم لأهله) وغير ذلك من الأحاديث.
أما الهند فأعجوبة الأعاجيب؛ حيث كثرت فيها المعبودات بشكل مريع، فأي شيء في الهند يعبد، تماثيل لكل شيء، يعبدون الأشخاص والجبال والأنهار، مثل: نهر الكنج فهو مقدس عندهم، حتى المعادن، وأشهر المعادن التي كانت تعبد الذهب والفضة.
وعبدوا آلات الحرب من سيف أو درع، وآلات الكتابة من قلم أو كراسة.
كذلك الأجرام الفلكية تعبد من دون الله عز وجل، والحيوانات، وأكثر حيوان يعبد في بلاد الهند هو البقرة، وللأسف ما زالت تعبد إلى الآن من قبل علماء كمبيوتر وعلماء ذرة وأطباء ومهندسين، وليس فقط البقرة، بل كل الحيوانات عبدت في بلاد الهند، لدرجة أنهم عبدوا الفئران، وحصلت مجاعة ضخمة في بلاد الهند كان سببها ترك الفئران فأكلت كل المزروعات الهندية.
الشهوة الجنسية الجامحة عمت بلاد الهند، الكهان يرتكبون أبشع الفواحش في المعابد، ويعتبرون ذلك من الدين، ويتقربون بذلك إلى الآلهة.
الطبقية البشعة في بلاد الهند قسمت الناس إلى أربع طبقات: طبقة البراهمة الكهنة والحكام.
طبقة شتري وهؤلاء رجال الحرب.
وطبقة ويش وهي طبقة التجار والأغنياء.
طبقة شودر، وهذه طبقة منبوذة، ومعنى كلمة (شودر) المنبوذين، وهذه الطبقة هي أحط عندهم من البهائم، وأذل من الكلاب، حتى إن القانون عندهم ينص: من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة من دون أن يكون لهم أجر.
قارن هذا بما رواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه).
ليس لطبقة شودر أن يقتنوا مالاً؛ لأن هذا يؤذي البراهمة، فلا يصح أن تكون عندك ملكية لأي جزء ولو القليل من المال.
وإذا همّ شودري أن يضرب برهمي قطعت يده، وإذا هم بالجلوس إليه كوي استه بالنار، ونفي خارج البلاد، وإذا سبه اقتلع لسانه، وإذا ادعى أنه يعلمه شيئاً سقي زيتاً مغلياً.
يقول القانون الهندي: إن كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والبومة سواء بسواء مثل كفارة قتل الشودر.
هذا هو وضع بلاد الهند التي يكتب عنها في الكتب عبارة: حضارة، وأنها كذا وكذا.
المرأة في المجتمع الهندي أحياناً يكون لها أكثر من زوج، وهي في منزلة مثل منزلة الأمة، حتى ولو كانت زوجة لشريف.
أحياناً في بلاد الهند يلعب الرجل القمار ويخسر، ثم لا يجد إلا أن يقامر على زوجته، وممكن أن يخسرها في القمار.
قارن هذا بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً) (النساء شقائق الرجال) (خيركم خيركم لأهله) وغير ذلك من الأحاديث.
موقع اليهود على خارطة الأحداث قبل وبعد البعثة النبوية
في هذه الصورة البشعة للأرض أين كان اليهود؟ عاش اليهود مضطهدين في آسيا وأوروبا وإفريقيا وفي كل بقعة وفي كل زمن، وليس هناك طاقة لأحد من البشر بمعاشرة اليهود، فهم في لحظات الضعف خنوع ونفاق ودس وكيد وكذب، وفي لحظات القوة تجبر وتكبر وظلم ووحشية وربا وفتن ومؤامرات.
اليهود في ذلك الزمن تركزوا في منطقة الشام، وفي سنة (610) ميلادية، بعد حوالي ثلاث سنوات أو سنتين من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم حصلت المعركة الضخمة ما بين الفرس والروم، التي ذكرت في كتاب الله عز وجل: {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم:2]، وانتصر الفرس على الرومان، واليهود كانوا في بلاد الشام التي تتبع الدولة الرومانية، فلما غلبت الدولة الرومانية تحول اليهود من رعايا الدولة الرومانية إلى قتلة وسفاكي دماء لكل رهبان النصارى الموجودين في بلاد الشام، وصارت لهم شوكة فترة من الزمان، ثم دارت الأيام وانتصر الرومان على الفرس {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:3]، فجمع اليهود أنفسهم وذهبوا إلى هرقل وقدموا له القرابين وتذللوا له، وأظهروا له الانصياع الكامل والتبعية لحكومته، فقبل منهم هرقل ذلك، وأعطاهم العهد بالأمان، لكن أتى رهبان الشام بعد ذلك فذكروا لـ هرقل ما فعله اليهود في وقت هزيمة الرومان، فغضب وأراد أن يعاقب اليهود، ولكن منعه العهد الذي أعطاه إليهم، فجاء إليه الرهبان النصارى وقالوا لـ هرقل: لا عليك من العهد، اقتلهم وسنصوم عنك جمعة كل سنة أبد الدهر، فقبل كلام هرقل وعذبهم عذاباً شديداً، ولم يفلت إلا الذي هرب من الشام.
ومن حينها اشتد العداء بين النصارى واليهود، علماً بأن النصارى يكرهون اليهود لادعائهم بأنهم قتلوا المسيح عليه السلام، {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157]، حتى إن النصارى في عهد سيدنا عمر بن الخطاب لما فتح القدس سنة (16) هجرية اشترطوا ألا يعيش في القدس يهودي، وألا يبقى فيها يوماً وليلة إلا المرور، وأعطاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه العهد بذلك، لكن الآن نرى اتفاق اليهود مع الأمريكان والإنجليز والفرنسيين وغيرهم؛ لأن معركتهم واحدة هي المعركة ضد الإسلام.
اليهود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتمركزون في شمال المدينة المنورة في خيبر، وكانوا كعادتهم قوماً غلاظ الطباع، قساة القلوب، منحرفي الأخلاق، يعيشون على الربا، وإشعال الفتن والحروب والتكسب من بيع السلاح، وإيقاع السادة في الفضائح الأخلاقية وتهديدهم بها، والسيطرة على الجهال بكتبهم المحرفة وأفكارهم الضالة.
في هذه الصورة البشعة للأرض أين كان اليهود؟ عاش اليهود مضطهدين في آسيا وأوروبا وإفريقيا وفي كل بقعة وفي كل زمن، وليس هناك طاقة لأحد من البشر بمعاشرة اليهود، فهم في لحظات الضعف خنوع ونفاق ودس وكيد وكذب، وفي لحظات القوة تجبر وتكبر وظلم ووحشية وربا وفتن ومؤامرات.
اليهود في ذلك الزمن تركزوا في منطقة الشام، وفي سنة (610) ميلادية، بعد حوالي ثلاث سنوات أو سنتين من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم حصلت المعركة الضخمة ما بين الفرس والروم، التي ذكرت في كتاب الله عز وجل: {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم:2]، وانتصر الفرس على الرومان، واليهود كانوا في بلاد الشام التي تتبع الدولة الرومانية، فلما غلبت الدولة الرومانية تحول اليهود من رعايا الدولة الرومانية إلى قتلة وسفاكي دماء لكل رهبان النصارى الموجودين في بلاد الشام، وصارت لهم شوكة فترة من الزمان، ثم دارت الأيام وانتصر الرومان على الفرس {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:3]، فجمع اليهود أنفسهم وذهبوا إلى هرقل وقدموا له القرابين وتذللوا له، وأظهروا له الانصياع الكامل والتبعية لحكومته، فقبل منهم هرقل ذلك، وأعطاهم العهد بالأمان، لكن أتى رهبان الشام بعد ذلك فذكروا لـ هرقل ما فعله اليهود في وقت هزيمة الرومان، فغضب وأراد أن يعاقب اليهود، ولكن منعه العهد الذي أعطاه إليهم، فجاء إليه الرهبان النصارى وقالوا لـ هرقل: لا عليك من العهد، اقتلهم وسنصوم عنك جمعة كل سنة أبد الدهر، فقبل كلام هرقل وعذبهم عذاباً شديداً، ولم يفلت إلا الذي هرب من الشام.
ومن حينها اشتد العداء بين النصارى واليهود، علماً بأن النصارى يكرهون اليهود لادعائهم بأنهم قتلوا المسيح عليه السلام، {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157]، حتى إن النصارى في عهد سيدنا عمر بن الخطاب لما فتح القدس سنة (16) هجرية اشترطوا ألا يعيش في القدس يهودي، وألا يبقى فيها يوماً وليلة إلا المرور، وأعطاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه العهد بذلك، لكن الآن نرى اتفاق اليهود مع الأمريكان والإنجليز والفرنسيين وغيرهم؛ لأن معركتهم واحدة هي المعركة ضد الإسلام.
اليهود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتمركزون في شمال المدينة المنورة في خيبر، وكانوا كعادتهم قوماً غلاظ الطباع، قساة القلوب، منحرفي الأخلاق، يعيشون على الربا، وإشعال الفتن والحروب والتكسب من بيع السلاح، وإيقاع السادة في الفضائح الأخلاقية وتهديدهم بها، والسيطرة على الجهال بكتبهم المحرفة وأفكارهم الضالة.
حال الحبشة قبل البعثة النبوية وبعدها
كانت الحبشة -أثيوبيا حالياً- على النصرانية المحرفة، وكانوا يتبعون الكرسي الإسكندري في الدين، يعني: مثل الديانة المصرية، ويعتقدون أن المسيح هو الله أو ابن الله، وليس له طبيعة بشرية، كانت حياتهم بدائية إلى حد كبير، وإن كان لهم قوة وجيش وسلاح، لكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد البعثة كان يحكمهم رجل لا يظلم عنده أحد، وهو النجاشي أصحمة، والنجاشي لقب وليس اسماً، مثل ملك فارس لقبه كسرى، وملك الروم لقبه قيصر، كذلك ملك الحبشة لقبه النجاشي.
هذا وضع بلاد الحبشة ذكرناه لأهميته في السيرة كما سيأتي بعد ذلك.
كانت الحبشة -أثيوبيا حالياً- على النصرانية المحرفة، وكانوا يتبعون الكرسي الإسكندري في الدين، يعني: مثل الديانة المصرية، ويعتقدون أن المسيح هو الله أو ابن الله، وليس له طبيعة بشرية، كانت حياتهم بدائية إلى حد كبير، وإن كان لهم قوة وجيش وسلاح، لكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد البعثة كان يحكمهم رجل لا يظلم عنده أحد، وهو النجاشي أصحمة، والنجاشي لقب وليس اسماً، مثل ملك فارس لقبه كسرى، وملك الروم لقبه قيصر، كذلك ملك الحبشة لقبه النجاشي.
هذا وضع بلاد الحبشة ذكرناه لأهميته في السيرة كما سيأتي بعد ذلك.
حال الأمريكيتين قبل البعثة النبوية
أما الأمريكتان فقد كانتا تعيشان في ذلك الوقت في مرحلة طفولة حضارية، في حياة بدائية تماماً، وقد رأيت آثار السكان الأصليين لأمريكا (الهنود الحمر) وهي آثار في غاية البدائية، وما كان لهم أي دور في حركة الأرض في ذلك الزمن.
أما الأمريكتان فقد كانتا تعيشان في ذلك الوقت في مرحلة طفولة حضارية، في حياة بدائية تماماً، وقد رأيت آثار السكان الأصليين لأمريكا (الهنود الحمر) وهي آثار في غاية البدائية، وما كان لهم أي دور في حركة الأرض في ذلك الزمن.
حال الجزيرة العربية قبل البعثة النبوية
كان هذا هو الوضع في بلاد العالم المختلفة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل بعثته، أما عن الجزيرة العربية فقد كانت تعيش حالة من الوثنية المفرطة، مع إيمان هؤلاء الناس بالله عز وجل، إلا أنهم اتخذوا إليه شفعاء ووسطاء، كما قال الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، ومضت الأيام وأصبحوا يعتقدون أن هؤلاء الشفعاء -أي: الأصنام- تملك قدرة ذاتية على أن تنفع أو تضر، فأصبحوا يتوجهون إليها مباشرة بالعبادة، وكان لكل قبيلة صنم، فمكة مثلاً كان أعظم أصنامها: هبل، والطائف أعظم أصنامها: اللات وهكذا.
وأحياناً لكل بيت صنم، وكان هناك تجار للأصنام وصناع للأصنام، تجد من يبيع آلهة في داخل البيت الحرام، بل كانت الكعبة نفسها حولها (360) صنماً، وهي أشرف بقعة على الأرض، ومما يذكر كمثال على أن لكل بيت صنماً أن عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان في جاهليته يعبد صنماً من الخشب صنعه بيده.
أما الأجواء الأخلاقية في جزيرة العرب كانت شنيعة، كان شرب الخمر متفشياً تفشياً كبيراً، حتى كتبت فيه أشعار عظيمة، ووصفت مجالسه بأدق التفاصيل، مع أنه كان يؤدي إلى كثير من النزاع بين الناس.
وكان الميسر أيضاً متفشياً، وكثيراً ما أورث البغضاء والشحناء بين الناس، من أجل هذا قال الله سبحانه وتعالى عنه في القرآن: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:91].
وكان الربا من المعاملات الأساسية في جزيرة العرب، وكانوا يقولون كما أخبر الله عنهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة:275].
أما الزنا فكانت له صور بشعة في المجتمعات العربية قبل الإسلام، وتصف السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها -كما جاء في صحيح البخاري - أنواع النكاح في الجاهلية: النوع الأول: هو النوع المعروف الذي عليه نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، وهذا الزواج الطبيعي كان أحد صور الزواج.
النوع الثاني: تقول السيدة عائشة: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها -أي: من الحيض- اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها -أي: من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، يعني: يبعث امرأته من أجل أن يجامعها رجل من أشراف مكة، وما يمس امرأته إلى أن يتأكد أنها حملت من الرجل الغريب- فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد.
هذا النكاح كان يسمى بنكاح الاستبضاع، أين مروءته وغيرته؟! تنعدم إلى درجة أنه يبعث امرأته إلى هذا الفعل الشنيع، وهذا قانون يوافق أهواء الأسياد.
كانوا يحيون على هذه المفاسد، لذا لما أتى الإسلام وحرم عليهم هذه الأمور، كان العداء بينهم وبين الإسلام؛ لأنه يحرم عليهم هذه الشهوات وهذه المفاسد.
النوع الثالث: تقول السيدة عائشة: (هو النكاح الذي يجتمع فيه الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت وهو ابنك يا فلان، وتختار واحداً من الناس فتلحقه به، ولا يستطيع أن يمتنع الرجل.
النوع الرابع والأخير في أيام الجاهلية كما تقول السيدة عائشة: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها -وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً، وهي مشهورة في التاريخ بالرايات الحمر، فمن أرادهن دخل عليهن- فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها اجتمعوا لها، ودعوا لها القافة -وهم الرجال الذين يستطيعون تمييز الوالد والولد عن طريق الشبه- ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به.
يعني: التصق به ودعي على أنه ابنه، ولا يمتنع من ذلك.
تقول السيدة عائشة: فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
كانت هناك عادة أخرى من أبشع العادات في جزيرة العرب: وهي وأد البنات، يعني: دفن البنت وهي حية، وكان يفعل ذلك لأسباب كثيرة أهمها خشية الفقر، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31] يعني: خشية الفقر.
وأحياناً خوف العار، وأحياناً لعيوب خلقية أو من أجل اللون.
ومنها: ادعاء أن الملائكة بنات الله، سبحانه عما يقولون! فيقولون: ألحقوا البنات به فهو أحق بهن، تعالى الله عن ذلك، يقول الله عز وجل عنهم في كتابه الكريم: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9].
كذلك العصيبة القبيلة والحروب المستمرة بين القبائل كانت أمراً طبيعياً، والإغار
كان هذا هو الوضع في بلاد العالم المختلفة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل بعثته، أما عن الجزيرة العربية فقد كانت تعيش حالة من الوثنية المفرطة، مع إيمان هؤلاء الناس بالله عز وجل، إلا أنهم اتخذوا إليه شفعاء ووسطاء، كما قال الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، ومضت الأيام وأصبحوا يعتقدون أن هؤلاء الشفعاء -أي: الأصنام- تملك قدرة ذاتية على أن تنفع أو تضر، فأصبحوا يتوجهون إليها مباشرة بالعبادة، وكان لكل قبيلة صنم، فمكة مثلاً كان أعظم أصنامها: هبل، والطائف أعظم أصنامها: اللات وهكذا.
وأحياناً لكل بيت صنم، وكان هناك تجار للأصنام وصناع للأصنام، تجد من يبيع آلهة في داخل البيت الحرام، بل كانت الكعبة نفسها حولها (360) صنماً، وهي أشرف بقعة على الأرض، ومما يذكر كمثال على أن لكل بيت صنماً أن عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان في جاهليته يعبد صنماً من الخشب صنعه بيده.
أما الأجواء الأخلاقية في جزيرة العرب كانت شنيعة، كان شرب الخمر متفشياً تفشياً كبيراً، حتى كتبت فيه أشعار عظيمة، ووصفت مجالسه بأدق التفاصيل، مع أنه كان يؤدي إلى كثير من النزاع بين الناس.
وكان الميسر أيضاً متفشياً، وكثيراً ما أورث البغضاء والشحناء بين الناس، من أجل هذا قال الله سبحانه وتعالى عنه في القرآن: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:91].
وكان الربا من المعاملات الأساسية في جزيرة العرب، وكانوا يقولون كما أخبر الله عنهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة:275].
أما الزنا فكانت له صور بشعة في المجتمعات العربية قبل الإسلام، وتصف السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها -كما جاء في صحيح البخاري - أنواع النكاح في الجاهلية: النوع الأول: هو النوع المعروف الذي عليه نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، وهذا الزواج الطبيعي كان أحد صور الزواج.
النوع الثاني: تقول السيدة عائشة: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها -أي: من الحيض- اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها -أي: من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، يعني: يبعث امرأته من أجل أن يجامعها رجل من أشراف مكة، وما يمس امرأته إلى أن يتأكد أنها حملت من الرجل الغريب- فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد.
هذا النكاح كان يسمى بنكاح الاستبضاع، أين مروءته وغيرته؟! تنعدم إلى درجة أنه يبعث امرأته إلى هذا الفعل الشنيع، وهذا قانون يوافق أهواء الأسياد.
كانوا يحيون على هذه المفاسد، لذا لما أتى الإسلام وحرم عليهم هذه الأمور، كان العداء بينهم وبين الإسلام؛ لأنه يحرم عليهم هذه الشهوات وهذه المفاسد.
النوع الثالث: تقول السيدة عائشة: (هو النكاح الذي يجتمع فيه الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت وهو ابنك يا فلان، وتختار واحداً من الناس فتلحقه به، ولا يستطيع أن يمتنع الرجل.
النوع الرابع والأخير في أيام الجاهلية كما تقول السيدة عائشة: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها -وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً، وهي مشهورة في التاريخ بالرايات الحمر، فمن أرادهن دخل عليهن- فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها اجتمعوا لها، ودعوا لها القافة -وهم الرجال الذين يستطيعون تمييز الوالد والولد عن طريق الشبه- ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به.
يعني: التصق به ودعي على أنه ابنه، ولا يمتنع من ذلك.
تقول السيدة عائشة: فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
كانت هناك عادة أخرى من أبشع العادات في جزيرة العرب: وهي وأد البنات، يعني: دفن البنت وهي حية، وكان يفعل ذلك لأسباب كثيرة أهمها خشية الفقر، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31] يعني: خشية الفقر.
وأحياناً خوف العار، وأحياناً لعيوب خلقية أو من أجل اللون.
ومنها: ادعاء أن الملائكة بنات الله، سبحانه عما يقولون! فيقولون: ألحقوا البنات به فهو أحق بهن، تعالى الله عن ذلك، يقول الله عز وجل عنهم في كتابه الكريم: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9].
كذلك العصيبة القبيلة والحروب المستمرة بين القبائل كانت أمراً طبيعياً، والإغار
قصة إسلام سلمان وبحثه عن نور الهداية قبل البعثة وبعدها
لم يكن على الحق إلا النادر القليل قبل البعثة، ويوضح ذلك حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه كما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وهو يحكي قصة إسلامه.
هذا الحديث يحكي فيه سلمان الفارسي رضي الله عنه قصته مع الإيمان، وكيف أنه كان مجوسياً يعبد النار، بل ويعمل خادماً لها، يوقدها حتى لا تخبو، ثم لما سمع بصلاة من صلوات النصارى أعجب بها، فسأل عن أصل هذا الدين وهرب من بلده في قصة طويلة نذكرها مختصرة.
هرب من بلده أصبهان إلى بلاد الشام حيث يوجد النصارى، وهناك سأل عن أفضل أهل هذا الدين، فدله الناس على أسقف الكنيسة، فذهب إليه وعاش معه فترة، ولكنه اكتشف أنه رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزها لنفسه، حتى جمع من ذلك سبع قلال من الذهب والفضة.
يقول سلمان: فأبغضته بغضاً شديداً؛ لأنه جاء من بلاد فارس من أجل هذا الرجل، ثم وجد أنه بهذا السوء، ثم مات الرجل وكشف سلمان رضي الله عنه أمره للناس وأخرج لهم القلال، فغضب الناس على الأسقف وصلبوه وهو ميت ورجموه بالحجارة، ثم استخلفوا بعده رجلاً آخر، وكان عظيماً تقياً ورعاً فأحبه سلمان حباً شديداً وعاش إلى جواره فترة، ثم حضرت هذا الأسقف الوفاة، فقال له سلمان: قد حضرك ما ترى من أمر الله عز وجل، فإلى من توصي بي، قال: أي بني! والله ما أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه، لقد غير الناس وبدلوا، وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل.
يعني: من كل أهل الأرض لا يعرف إلا واحداً صالحاً فقط في الموصل في أرض العراق، وفي كل الشام ليس هناك رجل على الحق، فذهب إليه سلمان ومكث عنده فترة وكان رجلاً طيباً كصاحبه، ثم اقتربت وفاته، فقال له سلمان: إلى من توصي بي؟ قال: والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا بنصيبين، وهو فلان فالحق به، فلما مات ذهب سلمان إلى نصيبين.
بقي حياة طويلة من الكفاح والبحث عن الحق رضي الله عنه وأرضاه، ونحن نكسل عن البحث في المكتبة عن كتاب -وهو داخل البيت- من أجل معلومة معينة، انظر لـ سلمان الفارسي من بلد إلى بلد من أجل أن يعبد الله عز وجل حق العبادة.
عاش سلمان في نصيبين مع الرجل فترة، وكان رجلاً صالحاً، ثم ما لبث أن حضرته الوفاة، فقال له سلمان: إلى من توصي بي؟ قال: أي بني! والله ما أعلم أحداً بقي على أمرنا إلا رجلاً بعمورية -تركيا حالياً- فالحق به، يقول سلمان: فلحقت بصاحب عمورية، وكان الرجل على هدي أصحابه، فاكتسبت من التجارة حتى كان لي بقرات وغنيمة، ثم حضرت الرجل الوفاة، فقال له سلمان: إلى من توصي بي؟ فقال الرجل: أي بني! والله ما أعلم أن أحداً قد أصبح على ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام، يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل، بها علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال سلمان: ثم مات الرجل.
ثم مكث سلمان رضي الله عنه فترة في عمورية وهو يبحث عن طريقة يصل بها إلى أرض العرب، حتى مر به مجموعة من التجار، فقال لهم: تحملونني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي، قالوا: نعم، يريد أن يضحي بكل الذي امتلكه من أجل أن يصل إلى هذا الدين، يقول: فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا قدموا به وادي القرى في شمال المدينة المنورة ظلموني، فباعوني إلى رجل من يهود عبداً، ثم مرت الأيام وسلمان الفارسي عبد وقد كان ابناً لأحد رؤساء القرى في بلاد فارس.
يقول سلمان: فبينما أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة صلى الله عليه وسلم فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي -يعني: أعلى النخلة- أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس إذا أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال: قاتل الله بني قيلة -الأوس والخزرج-، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي، يقول سلمان: فلما سمعتها أخذتني العرواء -رعشة شديدة في جسده- حتى ظننت أني سأسقط على سيدي، فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا، أقبل على عملك، فقلت: لا شيء لا شيء، إنما أردت أن أستثبت عما قال.
ثم كانت له قصة إسلام لطيفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الآن مجال ذكرها.
الشاهد من القصة أن بقاع النور في الأرض كاحال مكة قبل البعثة النبوية
لم يكن على الحق إلا النادر القليل قبل البعثة، ويوضح ذلك حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه كما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وهو يحكي قصة إسلامه.
هذا الحديث يحكي فيه سلمان الفارسي رضي الله عنه قصته مع الإيمان، وكيف أنه كان مجوسياً يعبد النار، بل ويعمل خادماً لها، يوقدها حتى لا تخبو، ثم لما سمع بصلاة من صلوات النصارى أعجب بها، فسأل عن أصل هذا الدين وهرب من بلده في قصة طويلة نذكرها مختصرة.
هرب من بلده أصبهان إلى بلاد الشام حيث يوجد النصارى، وهناك سأل عن أفضل أهل هذا الدين، فدله الناس على أسقف الكنيسة، فذهب إليه وعاش معه فترة، ولكنه اكتشف أنه رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزها لنفسه، حتى جمع من ذلك سبع قلال من الذهب والفضة.
يقول سلمان: فأبغضته بغضاً شديداً؛ لأنه جاء من بلاد فارس من أجل هذا الرجل، ثم وجد أنه بهذا السوء، ثم مات الرجل وكشف سلمان رضي الله عنه أمره للناس وأخرج لهم القلال، فغضب الناس على الأسقف وصلبوه وهو ميت ورجموه بالحجارة، ثم استخلفوا بعده رجلاً آخر، وكان عظيماً تقياً ورعاً فأحبه سلمان حباً شديداً وعاش إلى جواره فترة، ثم حضرت هذا الأسقف الوفاة، فقال له سلمان: قد حضرك ما ترى من أمر الله عز وجل، فإلى من توصي بي، قال: أي بني! والله ما أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه، لقد غير الناس وبدلوا، وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل.
يعني: من كل أهل الأرض لا يعرف إلا واحداً صالحاً فقط في الموصل في أرض العراق، وفي كل الشام ليس هناك رجل على الحق، فذهب إليه سلمان ومكث عنده فترة وكان رجلاً طيباً كصاحبه، ثم اقتربت وفاته، فقال له سلمان: إلى من توصي بي؟ قال: والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا بنصيبين، وهو فلان فالحق به، فلما مات ذهب سلمان إلى نصيبين.
بقي حياة طويلة من الكفاح والبحث عن الحق رضي الله عنه وأرضاه، ونحن نكسل عن البحث في المكتبة عن كتاب -وهو داخل البيت- من أجل معلومة معينة، انظر لـ سلمان الفارسي من بلد إلى بلد من أجل أن يعبد الله عز وجل حق العبادة.
عاش سلمان في نصيبين مع الرجل فترة، وكان رجلاً صالحاً، ثم ما لبث أن حضرته الوفاة، فقال له سلمان: إلى من توصي بي؟ قال: أي بني! والله ما أعلم أحداً بقي على أمرنا إلا رجلاً بعمورية -تركيا حالياً- فالحق به، يقول سلمان: فلحقت بصاحب عمورية، وكان الرجل على هدي أصحابه، فاكتسبت من التجارة حتى كان لي بقرات وغنيمة، ثم حضرت الرجل الوفاة، فقال له سلمان: إلى من توصي بي؟ فقال الرجل: أي بني! والله ما أعلم أن أحداً قد أصبح على ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام، يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل، بها علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال سلمان: ثم مات الرجل.
ثم مكث سلمان رضي الله عنه فترة في عمورية وهو يبحث عن طريقة يصل بها إلى أرض العرب، حتى مر به مجموعة من التجار، فقال لهم: تحملونني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي، قالوا: نعم، يريد أن يضحي بكل الذي امتلكه من أجل أن يصل إلى هذا الدين، يقول: فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا قدموا به وادي القرى في شمال المدينة المنورة ظلموني، فباعوني إلى رجل من يهود عبداً، ثم مرت الأيام وسلمان الفارسي عبد وقد كان ابناً لأحد رؤساء القرى في بلاد فارس.
يقول سلمان: فبينما أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة صلى الله عليه وسلم فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي -يعني: أعلى النخلة- أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس إذا أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال: قاتل الله بني قيلة -الأوس والخزرج-، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي، يقول سلمان: فلما سمعتها أخذتني العرواء -رعشة شديدة في جسده- حتى ظننت أني سأسقط على سيدي، فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا، أقبل على عملك، فقلت: لا شيء لا شيء، إنما أردت أن أستثبت عما قال.
ثم كانت له قصة إسلام لطيفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الآن مجال ذكرها.
الشاهد من القصة أن بقاع النور في الأرض كاحال مكة قبل البعثة النبوية
أما
الوضع في مكة نفسها فما كان يختلف عن ذلك كثيراً، لم يكن هناك على الدين
الصحيح إلا القليل مثل: زيد بن عمرو بن نفيل أبو سيدنا سعيد بن زيد رضي
الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان زيد بن عمرو بن
نفيل حنيفياً على ملة إبراهيم عليه السلام.
كذلك كان ورقة بن نوفل قد تنصر.
كذلك كان ورقة بن نوفل قد تنصر.
أهمية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض وضرورة الدعوة إلى دين الإسلام في وقتنا الحاضر
كانت الأرض على اتساعها قبل البعثة النبوية تعيش الانهيار الشديد في الأخلاق والقيم والعادات والعلاقات والعقيدة، ظلمات بعضها فوق بعض، من هنا ندرك فعلاً قيمة النور الذي أنزله الله عز وجل على الأرض ببعثة الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، {قدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15 - 16].
كان من الواضح أن الأرض تحتاج في هذا التوقيت إلى الإسلام، إلى وحي السماء، إلى الهداية إلى الطريق المستقيم، في زمان تشعبت فيه طرق الضلال حتى استحال حصرها، كان ذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، فماذا عن حالنا الآن، هل الأرض تحتاج إلى الإسلام كما كانت تحتاج إليه قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل حال الأمم المختلفة في الأرض الآن لا يحتاج إلى تقويم إلهي وتعديل رباني وهداية سماواية وشريعة إسلامية؟ إن الناظر إلى حال الأرض في زماننا يرى الأوضاع شديدة الشبه بما كانت عليه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرى الجرائم الأخلاقية، والانحراف في السلوك وصل إلى درجات شنيعة، تجد شعوباً كاملة غارقة تماماً في الجنس والإباحية والشذوذ، فمعدل الزنا في أمريكا تحت (18) سنة مراهقين وصل إلى (55%)، في إنجلترا (65%)، في العالم الإسلامي معدلات الزنا في ارتفاع رهيب، لكن الحمد لله ما زال المجتمع المسلم لا يسمح بالمجاهرة بمثل هذه الفواحش وإن كانت موجودة، والكل يلاحظ الإباحية التي تنتشر بلا حدود في وسائل الإعلام والشوارع والجامعات والأندية، ناهيك عن الشواطئ وحمامات السباحة.
العنف في الأرض في ازدياد ملحوظ، جرائم القتل والاغتصاب والسرقة بالإكراه والخطف منتشرة بشكل بشع، نوعيات الجرائم البشعة والتعذيب في السجون، والقتل الجماعي تنتشر بأشكال رهيبة في الأرض، الحروب الظالمة وأكل أموال الشعوب أصبح ظاهرة في كل بلاد الأرض، وللأسف العالم الإسلامي من أكثر المناطق تعرضاً لهذه الحروب ولهذا الظلم، وأحياناً الظلم يأتي من الأقربين، ولا يلزم أن يكون من محتل شعره أصفر وعينه زرقاء، لا، الظالم قد يكون من نفس بلد المظلوم، وتأمل حال إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية فهي تعيش دكتاتورية وقهراً وبطشاً في كل مكان من أمريكا وأوروبا، وإن كانت بلاداً ديمقراطية إلا أنها ما زالت استعمارية، نعم تغيرت أشكال الاستعمار لكنها ما زالت استعمارية، فحروب الفرس والرومان القديمة لم تكن تحمل وحشية حروب أمريكا وإنجلترا وفرنسا وروسيا والصرب وغيرهم، فأمريكا قتلت في هيروشيما وناجازاكي أكثر من مائتي ألف مدني، في (6) أغسطس (1945م)، وفي (19) مارس من نفس السنة قتلت أمريكا ثمانين ألف ياباني مدني بقنابل النبالم المحرمة، رمتها طائرات البي (29) على طوكيو، وهذا لم يشتهر؛ لأن موضوع القنبلة النووية غطى على كل شيء.
وقتلت أمريكا مليون ونصف كوري وصيني من العسكريين، ومليون مدني في حرب كوريا سنة (1950م) أرقام مهولة.
وقتلت أمريكا من ثلاثة إلى أربعة ملايين فيتنامي في الحرب الفيتنامية من سنة (1963م - 1975م) أعنف حرب إبادة في التاريخ، ناهيك عما رأيناه في العراق وأفغانستان وغيرهما، ما سمعنا عن شيء مثل هذا في أيام الجاهلية الأولى.
كذلك حروب الصرب وروسيا والهند حروب رهيبة، وللأسف القتلى كلهم من المسلمين، حتى أمريكا والغرب لما ضربوا الصرب في كوسوفا رموا عليها آلاف الأطنان من القنابل المخصبة باليورانيوم المشع، والتي سيبقى أثرها في أراضي كوسوفا آلاف السنين، هذا إن كان في عمر الأرض بقية! فالوثنية في العالم باتت بشعة؛ لأن الغالب الأعم من أهل الأرض وثنيون، لو قسمت العالم إلى مسلمين ونصارى ويهود ووثنيين، فإن نسبة الوثنيين أعلى نسبة: ألف مليون في الهند يعبدون البقر والشجر والفئران الخ، مليار وثلاثمائة مليون في الصين ينكرون وجود الإله شيوعية ملحدة تماماً! روسيا ليست بعيدة عن الاعتقاد هذا، وإن كانت الشيوعية انتهت إلا أن معظم الشعب لا يزال ملحداً.
البوذية منتشرة في جنوب شرق آسيا واليابان.
إفريقيا فيها قبائل كثير جداً وثنية تماماً، يعبدون أصناماً وأشجاراً ونجوماً.
في بلاد أوروبا وأمريكا كثير من المحسوبين على النصارى أصبحوا ملحدين، ففرنسا تقول: أنا علمانية بحتة، وأمريكا كذلك علمانية بحتة، وألمانيا كذلك، وتركيا وتونس وغيرهما من بلاد المسلمين يقولون: نحن علمانيون.
رأينا في بلاد مسلمة من يعبد الشيطان مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي منكم بما تحقرون) لكن في هذا الوقت بعض شباب وشابات المسلمين أعطوا الشيطان الذي كان قد يئس منه أمر لا يتخيله عقل.
بعد كل هذا ألا تشعرون أن العالم بأسره وليس العالم الإسلامي فقط يتجه إلى هاوية سح
كانت الأرض على اتساعها قبل البعثة النبوية تعيش الانهيار الشديد في الأخلاق والقيم والعادات والعلاقات والعقيدة، ظلمات بعضها فوق بعض، من هنا ندرك فعلاً قيمة النور الذي أنزله الله عز وجل على الأرض ببعثة الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، {قدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15 - 16].
كان من الواضح أن الأرض تحتاج في هذا التوقيت إلى الإسلام، إلى وحي السماء، إلى الهداية إلى الطريق المستقيم، في زمان تشعبت فيه طرق الضلال حتى استحال حصرها، كان ذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، فماذا عن حالنا الآن، هل الأرض تحتاج إلى الإسلام كما كانت تحتاج إليه قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل حال الأمم المختلفة في الأرض الآن لا يحتاج إلى تقويم إلهي وتعديل رباني وهداية سماواية وشريعة إسلامية؟ إن الناظر إلى حال الأرض في زماننا يرى الأوضاع شديدة الشبه بما كانت عليه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرى الجرائم الأخلاقية، والانحراف في السلوك وصل إلى درجات شنيعة، تجد شعوباً كاملة غارقة تماماً في الجنس والإباحية والشذوذ، فمعدل الزنا في أمريكا تحت (18) سنة مراهقين وصل إلى (55%)، في إنجلترا (65%)، في العالم الإسلامي معدلات الزنا في ارتفاع رهيب، لكن الحمد لله ما زال المجتمع المسلم لا يسمح بالمجاهرة بمثل هذه الفواحش وإن كانت موجودة، والكل يلاحظ الإباحية التي تنتشر بلا حدود في وسائل الإعلام والشوارع والجامعات والأندية، ناهيك عن الشواطئ وحمامات السباحة.
العنف في الأرض في ازدياد ملحوظ، جرائم القتل والاغتصاب والسرقة بالإكراه والخطف منتشرة بشكل بشع، نوعيات الجرائم البشعة والتعذيب في السجون، والقتل الجماعي تنتشر بأشكال رهيبة في الأرض، الحروب الظالمة وأكل أموال الشعوب أصبح ظاهرة في كل بلاد الأرض، وللأسف العالم الإسلامي من أكثر المناطق تعرضاً لهذه الحروب ولهذا الظلم، وأحياناً الظلم يأتي من الأقربين، ولا يلزم أن يكون من محتل شعره أصفر وعينه زرقاء، لا، الظالم قد يكون من نفس بلد المظلوم، وتأمل حال إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية فهي تعيش دكتاتورية وقهراً وبطشاً في كل مكان من أمريكا وأوروبا، وإن كانت بلاداً ديمقراطية إلا أنها ما زالت استعمارية، نعم تغيرت أشكال الاستعمار لكنها ما زالت استعمارية، فحروب الفرس والرومان القديمة لم تكن تحمل وحشية حروب أمريكا وإنجلترا وفرنسا وروسيا والصرب وغيرهم، فأمريكا قتلت في هيروشيما وناجازاكي أكثر من مائتي ألف مدني، في (6) أغسطس (1945م)، وفي (19) مارس من نفس السنة قتلت أمريكا ثمانين ألف ياباني مدني بقنابل النبالم المحرمة، رمتها طائرات البي (29) على طوكيو، وهذا لم يشتهر؛ لأن موضوع القنبلة النووية غطى على كل شيء.
وقتلت أمريكا مليون ونصف كوري وصيني من العسكريين، ومليون مدني في حرب كوريا سنة (1950م) أرقام مهولة.
وقتلت أمريكا من ثلاثة إلى أربعة ملايين فيتنامي في الحرب الفيتنامية من سنة (1963م - 1975م) أعنف حرب إبادة في التاريخ، ناهيك عما رأيناه في العراق وأفغانستان وغيرهما، ما سمعنا عن شيء مثل هذا في أيام الجاهلية الأولى.
كذلك حروب الصرب وروسيا والهند حروب رهيبة، وللأسف القتلى كلهم من المسلمين، حتى أمريكا والغرب لما ضربوا الصرب في كوسوفا رموا عليها آلاف الأطنان من القنابل المخصبة باليورانيوم المشع، والتي سيبقى أثرها في أراضي كوسوفا آلاف السنين، هذا إن كان في عمر الأرض بقية! فالوثنية في العالم باتت بشعة؛ لأن الغالب الأعم من أهل الأرض وثنيون، لو قسمت العالم إلى مسلمين ونصارى ويهود ووثنيين، فإن نسبة الوثنيين أعلى نسبة: ألف مليون في الهند يعبدون البقر والشجر والفئران الخ، مليار وثلاثمائة مليون في الصين ينكرون وجود الإله شيوعية ملحدة تماماً! روسيا ليست بعيدة عن الاعتقاد هذا، وإن كانت الشيوعية انتهت إلا أن معظم الشعب لا يزال ملحداً.
البوذية منتشرة في جنوب شرق آسيا واليابان.
إفريقيا فيها قبائل كثير جداً وثنية تماماً، يعبدون أصناماً وأشجاراً ونجوماً.
في بلاد أوروبا وأمريكا كثير من المحسوبين على النصارى أصبحوا ملحدين، ففرنسا تقول: أنا علمانية بحتة، وأمريكا كذلك علمانية بحتة، وألمانيا كذلك، وتركيا وتونس وغيرهما من بلاد المسلمين يقولون: نحن علمانيون.
رأينا في بلاد مسلمة من يعبد الشيطان مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي منكم بما تحقرون) لكن في هذا الوقت بعض شباب وشابات المسلمين أعطوا الشيطان الذي كان قد يئس منه أمر لا يتخيله عقل.
بعد كل هذا ألا تشعرون أن العالم بأسره وليس العالم الإسلامي فقط يتجه إلى هاوية سح
سلسلة السيرة النبوية_من هنا بدأ الإسلام
من حكمة الله جل وعلا البالغة أن اختار جزيرة العرب لتكون مهبط الوحي لخاتم الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ وذلك لأن العرب أمة لم تعرف ديناً من قبل سوى ملة إبراهيم، ولم يصلها من حضارات وفلسفات الأمم من حولها شيء، لتحافظ بذلك على وحدة المصدر المتلقى عنه، دون أن تضيف إليه شرائع وأحكام وقوانين البشر، كما أن خلو بقعة الرسالة في الجزيرة من الجيوش أو الملوك ساعد على عدم قمع الدعوة في مهدها، وساهم في صنع الأحلاف لدولة الإسلام مع غيرها، وجعل الدعوة تبني جيش الإسلام.
من حكمة الله جل وعلا البالغة أن اختار جزيرة العرب لتكون مهبط الوحي لخاتم الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ وذلك لأن العرب أمة لم تعرف ديناً من قبل سوى ملة إبراهيم، ولم يصلها من حضارات وفلسفات الأمم من حولها شيء، لتحافظ بذلك على وحدة المصدر المتلقى عنه، دون أن تضيف إليه شرائع وأحكام وقوانين البشر، كما أن خلو بقعة الرسالة في الجزيرة من الجيوش أو الملوك ساعد على عدم قمع الدعوة في مهدها، وساهم في صنع الأحلاف لدولة الإسلام مع غيرها، وجعل الدعوة تبني جيش الإسلام.
الحكمة من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس الثالث من دروس السيرة النبوية: الفترة المكية.
هناك سؤال قد يستغربه البعض: لماذا ينزل الوحي في مكة؟ لماذا تحدث قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية؟ لماذا لم يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم في فارس أو الروم، أو في فلسطين مثل بقية الأنبياء، أو في مصر مثل سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام؟ إخواني! لا توجد نقطة واحدة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشوائية؛ إذ كل شيء بحساب، كل شيء مقصود؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون قدوة لكل المسلمين إلى يوم القيامة، فلابد أن تكون كل خطوة في هذه الشخصية محسوبة تماماً.
كان الوضع في جزيرة العرب هو الوضع المناسب لقيام الدعوة الإسلامية, يتضح ذلك من آثار التجربة الإسلامية الأولى، فقد كانت تجربة ناجحة تماماً، والبيئة التي نشأت فيها الرسالة كانت بيئة صالحة، فقد رأينا الإسلام ينتشر بسرعة في الأرض، ففي غضون سنوات قليلة لا تحسب في التاريخ بشيء وصل الإسلام من أقصى الأرض إلى أقصاها، بل ودخل الناس في دين الله أفواجاً، راغبين غير مكرهين.
إذاً: فنحن نسأل هذا السؤال ونهدف من ورائه لمعرفة المقومات التي أنجحت رسالة الإسلام.
من المعلوم أن الرسالة من الممكن أن تحقق نجاحاً ذاتياً في أي مكان تقوم به؛ لأن الرسالة في ذاتها عظيمة تصلح لكل زمان ومكان، لكن من منظور هذه المجموعة من الدروس نحن نقول: كيف نبني أمة؟ فأول البناء هو وضع الأساس، ونحن نريد أن نعرف لماذا ربنا سبحانه وتعالى اختار هذا المكان بالذات لوضع الأساس لهذا المشروع العظيم، مشروع الإسلام.
ما هي مواصفات هذا المكان؟ ما هي ظروفه؟ ما هي طبيعته؟ لو استطعنا أن نعرف هذه المواصفات لسوف نستخرج قواعد في غاية الأهمية لإعادة بناء الأمة الإسلامية على أساس صحيح، وسوف نعلم ما هي البيئة التي يمكن أن تكون أصلح لنشأة الدعوة الإسلامية، ولنشأة هذا الدين وتمكينه.
أما الحكمة الكامنة وراء ذلك الأمر فلا يعلمها إلا الله عز وجل، لكن نحن نحاول أن نبحث على قدر الاستطاعة، ونسأل الله عز وجل التوفيق.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس الثالث من دروس السيرة النبوية: الفترة المكية.
هناك سؤال قد يستغربه البعض: لماذا ينزل الوحي في مكة؟ لماذا تحدث قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية؟ لماذا لم يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم في فارس أو الروم، أو في فلسطين مثل بقية الأنبياء، أو في مصر مثل سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام؟ إخواني! لا توجد نقطة واحدة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشوائية؛ إذ كل شيء بحساب، كل شيء مقصود؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون قدوة لكل المسلمين إلى يوم القيامة، فلابد أن تكون كل خطوة في هذه الشخصية محسوبة تماماً.
كان الوضع في جزيرة العرب هو الوضع المناسب لقيام الدعوة الإسلامية, يتضح ذلك من آثار التجربة الإسلامية الأولى، فقد كانت تجربة ناجحة تماماً، والبيئة التي نشأت فيها الرسالة كانت بيئة صالحة، فقد رأينا الإسلام ينتشر بسرعة في الأرض، ففي غضون سنوات قليلة لا تحسب في التاريخ بشيء وصل الإسلام من أقصى الأرض إلى أقصاها، بل ودخل الناس في دين الله أفواجاً، راغبين غير مكرهين.
إذاً: فنحن نسأل هذا السؤال ونهدف من ورائه لمعرفة المقومات التي أنجحت رسالة الإسلام.
من المعلوم أن الرسالة من الممكن أن تحقق نجاحاً ذاتياً في أي مكان تقوم به؛ لأن الرسالة في ذاتها عظيمة تصلح لكل زمان ومكان، لكن من منظور هذه المجموعة من الدروس نحن نقول: كيف نبني أمة؟ فأول البناء هو وضع الأساس، ونحن نريد أن نعرف لماذا ربنا سبحانه وتعالى اختار هذا المكان بالذات لوضع الأساس لهذا المشروع العظيم، مشروع الإسلام.
ما هي مواصفات هذا المكان؟ ما هي ظروفه؟ ما هي طبيعته؟ لو استطعنا أن نعرف هذه المواصفات لسوف نستخرج قواعد في غاية الأهمية لإعادة بناء الأمة الإسلامية على أساس صحيح، وسوف نعلم ما هي البيئة التي يمكن أن تكون أصلح لنشأة الدعوة الإسلامية، ولنشأة هذا الدين وتمكينه.
أما الحكمة الكامنة وراء ذلك الأمر فلا يعلمها إلا الله عز وجل، لكن نحن نحاول أن نبحث على قدر الاستطاعة، ونسأل الله عز وجل التوفيق.
المحافظة على نقاء الرسالة ووحدة المصدر
أول حكمة تتبدى في ذلك الأمر: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ ثقافي يذكر، ولا فلسفات سابقة، أو تشريعات مركبة، أو قوانين مفصلة، بل حياة بسيطة إلى أبعد درجات البساطة، الحضارات المعاصرة لها كانت لها أفكار مرتبة وفلسفات خاصة وتاريخ طويل، فالدولة الرومانية الغربية والشرقية كانت فيها قوانين كثيرة، وتشريعات في معظم المجالات، وكان بها ظلم وقهر وبطش.
فاليونان كانت جزءاً من الدولة الرومانية الشرقية، وكانت فيها فلسفات كثيرة قوية، وظهر فيها فلاسفة كبار، أمثال: أرسطو وأفلاطون وسقراط وغيرهم.
والدولة الفارسية ظهر فيها مزدك صاحب الشيوعية وزواج المحارم، وظهر فيها زرادشت صاحب النار.
والهند كان فيها حكماء كثيرون جداً كما يقال.
والصين ظهر فيها بوذا وكونفوشيوس ولاوتسو.
ومصر كان فيها الفراعنة وتاريخهم طويل وقديم وقوي، وعندهم أيضاً قوانين وتشريعات وأحكام، ومع كل هذا نزلت الرسالة في مكان يعتبر تقريباً بلا تاريخ ثقافي، اللهم الشعر، لكن حتى الشعر لم يكن له دور فعال في بناء الأمة الإسلامية، ولم يكن ذا أهمية خاصة في إنشاء الأمة الإسلامية على الأقل في البداية، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف نظم الشعر على بلاغته وفصاحته صلى الله عليه وسلم، وقد كان أبلغ البشر أجمعين، ومع ذلك لم يكن يقول الشعر، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] يعني: لا يصح أن يقول شعراً، وما ينبغي له ذلك؛ لئلا يختلط على الناس الأمر، ويعتقد الناس أن القرآن نوع جديد من الشعر ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل أراد ألا يختلط القرآن بأي شيء من كلام البشر، حتى لو كان من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كل هذا من أجل نقاء الرسالة، وحتى لا تختلط بأفكار سابقة، ثم يقال: إن الإسلام مجرد تطور للمعتقدات السابقة.
فـ كونفوشيوس أو بوذا أو سقراط أو غيرهم من الفلاسفة لهم معتقدات معينة، وقواعد خاصة وضعوها منذ مئات السنين، بعضها قد يحض على معنى معين حض عليه الإسلام أيضاً، ولكن سيكون بشيء من الاختلاف أو التغيير، فقد يحض بعضهم مثلاً على الصدق، أو الزهد في الدنيا، أو الأمانة، فإذا جاءت هذه الأفكار في الإسلام قد يعتقد البعض أنها مجرد تطور لأفكار سقراط أو بوذا أو غيرهما، وهذا ما قاله بعض المتطاولين على الإسلام، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعيداً عن هؤلاء الفلاسفة، وما كان يقرأ صلى الله عليه وسلم، فما بالكم لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم نشأ في بيئة مليئة بالفلاسفة وبالثقافات القديمة، ماذا سيقال عنه؟ ثم أيضاً قد تتسرب بعض هذه الأفكار إلى الإسلام دون دراية المسلمين بذلك، فقليلاً قليلاً يختلط الصواب بالخطأ، ويختلط الحق بالباطل، فإن قواعد الجاهلية التي كانت مترسخة في الناس أخذت مجهوداً ضخماً من الإسلام؛ لكي يلغيها من أذهان الناس، فمثلاً: عادة التبني، لكي يلغيها الإسلام حصلت القصة المشهورة من طلاق زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه للسيدة زينب بنت جحش، ثم زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها.
كل هذا أحدث هزة كبيرة جداً في المجتمع المسلم، والناس كلها تنتبه إلى أن هذه العادة ليست من الإسلام.
وتخيل لو أن هذا البلد مليء بتشريعات وقوانين وفلسفات، كيف سيصبح الوضع؟ فربنا سبحانه وتعالى يريد للرسالة أن تكون نقية تماماً، ليس فيها أي خلط بأي أفكار أخرى، وربما من أجل هذا أيضاً ما نزلت الرسالة في فلسطين، فلو نزلت فيها الرسالة فستبقى مجرد امتداد لليهودية أو النصرانية، نعم، أصول التوحيد واحدة، لكن الإسلام أتى بتشريع كامل متكامل يحكم الدنيا والدين.
إن الله سبحانه وتعالى أراد للرسالة الخاتمة أن تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة؛ حتى لا يدعي بعض المدعين على الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أخذ التوراة والإنجيل وحرف فيهما قليلاً، واستخرج منهما الإسلام، ادعى أهل مكة أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتلقى هذه الآيات من غلام نصراني، فكيف لو نزلت الرسالة في بلد مملوء بأهل التوراة والإنجيل مثل فلسطين؟ لذلك نزلت هذه الرسالة في مكان ليست فيه بالفعل أي نوع من الثقافات السابقة أو القوانين أو التشريعات، كل هذا من أجل أن يبقى الدين في النهاية نقياً خالصاً: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3].
ونحن رأينا بأعيننا بعد ذلك آثار اختلاط الإسلام بالأفكار الغريبة عنه، ومدى الخطورة على الإسلام لو أدخلنا عليه أي أفكار، حتى ولو كانت من أفكار الفلاسفة وكبار الحكماء كما يقولون.
مثال ذلك: دخول المناهج الفلسفية اليونانية إلى الإسلام، عندما ترجمت
أول حكمة تتبدى في ذلك الأمر: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ ثقافي يذكر، ولا فلسفات سابقة، أو تشريعات مركبة، أو قوانين مفصلة، بل حياة بسيطة إلى أبعد درجات البساطة، الحضارات المعاصرة لها كانت لها أفكار مرتبة وفلسفات خاصة وتاريخ طويل، فالدولة الرومانية الغربية والشرقية كانت فيها قوانين كثيرة، وتشريعات في معظم المجالات، وكان بها ظلم وقهر وبطش.
فاليونان كانت جزءاً من الدولة الرومانية الشرقية، وكانت فيها فلسفات كثيرة قوية، وظهر فيها فلاسفة كبار، أمثال: أرسطو وأفلاطون وسقراط وغيرهم.
والدولة الفارسية ظهر فيها مزدك صاحب الشيوعية وزواج المحارم، وظهر فيها زرادشت صاحب النار.
والهند كان فيها حكماء كثيرون جداً كما يقال.
والصين ظهر فيها بوذا وكونفوشيوس ولاوتسو.
ومصر كان فيها الفراعنة وتاريخهم طويل وقديم وقوي، وعندهم أيضاً قوانين وتشريعات وأحكام، ومع كل هذا نزلت الرسالة في مكان يعتبر تقريباً بلا تاريخ ثقافي، اللهم الشعر، لكن حتى الشعر لم يكن له دور فعال في بناء الأمة الإسلامية، ولم يكن ذا أهمية خاصة في إنشاء الأمة الإسلامية على الأقل في البداية، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف نظم الشعر على بلاغته وفصاحته صلى الله عليه وسلم، وقد كان أبلغ البشر أجمعين، ومع ذلك لم يكن يقول الشعر، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] يعني: لا يصح أن يقول شعراً، وما ينبغي له ذلك؛ لئلا يختلط على الناس الأمر، ويعتقد الناس أن القرآن نوع جديد من الشعر ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل أراد ألا يختلط القرآن بأي شيء من كلام البشر، حتى لو كان من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كل هذا من أجل نقاء الرسالة، وحتى لا تختلط بأفكار سابقة، ثم يقال: إن الإسلام مجرد تطور للمعتقدات السابقة.
فـ كونفوشيوس أو بوذا أو سقراط أو غيرهم من الفلاسفة لهم معتقدات معينة، وقواعد خاصة وضعوها منذ مئات السنين، بعضها قد يحض على معنى معين حض عليه الإسلام أيضاً، ولكن سيكون بشيء من الاختلاف أو التغيير، فقد يحض بعضهم مثلاً على الصدق، أو الزهد في الدنيا، أو الأمانة، فإذا جاءت هذه الأفكار في الإسلام قد يعتقد البعض أنها مجرد تطور لأفكار سقراط أو بوذا أو غيرهما، وهذا ما قاله بعض المتطاولين على الإسلام، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعيداً عن هؤلاء الفلاسفة، وما كان يقرأ صلى الله عليه وسلم، فما بالكم لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم نشأ في بيئة مليئة بالفلاسفة وبالثقافات القديمة، ماذا سيقال عنه؟ ثم أيضاً قد تتسرب بعض هذه الأفكار إلى الإسلام دون دراية المسلمين بذلك، فقليلاً قليلاً يختلط الصواب بالخطأ، ويختلط الحق بالباطل، فإن قواعد الجاهلية التي كانت مترسخة في الناس أخذت مجهوداً ضخماً من الإسلام؛ لكي يلغيها من أذهان الناس، فمثلاً: عادة التبني، لكي يلغيها الإسلام حصلت القصة المشهورة من طلاق زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه للسيدة زينب بنت جحش، ثم زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها.
كل هذا أحدث هزة كبيرة جداً في المجتمع المسلم، والناس كلها تنتبه إلى أن هذه العادة ليست من الإسلام.
وتخيل لو أن هذا البلد مليء بتشريعات وقوانين وفلسفات، كيف سيصبح الوضع؟ فربنا سبحانه وتعالى يريد للرسالة أن تكون نقية تماماً، ليس فيها أي خلط بأي أفكار أخرى، وربما من أجل هذا أيضاً ما نزلت الرسالة في فلسطين، فلو نزلت فيها الرسالة فستبقى مجرد امتداد لليهودية أو النصرانية، نعم، أصول التوحيد واحدة، لكن الإسلام أتى بتشريع كامل متكامل يحكم الدنيا والدين.
إن الله سبحانه وتعالى أراد للرسالة الخاتمة أن تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة؛ حتى لا يدعي بعض المدعين على الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أخذ التوراة والإنجيل وحرف فيهما قليلاً، واستخرج منهما الإسلام، ادعى أهل مكة أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتلقى هذه الآيات من غلام نصراني، فكيف لو نزلت الرسالة في بلد مملوء بأهل التوراة والإنجيل مثل فلسطين؟ لذلك نزلت هذه الرسالة في مكان ليست فيه بالفعل أي نوع من الثقافات السابقة أو القوانين أو التشريعات، كل هذا من أجل أن يبقى الدين في النهاية نقياً خالصاً: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3].
ونحن رأينا بأعيننا بعد ذلك آثار اختلاط الإسلام بالأفكار الغريبة عنه، ومدى الخطورة على الإسلام لو أدخلنا عليه أي أفكار، حتى ولو كانت من أفكار الفلاسفة وكبار الحكماء كما يقولون.
مثال ذلك: دخول المناهج الفلسفية اليونانية إلى الإسلام، عندما ترجمت
إدراك حقيقة أن النصر بيد الله وأن القلة المؤمنة تغلب الكثرة المشركة
الحكمة الثانية من نزول الرسالة في جزيرة العرب: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ أو واقع عسكري ملموس، لم يكن هناك ما يعرف بالجيوش العربية، بل كانوا قبائل متفرقة متشرذمة، لا يعرفون إلا حرب الإغارات والسطو على بعضهم البعض، وأعدادهم قليلة، وسلاحهم قديم، وخططهم بدائية، فلما جاء الإسلام إلى هذه البقعة من الأرض حصل انقلاب هائل بمعنى الكلمة، إذا بالرجال البدو البسطاء الذين كانوا يعيشون في هذا المكان يصبحون قادة عسكريين على أعلى المستويات، لا مثيل لهم في التاريخ كله، وإذا بالقبائل المتفرقة تكون جيشاً واحداً مترابطاً، وإذا بالبدو الرحل يحاورون ويناورون ويفاوضون، ويفتحون البلاد، ويدعون العباد إلى عبادة رب العباد، اقرءوا تاريخ الفتوح الإسلامية الإعجازية، راجعوا التاريخ من أول نزول آدم وإلى الآن لا تجد لهم نظير، ولا للفتوحات الإسلامية مثيل.
في غضون سنوات قلائل تسقط فارس الدولة الرهيبة العظيمة.
في غضون ثلاث عشرة سنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، تسقط فارس، التي هي إيران والعراق وأوزبكستان وتركمانستان وطاجكستان وكازاخستان وأفغانستان وباكستان، نصف الأرض تقريباً تسقط في ثلاث عشرة سنة على أيدي هؤلاء البدو الرحل.
كذلك في نفس الوقت على الجهة الغربية من العالم تسقط معظم ممتلكات الدولة الرومانية في آسيا وإفريقيا، معجزة عسكرية هائلة بكل المقاييس، من المستحيل أن تكون من فعل البشر! ماذا كان موقف العرب من كسرى فارس قبل الإسلام؟ كان العرب مثل أصغر دولة نامية في الأرض في هذا الوقت بالنسبة لأعظم قوة في الأرض في زمانهم دولة فارس ودولة الروم، والعربي إذا أتى إيوان كسرى يقف على بعد خمسة عشر متراً منه، وكان يعتبر ذلك فخراً أبد الدهر فـ المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وأرضاه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في جاهليته يفخر على غيره بأنه دخل إيوان كسرى، فهذا يشبه عندما تأتي بشاب من دولة نامية ليقابل رئيس دولة عظمى.
وكان الفرس يتصدقون على العرب بالقمح من شدة المجاعات التي كانت تقع في أرض العرب؛ لذا لما ذهبت الجيوش الإسلامية لفتح فارس تعجب كسرى من العرب، كيف أتوا كي يفتحوا بلاده بينما هو يرى أنه من مضيعة الوقت أن يحاربهم؟ وقال: أنا أعرض عليكم عرضاً مغرياً جداً -في نظره-، سأعطي ثوباً لكل جندي ودرهم.
هذا العرض الذي عرضه كسرى فارس على الجيوش الإسلامية، وأما القائد الإسلامي فسيغريه جداً ويعطيه ثوبين ومائة درهم كان هذا الرقم مهولاً جداً، وهذه كانت نظرة كسرى فارس ودولة فارس كلها للعرب، وهذه النظرة كانت واقعية بالنسبة لتاريخ العرب وتاريخ فارس، وتذكروا معي مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه لما جيء به من غزوة أحد ليدفن لم يجدوا ما يغطونه به، فعلاً كان الصحابة بسطاء جداً؛ لذا فإن كسرى فارس يقول: أعطيكم ثوباً لكل جندي، وهو يرى أنه يسترهم به.
وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه لما ذهب ليأتي بخبر القوم في الأحزاب كان عليه ملابس زوجته؛ لأن الجو كان بارداً.
هذا كان وضع الصحابة الذين فتحوا بلاد فارس الرهيبة وبلاد الروم الهائلة.
والعرب لما كشروا عن أنيابهم في الأحزاب بالكاد جمعوا عشرة آلاف، وهذا كان رقماً مهولاً عندهم، فكيف يمكن لهؤلاء أن يفكروا في غزو بلاد فارس، مع علمهم أن جيش فارس لا يقل عن اثنين مليون جندي! فجوة هائلة في التسليح والإعداد! بالإضافة إلى أن الحرب في عقر دار الفارسيين في وسط بلاد الفرس في العراق وإيران وغيرهما من البلاد على بعد مئات الأميال من المدد.
حقاً إنها معجزة عسكرية بكل المقاييس!! أين كان خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح والقعقاع بن عمرو التميمي والبراء بن مالك وأبو موسى الأشعري والزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة والمقداد بن عمرو؟ الكوادر العظام في الإسلام أين كانوا قبل الإسلام؟ أين كان هؤلاء العباقرة العسكريون قبل إسلامهم؟ خالد بن الوليد في أُحد أمام خمسين من الرماة وهو في ثلاثة آلاف لم يحرك ساكناً، لولا خطأ الرماة بترك الجبل فيما بعد وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من فوق الجبل، هذا هو خالد، ما الذي جعله يدخل بلاد فارس بثمانية عشر ألف جندي مسلم ويكسر بهم مائة وعشرين ألفاً ولا يغلب في موقعة؟ كيف ينتصر المسلمون باثنين وثلاثين ألفاً في القادسية على ربع مليون فارسي؟ كيف ينتصر المسلمون بتسعة وثلاثين ألفاً على مائتي ألف رومي في اليرموك؟ كيف فتحوا بلاد الأندلس باثني عشر ألفاً وأمامهم مائة ألف إسباني صليبي في عقر دار الأسبان؟ ألغاز لا يمكن أن تفهم إلا بحقيقة واحدة لا ثاني لها: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ
الحكمة الثانية من نزول الرسالة في جزيرة العرب: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ أو واقع عسكري ملموس، لم يكن هناك ما يعرف بالجيوش العربية، بل كانوا قبائل متفرقة متشرذمة، لا يعرفون إلا حرب الإغارات والسطو على بعضهم البعض، وأعدادهم قليلة، وسلاحهم قديم، وخططهم بدائية، فلما جاء الإسلام إلى هذه البقعة من الأرض حصل انقلاب هائل بمعنى الكلمة، إذا بالرجال البدو البسطاء الذين كانوا يعيشون في هذا المكان يصبحون قادة عسكريين على أعلى المستويات، لا مثيل لهم في التاريخ كله، وإذا بالقبائل المتفرقة تكون جيشاً واحداً مترابطاً، وإذا بالبدو الرحل يحاورون ويناورون ويفاوضون، ويفتحون البلاد، ويدعون العباد إلى عبادة رب العباد، اقرءوا تاريخ الفتوح الإسلامية الإعجازية، راجعوا التاريخ من أول نزول آدم وإلى الآن لا تجد لهم نظير، ولا للفتوحات الإسلامية مثيل.
في غضون سنوات قلائل تسقط فارس الدولة الرهيبة العظيمة.
في غضون ثلاث عشرة سنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، تسقط فارس، التي هي إيران والعراق وأوزبكستان وتركمانستان وطاجكستان وكازاخستان وأفغانستان وباكستان، نصف الأرض تقريباً تسقط في ثلاث عشرة سنة على أيدي هؤلاء البدو الرحل.
كذلك في نفس الوقت على الجهة الغربية من العالم تسقط معظم ممتلكات الدولة الرومانية في آسيا وإفريقيا، معجزة عسكرية هائلة بكل المقاييس، من المستحيل أن تكون من فعل البشر! ماذا كان موقف العرب من كسرى فارس قبل الإسلام؟ كان العرب مثل أصغر دولة نامية في الأرض في هذا الوقت بالنسبة لأعظم قوة في الأرض في زمانهم دولة فارس ودولة الروم، والعربي إذا أتى إيوان كسرى يقف على بعد خمسة عشر متراً منه، وكان يعتبر ذلك فخراً أبد الدهر فـ المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وأرضاه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في جاهليته يفخر على غيره بأنه دخل إيوان كسرى، فهذا يشبه عندما تأتي بشاب من دولة نامية ليقابل رئيس دولة عظمى.
وكان الفرس يتصدقون على العرب بالقمح من شدة المجاعات التي كانت تقع في أرض العرب؛ لذا لما ذهبت الجيوش الإسلامية لفتح فارس تعجب كسرى من العرب، كيف أتوا كي يفتحوا بلاده بينما هو يرى أنه من مضيعة الوقت أن يحاربهم؟ وقال: أنا أعرض عليكم عرضاً مغرياً جداً -في نظره-، سأعطي ثوباً لكل جندي ودرهم.
هذا العرض الذي عرضه كسرى فارس على الجيوش الإسلامية، وأما القائد الإسلامي فسيغريه جداً ويعطيه ثوبين ومائة درهم كان هذا الرقم مهولاً جداً، وهذه كانت نظرة كسرى فارس ودولة فارس كلها للعرب، وهذه النظرة كانت واقعية بالنسبة لتاريخ العرب وتاريخ فارس، وتذكروا معي مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه لما جيء به من غزوة أحد ليدفن لم يجدوا ما يغطونه به، فعلاً كان الصحابة بسطاء جداً؛ لذا فإن كسرى فارس يقول: أعطيكم ثوباً لكل جندي، وهو يرى أنه يسترهم به.
وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه لما ذهب ليأتي بخبر القوم في الأحزاب كان عليه ملابس زوجته؛ لأن الجو كان بارداً.
هذا كان وضع الصحابة الذين فتحوا بلاد فارس الرهيبة وبلاد الروم الهائلة.
والعرب لما كشروا عن أنيابهم في الأحزاب بالكاد جمعوا عشرة آلاف، وهذا كان رقماً مهولاً عندهم، فكيف يمكن لهؤلاء أن يفكروا في غزو بلاد فارس، مع علمهم أن جيش فارس لا يقل عن اثنين مليون جندي! فجوة هائلة في التسليح والإعداد! بالإضافة إلى أن الحرب في عقر دار الفارسيين في وسط بلاد الفرس في العراق وإيران وغيرهما من البلاد على بعد مئات الأميال من المدد.
حقاً إنها معجزة عسكرية بكل المقاييس!! أين كان خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح والقعقاع بن عمرو التميمي والبراء بن مالك وأبو موسى الأشعري والزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة والمقداد بن عمرو؟ الكوادر العظام في الإسلام أين كانوا قبل الإسلام؟ أين كان هؤلاء العباقرة العسكريون قبل إسلامهم؟ خالد بن الوليد في أُحد أمام خمسين من الرماة وهو في ثلاثة آلاف لم يحرك ساكناً، لولا خطأ الرماة بترك الجبل فيما بعد وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من فوق الجبل، هذا هو خالد، ما الذي جعله يدخل بلاد فارس بثمانية عشر ألف جندي مسلم ويكسر بهم مائة وعشرين ألفاً ولا يغلب في موقعة؟ كيف ينتصر المسلمون باثنين وثلاثين ألفاً في القادسية على ربع مليون فارسي؟ كيف ينتصر المسلمون بتسعة وثلاثين ألفاً على مائتي ألف رومي في اليرموك؟ كيف فتحوا بلاد الأندلس باثني عشر ألفاً وأمامهم مائة ألف إسباني صليبي في عقر دار الأسبان؟ ألغاز لا يمكن أن تفهم إلا بحقيقة واحدة لا ثاني لها: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ
الاستفادة من تعدد موازين القوى وعدم وجود حكم مركزي أو دكتاتوري في مكة
الحكمة الثالثة من وراء نزول الرسالة في أرض مكة وجزيرة العرب: نظام الحكم في أرض مكة.
لم يكن الحكم في مكة حكماً مركزياً، ولم يكن في مكة ثمة حاكم معين، بل مجلس يضم عشرة أشخاص يمثلون عشر قبائل، حكم ائتلافي يشبه الحكم الديمقراطي، وقد أفادت كثرة موازين القوى في مكة الدعوة، ووجدت إضافة إلى ذلك بعض القوانين الوضعية في أرض مكة استفاد منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يتنازل عن شيء من دينه ولا من عقيدته، ليعلمنا أن المسلم الذكي الواعي الفاهم يستطيع أن يستفيد من هذه القوانين طالما يحافظ على دينه.
وهذا يرد على كثير من غير الفاهمين لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقولون: إننا لا نحتكم مطلقاً لقانون وضعي، لكن هذا الكلام ليس بصحيح على إطلاقه، فنحن لا نحتكم إلى قانون وضعي إذا تعارض مع شرع الله عز وجل، ونستفيد مما ليس له تعارض بالشرع.
فقانون الجوار كان في مكة، ولو كان الحكم مركزياً مثل فارس أو الروم ما تمت هذه الإجارة، والرسول عليه الصلاة والسلام استفاد من هذا القانون، ودخل في جوار المطعم بن عدي المشرك؛ لكي يحميه من أهل مكة، ودخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه في جوار ابن الدغنة المشرك، ودخل عثمان بن مظعون رضي الله عنه في جوار الوليد بن المغيرة المشرك.
هكذا استفادوا من قانون الجوار الوضعي في مكة، لكن بدون تفريط في العقيدة أو الدين.
كذلك هناك قانون قبلي أيضاً كان في مكة استفاد منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حماية بني هاشم له، وبالذات في أثناء حياة أبي طالب مع كون معظمهم على الشرك، أبو طالب بالذات كان مشركاً، وبقي إلى آخر لحظة من لحظات حياته مشركاً، ومع ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام قبل حمايته.
كذلك قانون الأحلاف، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بفكرة الأحلاف مع المشركين، إذا كان الحلف يهدف إلى أمر نبيل ولا يتعارض مع الدين الإسلامي، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (شهدت وأنا غلام -أي: قبل البعثة- حلفاً مع عمومتي المطيبين) كان حلفاً بين بني هاشم وبني تيم وزهرة على نصرة المظلوم.
يقول: (فما أحب أن لي به حمر النعم وأني نكثته، ولو دعيت به اليوم في الإسلام لأجبت).
وأكثر من هذا ما كان في صلح الحديبية، فقد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة خزاعة وكانت مشركة.
وكان للمسلمين دولة وكيان معروف وقوي.
ووقع صلى الله عليه وسلم معاهدة مع قريش، وبهذه المعاهدة حالف خزاعة ووضع يده في يدها، وما تنازل عن أي قانون إسلامي أو أي عرف إسلامي، لكنه تعاون مع خزاعة ضد قريش.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم استفاد من تعدد موازين القوى، ومن قوانين المجتمع الوضعية ما دامت لا تتعارض مع الدين والشرع والعقيدة.
وهذه الحكمة ما كانت لتظهر لو نزلت الرسالة في بلد فيه حكم ديكتاتوري مثل: فارس أو الروم أو غيرهما من الممالك الموجودة في ذلك الوقت.
الحكمة الثالثة من وراء نزول الرسالة في أرض مكة وجزيرة العرب: نظام الحكم في أرض مكة.
لم يكن الحكم في مكة حكماً مركزياً، ولم يكن في مكة ثمة حاكم معين، بل مجلس يضم عشرة أشخاص يمثلون عشر قبائل، حكم ائتلافي يشبه الحكم الديمقراطي، وقد أفادت كثرة موازين القوى في مكة الدعوة، ووجدت إضافة إلى ذلك بعض القوانين الوضعية في أرض مكة استفاد منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يتنازل عن شيء من دينه ولا من عقيدته، ليعلمنا أن المسلم الذكي الواعي الفاهم يستطيع أن يستفيد من هذه القوانين طالما يحافظ على دينه.
وهذا يرد على كثير من غير الفاهمين لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقولون: إننا لا نحتكم مطلقاً لقانون وضعي، لكن هذا الكلام ليس بصحيح على إطلاقه، فنحن لا نحتكم إلى قانون وضعي إذا تعارض مع شرع الله عز وجل، ونستفيد مما ليس له تعارض بالشرع.
فقانون الجوار كان في مكة، ولو كان الحكم مركزياً مثل فارس أو الروم ما تمت هذه الإجارة، والرسول عليه الصلاة والسلام استفاد من هذا القانون، ودخل في جوار المطعم بن عدي المشرك؛ لكي يحميه من أهل مكة، ودخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه في جوار ابن الدغنة المشرك، ودخل عثمان بن مظعون رضي الله عنه في جوار الوليد بن المغيرة المشرك.
هكذا استفادوا من قانون الجوار الوضعي في مكة، لكن بدون تفريط في العقيدة أو الدين.
كذلك هناك قانون قبلي أيضاً كان في مكة استفاد منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حماية بني هاشم له، وبالذات في أثناء حياة أبي طالب مع كون معظمهم على الشرك، أبو طالب بالذات كان مشركاً، وبقي إلى آخر لحظة من لحظات حياته مشركاً، ومع ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام قبل حمايته.
كذلك قانون الأحلاف، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بفكرة الأحلاف مع المشركين، إذا كان الحلف يهدف إلى أمر نبيل ولا يتعارض مع الدين الإسلامي، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (شهدت وأنا غلام -أي: قبل البعثة- حلفاً مع عمومتي المطيبين) كان حلفاً بين بني هاشم وبني تيم وزهرة على نصرة المظلوم.
يقول: (فما أحب أن لي به حمر النعم وأني نكثته، ولو دعيت به اليوم في الإسلام لأجبت).
وأكثر من هذا ما كان في صلح الحديبية، فقد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة خزاعة وكانت مشركة.
وكان للمسلمين دولة وكيان معروف وقوي.
ووقع صلى الله عليه وسلم معاهدة مع قريش، وبهذه المعاهدة حالف خزاعة ووضع يده في يدها، وما تنازل عن أي قانون إسلامي أو أي عرف إسلامي، لكنه تعاون مع خزاعة ضد قريش.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم استفاد من تعدد موازين القوى، ومن قوانين المجتمع الوضعية ما دامت لا تتعارض مع الدين والشرع والعقيدة.
وهذه الحكمة ما كانت لتظهر لو نزلت الرسالة في بلد فيه حكم ديكتاتوري مثل: فارس أو الروم أو غيرهما من الممالك الموجودة في ذلك الوقت.
إتقان أهل الجزيرة العربية والدعاة للغة العربية لغة القرآن
الحكمة الرابعة من نزول الرسالة في جزيرة العرب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث اللغة العربية، وهي أشرف اللغات، وبها نزل القرآن الكريم، وهي لغة أهل الجنة، والقرآن كلام الله عز وجل، ولم ينزله الله عز وجل بهذه اللغة لأهل الجزيرة فقط، بل للعالم كله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد زمانه وإلى يوم القيامة.
وقد نزل القرآن بهذه اللغة في وقت كانت فيه لغات كثيرة موجودة في الأرض، واستحدث غيرها من اللغات على مر التاريخ، وستكون لغات أخرى إلى يوم القيامة، ومع ذلك أراد الله عز وجل لهذا القرآن وهذا المنهج أن يكون باللغة العربية؛ لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى.
وهو سبحانه وتعالى يعلم أن اللغة العربية قد تكون أقل انتشاراً من غيرها من اللغات في زمان من الأزمان، مثل زماننا هذا فإن اللغة العربية أقل انتشاراً من الإنجليزية أو الصينية أو الفرنسية، ومع علم الله عز وجل بذلك الأمر إلا أنه أنزل القرآن باللغة العربية، لحكمة كاملة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، وأنا في اعتقادي أن سبب ذلك هو أن اللغة العربية أثرى لغة، فالشيء الواحد له أكثر من اسم في هذه اللغة العظيمة، فلك أن تعبر عنه بعشرات الكلمات، فمثلاً: العسل له ثمانين اسماً، والثعلب له مائتا اسم، والأسد له خمسمائة، والجمل له ألف، والسيف له ألف، والداهية لما توصف واحداً بأنه داهية في أربع أو ثلاث كلمات تفسر معنى الداهية، شيء مهول لا يتخيله عقل، هذه هي اللغة العربية.
وأيضاً الكلمة الواحدة في اللغة العربية تكون بنفس الحروف، إلا أن تغيير حركات التشكيل يعطيها أكثر من معنى، كل هذا أعطى اللغة إمكانيات هائلة، تنزل الآية بكلمات قليلة محدودة ومع ذلك تحمل من المعاني ما يصعب حصره.
كلما نظر المفسر في الآية استخرج منها معاني جديدة مختلفة عن التي استخرجها غيره، قد ينظر المفسر الواحد في الآية أكثر من مرة، وفي كل مرة يخرج بمعنى جديد، وتمر الأزمان والأزمان ثم يأتي مفسرون آخرون ليستخرجوا معاني جديدة.
وصدق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه عندما وصف القرآن بأنه لا يخلق من كثرة الرد، أي: لا يبلى من كثرة الترديد والقراءة.
أيضاً كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت باللغة العربية، وآتاه الله عز وجل جوامع الكلم، كان يقول الحديث في كلمات قليلة جداً، فإذا به يحوي أحكاماً لا تنتهي.
فإذا كان ربنا سبحانه وتعالى اختار أن القرآن ينزل باللغة العربية فيلزم الناس أن يتكلموا العربية، بل ووصلوا فيها إلى أعظم درجات الإعجاز البشري، إتقان عجيب جداً للغة، يتصرفون فيها كما يريدون، وأصبحت ألسنتهم سهلة لينة طيعة بها.
وكان أمر الشعر عند العرب عجيباً، فالمعلقات الهائلة التي كانت تعلق على الكعبة من الشعر، فالشعر يقال في كل الظروف، الفرحان يقول الشعر، والحزين يقول الشعر، ويقال في السلم، وفي الحرب، حتى قبل الموت والسيف على رقبة الشخص وهو يقول الشعر؛ لأنه كان على لسانه مثل الكلام عندنا.
كذلك المعارضة بالشعر تأليف فوري، واحد يقول بيت شعر والثاني يرد عليه ببيت على نفس الوزن والقافية وفي نفس اللحظة، ولا يفكر كثيراً، هذه كانت كفاءتهم بالنسبة للغة العربية.
إذاً: من عوامل نجاح الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية، إتقان أهل هذه البقاع اللغة العربية، لماذا إتقان اللغة العربية كان سبباً في نجاح الدعوة؟ أولاً: كان أدعى لإيمان الناس بكلام الله عز وجل وبإدراك الإعجاز الإلهي في كل آية وفي كل سورة، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:198 - 199].
فالعرب المتقنون للغة أدركوا منذ أول لحظة سمعوا فيها القرآن أن هذا الكلام معجز، لذا لم ينتقدوا آية واحدة من آيات القرآن الكريم، ولم يعارضوا القرآن بمثله أبداً، وما اجتمعوا لكي يعارضوا القرآن الكريم، لم يجتمع شعراؤهم وأدباؤهم وحكماؤهم ليؤلفوا آية واحدة مع تحدي القرآن لهم.
فالقرآن يتحداهم أن يأتوا بسورة أو عشر سور أو بمثل القرآن كله وهم لا يستطيعون، كرجل تقول له: اذهب وخذ هذا البيت، وهو يذهب أصلاً ولا يحاول؛ لأن هذا شيء بالنسبة له معجزة، نعم، أنا قوي وأقدر على أخذ كذا أو كذا أو كذا، لكن ذلك البيت مستحيل، هم كانوا هكذا بالضبط، يعلمون أن القرآن الكريم، وهذه الكلمات والآيات والسور من المستحيل أن تعارض.
فمعرفة العربية كانت أدعى لفهم الإعجاز العجيب في كتاب الله عز وجل.
وهذا الأمر ليس مقصوراً فقط على الإعجاز اللغوي، بل حتى أي نوع من أنواع الإعجاز في القرآن الكريم يحتاج إلى فهم دقيق للغة، بل حتى الإعجاز العلمي الذي نستخرجه من القرآن الكريم لابد له من فقه للغة، ومعرفة معنى الكلمات، ومعنى الآيات، والمقصود من وراء كل كلمة.
ثم أيضاً لابد أن تعلم أن الذي يقرأ ترجمة ا
الحكمة الرابعة من نزول الرسالة في جزيرة العرب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث اللغة العربية، وهي أشرف اللغات، وبها نزل القرآن الكريم، وهي لغة أهل الجنة، والقرآن كلام الله عز وجل، ولم ينزله الله عز وجل بهذه اللغة لأهل الجزيرة فقط، بل للعالم كله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد زمانه وإلى يوم القيامة.
وقد نزل القرآن بهذه اللغة في وقت كانت فيه لغات كثيرة موجودة في الأرض، واستحدث غيرها من اللغات على مر التاريخ، وستكون لغات أخرى إلى يوم القيامة، ومع ذلك أراد الله عز وجل لهذا القرآن وهذا المنهج أن يكون باللغة العربية؛ لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى.
وهو سبحانه وتعالى يعلم أن اللغة العربية قد تكون أقل انتشاراً من غيرها من اللغات في زمان من الأزمان، مثل زماننا هذا فإن اللغة العربية أقل انتشاراً من الإنجليزية أو الصينية أو الفرنسية، ومع علم الله عز وجل بذلك الأمر إلا أنه أنزل القرآن باللغة العربية، لحكمة كاملة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، وأنا في اعتقادي أن سبب ذلك هو أن اللغة العربية أثرى لغة، فالشيء الواحد له أكثر من اسم في هذه اللغة العظيمة، فلك أن تعبر عنه بعشرات الكلمات، فمثلاً: العسل له ثمانين اسماً، والثعلب له مائتا اسم، والأسد له خمسمائة، والجمل له ألف، والسيف له ألف، والداهية لما توصف واحداً بأنه داهية في أربع أو ثلاث كلمات تفسر معنى الداهية، شيء مهول لا يتخيله عقل، هذه هي اللغة العربية.
وأيضاً الكلمة الواحدة في اللغة العربية تكون بنفس الحروف، إلا أن تغيير حركات التشكيل يعطيها أكثر من معنى، كل هذا أعطى اللغة إمكانيات هائلة، تنزل الآية بكلمات قليلة محدودة ومع ذلك تحمل من المعاني ما يصعب حصره.
كلما نظر المفسر في الآية استخرج منها معاني جديدة مختلفة عن التي استخرجها غيره، قد ينظر المفسر الواحد في الآية أكثر من مرة، وفي كل مرة يخرج بمعنى جديد، وتمر الأزمان والأزمان ثم يأتي مفسرون آخرون ليستخرجوا معاني جديدة.
وصدق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه عندما وصف القرآن بأنه لا يخلق من كثرة الرد، أي: لا يبلى من كثرة الترديد والقراءة.
أيضاً كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت باللغة العربية، وآتاه الله عز وجل جوامع الكلم، كان يقول الحديث في كلمات قليلة جداً، فإذا به يحوي أحكاماً لا تنتهي.
فإذا كان ربنا سبحانه وتعالى اختار أن القرآن ينزل باللغة العربية فيلزم الناس أن يتكلموا العربية، بل ووصلوا فيها إلى أعظم درجات الإعجاز البشري، إتقان عجيب جداً للغة، يتصرفون فيها كما يريدون، وأصبحت ألسنتهم سهلة لينة طيعة بها.
وكان أمر الشعر عند العرب عجيباً، فالمعلقات الهائلة التي كانت تعلق على الكعبة من الشعر، فالشعر يقال في كل الظروف، الفرحان يقول الشعر، والحزين يقول الشعر، ويقال في السلم، وفي الحرب، حتى قبل الموت والسيف على رقبة الشخص وهو يقول الشعر؛ لأنه كان على لسانه مثل الكلام عندنا.
كذلك المعارضة بالشعر تأليف فوري، واحد يقول بيت شعر والثاني يرد عليه ببيت على نفس الوزن والقافية وفي نفس اللحظة، ولا يفكر كثيراً، هذه كانت كفاءتهم بالنسبة للغة العربية.
إذاً: من عوامل نجاح الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية، إتقان أهل هذه البقاع اللغة العربية، لماذا إتقان اللغة العربية كان سبباً في نجاح الدعوة؟ أولاً: كان أدعى لإيمان الناس بكلام الله عز وجل وبإدراك الإعجاز الإلهي في كل آية وفي كل سورة، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:198 - 199].
فالعرب المتقنون للغة أدركوا منذ أول لحظة سمعوا فيها القرآن أن هذا الكلام معجز، لذا لم ينتقدوا آية واحدة من آيات القرآن الكريم، ولم يعارضوا القرآن بمثله أبداً، وما اجتمعوا لكي يعارضوا القرآن الكريم، لم يجتمع شعراؤهم وأدباؤهم وحكماؤهم ليؤلفوا آية واحدة مع تحدي القرآن لهم.
فالقرآن يتحداهم أن يأتوا بسورة أو عشر سور أو بمثل القرآن كله وهم لا يستطيعون، كرجل تقول له: اذهب وخذ هذا البيت، وهو يذهب أصلاً ولا يحاول؛ لأن هذا شيء بالنسبة له معجزة، نعم، أنا قوي وأقدر على أخذ كذا أو كذا أو كذا، لكن ذلك البيت مستحيل، هم كانوا هكذا بالضبط، يعلمون أن القرآن الكريم، وهذه الكلمات والآيات والسور من المستحيل أن تعارض.
فمعرفة العربية كانت أدعى لفهم الإعجاز العجيب في كتاب الله عز وجل.
وهذا الأمر ليس مقصوراً فقط على الإعجاز اللغوي، بل حتى أي نوع من أنواع الإعجاز في القرآن الكريم يحتاج إلى فهم دقيق للغة، بل حتى الإعجاز العلمي الذي نستخرجه من القرآن الكريم لابد له من فقه للغة، ومعرفة معنى الكلمات، ومعنى الآيات، والمقصود من وراء كل كلمة.
ثم أيضاً لابد أن تعلم أن الذي يقرأ ترجمة ا
وجود بقايا من ملة إبراهيم في الجزيرة
الحكمة الخامسة من وراء نزول الرسالة في جزيرة العرب: أن أهل هذه البقعة من الأرض كانوا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، ويعلمون أنه الخالق، ولكنهم حكموا غيرهم في حياتهم، واتخذوهم إليه شفعاء، قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87].
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9].
ويقول: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3].
الذي يؤمن بالله ولكن عنده اضطراب في فهمه وقصور في إدراكه أقرب من الذي يؤمن بإله آخر، أو لا يؤمن بوجود إله أصلاً، ما كان في وقت البعثة النبوية على الأرض من يفقه هذه الحقائق إلا القليل، كان هناك على ظهر الأرض من يعبد النار وبوذا، والمسيح عليه السلام، وبقرة أو شجرة أو فأراً أو إلخ، كما هو واقع في الهند، لكن ربنا سبحانه وتعالى يعلمنا أن ندعو الأقرب فالأقرب، ندعو الذي يؤمن بوجود الله عز وجل قبل الذي ينكر وجوده، ندعو الذي يعظم الله عز وجل قبل الذي لا يعظمه، ندعو الذي يحب الدين ولكن لا يتبعه قبل الذي لا يحبه أصلاً.
ولست ضد دعوة اليهود والنصارى وأهل الأرض أجمعين، بل بالعكس، ولكن نبدأ بالأقرب فالأقرب، يعني: لا تترك جارك في السكن أو العمل أو النادي أو غيره دون دعوة وهو مسلم، وتتجه إلى دعوة غيره من غير المسلمين، لكن لو انتهيت من الدائرة التي حولك انتقل إلى الدائرة التي تليها، ولما تنتقل إلى الدائرة التي تليها ابحث عمن يحبون الإسلام، فهؤلاء أقرب إلى الدعوة من المعادين لدين الله عز وجل.
الحكمة الخامسة من وراء نزول الرسالة في جزيرة العرب: أن أهل هذه البقعة من الأرض كانوا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، ويعلمون أنه الخالق، ولكنهم حكموا غيرهم في حياتهم، واتخذوهم إليه شفعاء، قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87].
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9].
ويقول: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3].
الذي يؤمن بالله ولكن عنده اضطراب في فهمه وقصور في إدراكه أقرب من الذي يؤمن بإله آخر، أو لا يؤمن بوجود إله أصلاً، ما كان في وقت البعثة النبوية على الأرض من يفقه هذه الحقائق إلا القليل، كان هناك على ظهر الأرض من يعبد النار وبوذا، والمسيح عليه السلام، وبقرة أو شجرة أو فأراً أو إلخ، كما هو واقع في الهند، لكن ربنا سبحانه وتعالى يعلمنا أن ندعو الأقرب فالأقرب، ندعو الذي يؤمن بوجود الله عز وجل قبل الذي ينكر وجوده، ندعو الذي يعظم الله عز وجل قبل الذي لا يعظمه، ندعو الذي يحب الدين ولكن لا يتبعه قبل الذي لا يحبه أصلاً.
ولست ضد دعوة اليهود والنصارى وأهل الأرض أجمعين، بل بالعكس، ولكن نبدأ بالأقرب فالأقرب، يعني: لا تترك جارك في السكن أو العمل أو النادي أو غيره دون دعوة وهو مسلم، وتتجه إلى دعوة غيره من غير المسلمين، لكن لو انتهيت من الدائرة التي حولك انتقل إلى الدائرة التي تليها، ولما تنتقل إلى الدائرة التي تليها ابحث عمن يحبون الإسلام، فهؤلاء أقرب إلى الدعوة من المعادين لدين الله عز وجل.
صفات خلقية أهلت العرب لحمل رسالة الإسلام
الحكمة السادسة من نزول الرسالة في جزيرة العرب مع كل ما سبق من أجواء أخلاقية وأمراض اجتماعية في جزيرة العرب إلا أن المجتمع كان يتصف بصفات أصلية في فطرة ساكني هذه المنطقة، تساعد على حمل الدعوة ونشر الإسلام، نعم، كان عندهم ظلم وقهر لكن، كان عندهم صفات جبلوا عليها، وهذه الصفات لا بد أن تكون في كل داعية، ولولا هذه الصفات لما استطاعوا حمل رسالة الإسلام.
من هذه الصفات على سبيل المثال: الصدق، وهي أهم صفة مميزة للداعية، فالرسول صلى الله عليه وسلم أهم صفة كانت مميزة له الصدق، فهو الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وأكثر من ساعد الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، اسمه: الصديق، فصفة الصدق صفة أساسية في الذي يحمل هم هذا الدين.
وتفكر معي ماذا لو أنزلت الرسالة في بيئة من البيئات الكذب منتشر فيها؟ انظروا إلى فعل اليهود والنصارى بدينهم، يقول الله عنهم: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:78] والإسلام يحول الكذاب إلى صادق، لكن ليس بالصورة التي فطر فيها الإنسان على الصدق.
فقد كان العرب يأنفون من الكذب، فيأتي الإسلام بعد ذلك ليحسن ويجمل ويعظم قيمة الصدق عند هؤلاء الصادقين، فيربط الأمر بالجنة، والصديقية عند الله سبحانه وتعالى.
فهذا أبو سفيان لما كان يتحدث مع هرقل عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا بعد صلح الحديبية، وكان لا يزال مشركاً يحارب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك قال أبو سفيان: كنت أنا أقربهم نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال هرقل: أدنوه مني -أي قربوه- ثم قال: قربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن النبي فإن كذبني فكذبوه، وبدأ يسأله ووضع أصحاب أبي سفيان وراءه، قال أبو سفيان: فوالله لولا الحياء أن يؤثروا علي كذباً لكذبت عمداً.
هو يكرهه جداً، لكن يستحي أن يكذب؛ لأنه رذيلة.
وفي لفظ آخر يقول: فوالله لو كذبت ما ردوا علي -لأنه سيد القوم- ولكني كنت امرأً أتكرم عن الكذب.
وكان الحوار الذي دار بينه وبين هرقل حواراً عجيباً، كأنه داعية يتكلم عن الإسلام، ويدعو إليه.
يقول له هرقل: كيف نسبه فيكم؟ يقول: هو فينا ذو نسب.
فيقول له: فهل قال هذا القول منكم أحد قبله قط؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما يقول؟ قلت: لا، قال هرقل: فهل يغدر؟ قلت: لا.
ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال أبو سفيان: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة، يعني: قوله: نحن في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، لاحتمال أن يغدر بنا، لكن هو قال: لم يغدر قبل ذلك، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا -مثل بدر- وننال منه -مثل أحد-.
قال: بماذا يأمركم؟ قال: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة.
لم يكذب، وكل الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في حياته لخصه لـ هرقل؛ لأنه يكره الكذب.
فلما تنزل الرسالة على أناس بهذا التكريم لصفة الصدق سوف يتحركون بالرسالة بأمانة ويقولونها للناس مثلما نزلت عليهم بالضبط.
إذاً: هذه كانت صفة هامة في أهل الجزيرة العربية، ولم تكن موجودة في أهل الأرض في ذلك الزمن.
الصفة الثانية العظيمة في العرب لما نزلت فيهم الرسالة: صفة الكرم، وهي صفة أصيلة في العرب، كان حاتم الطائي يضرب به المثل في الكرم، وكان يعتق العبد إذا جاءه بضيف؛ لأنه يحب الكرم.
ومن العرب من لم تكن له إلا ناقة واحدة فيأتي له ضيف فيذبحها له كرماً منه، لدرجة أن العرب سموا العنب: كرماً؛ لأنهم يصنعون منه الخمر، ولما يشرب الرجل منهم الخمر ينفق بلا حساب، فمن حبهم الكرم سموا الخمر التي تؤدي إلى الإنفاق بدون حساب: كرماً.
فجاء الإسلام ليهذب هذه الصفة النبيلة، فلا يصل الأمر إلى حد الإسراف والسفه، وأيضاً لا يصل إلى حب الخمر؛ لأنها تدفع إلى الكرم، لكن حرم الله عز وجل الخمر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب بالكرم، وقال: (إنما الكرم المؤمن).
تخيل أن الإسلام نزل ليقنن الكرم ويدخله في
الحكمة السادسة من نزول الرسالة في جزيرة العرب مع كل ما سبق من أجواء أخلاقية وأمراض اجتماعية في جزيرة العرب إلا أن المجتمع كان يتصف بصفات أصلية في فطرة ساكني هذه المنطقة، تساعد على حمل الدعوة ونشر الإسلام، نعم، كان عندهم ظلم وقهر لكن، كان عندهم صفات جبلوا عليها، وهذه الصفات لا بد أن تكون في كل داعية، ولولا هذه الصفات لما استطاعوا حمل رسالة الإسلام.
من هذه الصفات على سبيل المثال: الصدق، وهي أهم صفة مميزة للداعية، فالرسول صلى الله عليه وسلم أهم صفة كانت مميزة له الصدق، فهو الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وأكثر من ساعد الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، اسمه: الصديق، فصفة الصدق صفة أساسية في الذي يحمل هم هذا الدين.
وتفكر معي ماذا لو أنزلت الرسالة في بيئة من البيئات الكذب منتشر فيها؟ انظروا إلى فعل اليهود والنصارى بدينهم، يقول الله عنهم: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:78] والإسلام يحول الكذاب إلى صادق، لكن ليس بالصورة التي فطر فيها الإنسان على الصدق.
فقد كان العرب يأنفون من الكذب، فيأتي الإسلام بعد ذلك ليحسن ويجمل ويعظم قيمة الصدق عند هؤلاء الصادقين، فيربط الأمر بالجنة، والصديقية عند الله سبحانه وتعالى.
فهذا أبو سفيان لما كان يتحدث مع هرقل عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا بعد صلح الحديبية، وكان لا يزال مشركاً يحارب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك قال أبو سفيان: كنت أنا أقربهم نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال هرقل: أدنوه مني -أي قربوه- ثم قال: قربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن النبي فإن كذبني فكذبوه، وبدأ يسأله ووضع أصحاب أبي سفيان وراءه، قال أبو سفيان: فوالله لولا الحياء أن يؤثروا علي كذباً لكذبت عمداً.
هو يكرهه جداً، لكن يستحي أن يكذب؛ لأنه رذيلة.
وفي لفظ آخر يقول: فوالله لو كذبت ما ردوا علي -لأنه سيد القوم- ولكني كنت امرأً أتكرم عن الكذب.
وكان الحوار الذي دار بينه وبين هرقل حواراً عجيباً، كأنه داعية يتكلم عن الإسلام، ويدعو إليه.
يقول له هرقل: كيف نسبه فيكم؟ يقول: هو فينا ذو نسب.
فيقول له: فهل قال هذا القول منكم أحد قبله قط؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما يقول؟ قلت: لا، قال هرقل: فهل يغدر؟ قلت: لا.
ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال أبو سفيان: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة، يعني: قوله: نحن في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، لاحتمال أن يغدر بنا، لكن هو قال: لم يغدر قبل ذلك، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا -مثل بدر- وننال منه -مثل أحد-.
قال: بماذا يأمركم؟ قال: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة.
لم يكذب، وكل الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في حياته لخصه لـ هرقل؛ لأنه يكره الكذب.
فلما تنزل الرسالة على أناس بهذا التكريم لصفة الصدق سوف يتحركون بالرسالة بأمانة ويقولونها للناس مثلما نزلت عليهم بالضبط.
إذاً: هذه كانت صفة هامة في أهل الجزيرة العربية، ولم تكن موجودة في أهل الأرض في ذلك الزمن.
الصفة الثانية العظيمة في العرب لما نزلت فيهم الرسالة: صفة الكرم، وهي صفة أصيلة في العرب، كان حاتم الطائي يضرب به المثل في الكرم، وكان يعتق العبد إذا جاءه بضيف؛ لأنه يحب الكرم.
ومن العرب من لم تكن له إلا ناقة واحدة فيأتي له ضيف فيذبحها له كرماً منه، لدرجة أن العرب سموا العنب: كرماً؛ لأنهم يصنعون منه الخمر، ولما يشرب الرجل منهم الخمر ينفق بلا حساب، فمن حبهم الكرم سموا الخمر التي تؤدي إلى الإنفاق بدون حساب: كرماً.
فجاء الإسلام ليهذب هذه الصفة النبيلة، فلا يصل الأمر إلى حد الإسراف والسفه، وأيضاً لا يصل إلى حب الخمر؛ لأنها تدفع إلى الكرم، لكن حرم الله عز وجل الخمر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب بالكرم، وقال: (إنما الكرم المؤمن).
تخيل أن الإسلام نزل ليقنن الكرم ويدخله في
(التدوينة القادمة بدء الوحى )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق