لطفي السيد وأُكذوبة أستاذ الجيل
هو أستاذ الجيل المُسْتَعَبد للغرب، المعلن عداوته للثقافة الإسلامية
واللغة العربية .. هو أستاذ التغريبيين وسار معه في فلكه زميله ورفيق عمره
عبدالعزيز فهمي، وزوج أخته إسماعيل مظهر ثم صديقه الحميم طه حسين ..
ولذا لم يكن غريبًا عليَّ أن أقرأ أن عبد الناصر فكر في إسناد رئاسة جمهورية مصر إليه بعد قيام الثورة!!
ولعل تسليط شيء من: الضوء على حياة لطفي السيد -أستاذ الجيل كما سموه ومحور هذه الدعوى- يعطينا لمحة عن دوافع الفكرة وأهدافها:
كان لطفي السيد من أخلص تلاميذ محمد عبده له وأتيحت له الفرصة أكثر من شيخه إذ عاش بعده ما يزيد على أربعين سنة أي أنه عمر أكثر من تسعين عامًا.
ولذا لم يكن غريبًا عليَّ أن أقرأ أن عبد الناصر فكر في إسناد رئاسة جمهورية مصر إليه بعد قيام الثورة!!
ولعل تسليط شيء من: الضوء على حياة لطفي السيد -أستاذ الجيل كما سموه ومحور هذه الدعوى- يعطينا لمحة عن دوافع الفكرة وأهدافها:
كان لطفي السيد من أخلص تلاميذ محمد عبده له وأتيحت له الفرصة أكثر من شيخه إذ عاش بعده ما يزيد على أربعين سنة أي أنه عمر أكثر من تسعين عامًا.
وأهم مناصبه الثقافية توليه لإدارة الجامعة المصرية عند تأسيسها، ثم توليه لوزارة المعارف آخر عمره.
ْأما أعماله السياسية فقد كان أحد زعماء حزب الأمة باعتباره رئيس تحرير "الجريدة" صحيفة الحزب واشتهر بعداوته لفكرة الجامعة الإسلامية ورفعه شعار مصر للمصريين وشعار "سياسة المنافع لا سياسة العواطف"
ْأما أعماله السياسية فقد كان أحد زعماء حزب الأمة باعتباره رئيس تحرير "الجريدة" صحيفة الحزب واشتهر بعداوته لفكرة الجامعة الإسلامية ورفعه شعار مصر للمصريين وشعار "سياسة المنافع لا سياسة العواطف"
ولا يستطيع الكاتبون عن حياته أن يخفوا أنه فاوض "كِتْشْنَر" ثم "جراهام"
على أن تنفصل مصر عن تركيا وتصبح دولة مستقلة يحكمها الخديوي تحت وصاية
بريطانية
. أما فكره فكان متأثرًا جدًّا بداروين ومل وروسو وأضرابهم من الغربيين
وكان مع كل ناعق من دعاة التفرنج والعصرية فقد "حظيت دعوة قاسم أمين لتحرير
المرأة من تأييد لطفي السيد بما لم تحظ بها من كاتب أو صحفي آخر"
وعندما أصدرت الحكومة قرارًا بنقل صديقه وشريك دعوته طه حسين من الجامعة
-بسبب الضجة التي ثارت حوله- لم يسع لطفي السيد إلا أن يقدم استقالته من
منصب وزير المعارف احتجاجًا على ذلك
ومع زعمه أن الفصحى معقدة وقديمة نراه يمضي ربع قرن من حياته في ترجمة كتب أرسطو .
وقد ذكر مؤرخ حياته حسين فوزي النجار بعض الحوادث التي تدل - كما يرى- على أنه كان لا يؤمن بالغيبيات والقوى الخفية
وقد ذكر مؤرخ حياته حسين فوزي النجار بعض الحوادث التي تدل - كما يرى- على أنه كان لا يؤمن بالغيبيات والقوى الخفية
وقد عطل لطفي السيد لتأخر مصر وتقدم الغرب بأن مصر تستعمل لغتين لغة
للثقافة وأُخرى للتخاطب، والحل الذي رآه وقدم له الاقتراحات الكثيرة هو
النزول بالفصحى إلى مستوى العامية حتى يتم مع الزمن توحيد اللغتين في لغة
واحدة -هي بالطبع- "العامية"
أما زميله الأول عبد العزيز فهمي فقد كان أكثر جرأة منه حين دعا إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية وهي الدعوة التي ولدت -لحسن الحظ- ميتة! ..
وأما صديقه طه حسين فقد كانت دعوته للعامية صدى واضحًا لكتابات المستشرقين. وكذلك آراؤه في الشعر الجاهلي، ورحم الله الرافعي فقد فضح هذه الدعوى وعرّى كاتبها
لقد كان كل دعاة العامية أناسًا مشبوهين وصلتهم بالدوائر الاستعمارية واضحة
وذلك ما يؤكد أنها كانت جزءًا من المخطط اليهودي الصليبي للقضاء على
الإسلام، بل إنه من المؤكد أن الدعوة العامية إنما ظهرت أصلاً من أفكار
المستعمرين وفي أحضان المبشرين يتضح ذلك من أسماء دعاتها الأوائل أمثال
(بوريان وماسبيرو)
وجدير بالذكر أن الذي خلف عبد العزيز فهمي في المجمع اللغوي هو توفيق الحكيم الذي دعا إلى قاعدة "سكّن تسلم" (5)! وليس لمثل هذه الدعوى ثمرة حنظل إلا أن تفتح كليات اللغة العربية والأداب في البلاد
العربية الباب لما أسموه "التراث أو الأدب الشعبي" وأن تحضر فيه رسائل
جامعية عليا. على أن الفكرة لم تقتصر على مصر.
* اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية من الغرب:
الأمر على مناهج كرومر ودنلوب، فقد كان أذيال الفكر الغربي لا يقلون عنهما رغبة في صبغ مصر والعالم الإسلامي بالصبغة اللادينية الغربية.
وقد كان من أهداف أعداء الإسلام ما أوصى به مؤتمر القاهرة التبشيري المنعقد سنة 1906 من وجوب إنشاء جامعة علمانية على نمط الجامعة الفرنسية لمناهضة الأزهر والذي قالوا: أنه "يتهدد كنيسة المسيح بالخطر"!.
الأمر على مناهج كرومر ودنلوب، فقد كان أذيال الفكر الغربي لا يقلون عنهما رغبة في صبغ مصر والعالم الإسلامي بالصبغة اللادينية الغربية.
وقد كان من أهداف أعداء الإسلام ما أوصى به مؤتمر القاهرة التبشيري المنعقد سنة 1906 من وجوب إنشاء جامعة علمانية على نمط الجامعة الفرنسية لمناهضة الأزهر والذي قالوا: أنه "يتهدد كنيسة المسيح بالخطر"!.
وقد قام الأذيال بتنفيذ المهمة إذ أنه بعد انتهاء المؤتمر بسنتين تقريبًا
أسس سعد زغلول وأحمد لطفي السيد وزملاؤهم الجامعة المصرية، وكان النص الأول
من شروط إنشائها هو: ألا تختص بجنس أو دين بل تكون لجميع سكان مصر على
اختلاف جنسياتهم وأديانهم فتكون واسطة للألفة بينهم" وهذا الشرط الجائر -في جامعة تقوم في بلد مسلم وعلى نفقات شعب مسلم- انعكست
آثاره على مناهج التعليم في الجامعة، فلم يكن من بينها شيء من علوم
الإسلام احترامًا لمشاعر القلة غير المسلمة، وهكذا كان التعليم الجامعي
الحديث علمانيًّا من البداية، وكان نتاجه تلك الجموع المستَعبَدة للغرب
فكرًا وسلوكًا، النافرة من دين آبائها وأجدادها.
ولم يكن الأمر مقصورًا على المناهج بل تعدّاها إلى أسلوب التربية وفلسفة السلوك فقد طبق لطفي السيد الاختلاط بين الذكور والإناث في
الجامعة المصرية التي كانت مركزًا لأنصار دعوة قاسم أمين المريبة، واستطاع لطفي السيد أن يتحدى الرأي الإسلامي بقوة واقتدار، معلنًا ذلك للملأ بقوله بالنص: "ويتصل بخطأ الجماهير في فهم رسالة الجامعة وهي مسألة كانت قليلة الأنصار في الرأي العام. وفي هذا المقام يسرني أن أؤكد لكم أني لم أتعرض إلى جزئية من الجزئيات تجلعني أندم ولو وقتيًّا على ما شرعته الجامعة من هذه الخطة من غير أن تستفتي الرأي العام"
كما أدخل التقاليد الغربية المنافية للإسلام في صلب النظام الجامعي،. إذ شيدت في إطاره معاهد التمثيل والنحت والموسيقى، كيف لا وقد قال قاسم أمين صديق لطفي السيد في كتابه "كلمات": "لعل أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة: التمثيل والتصوير والموسيقى" والمؤسف ما أثبته العقاد من أن دراسة الفنون الجميلة من بنات أفكار محمد عبده"
ولم يكن الأمر مقصورًا على المناهج بل تعدّاها إلى أسلوب التربية وفلسفة السلوك فقد طبق لطفي السيد الاختلاط بين الذكور والإناث في
الجامعة المصرية التي كانت مركزًا لأنصار دعوة قاسم أمين المريبة، واستطاع لطفي السيد أن يتحدى الرأي الإسلامي بقوة واقتدار، معلنًا ذلك للملأ بقوله بالنص: "ويتصل بخطأ الجماهير في فهم رسالة الجامعة وهي مسألة كانت قليلة الأنصار في الرأي العام. وفي هذا المقام يسرني أن أؤكد لكم أني لم أتعرض إلى جزئية من الجزئيات تجلعني أندم ولو وقتيًّا على ما شرعته الجامعة من هذه الخطة من غير أن تستفتي الرأي العام"
كما أدخل التقاليد الغربية المنافية للإسلام في صلب النظام الجامعي،. إذ شيدت في إطاره معاهد التمثيل والنحت والموسيقى، كيف لا وقد قال قاسم أمين صديق لطفي السيد في كتابه "كلمات": "لعل أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة: التمثيل والتصوير والموسيقى" والمؤسف ما أثبته العقاد من أن دراسة الفنون الجميلة من بنات أفكار محمد عبده"
ً * أنور الجندي يُعَرّي أستاذ الجيل المزيَّف:
قال -رحمه الله- تحت عنوان: "لطفي السيد .. وأكذوبة أستاذ الجيل"
خلفت لنا فترة التبعية للغرب مُسَلَّمات خطيرة وكلمات دخيلة وحاولت سُحُب
كثيرة من سُحُب الغزو الفكري والتغريب أن ترسم صورة خادعة لبعض الشخصيات
وكان أخطر ما أطلق في هذه الفترة كلمة عميد الأدب على الدكتور طه حسين وأستاذ الجيل علَى لطفي السيد فإلى أي مدى كان هذا
اللقب صحيحًا بالنسبة لمنشئ حزب الأمة ومترجم أرسطو والخصم الأول للعروبة
وللوحدة الإسلامية جميعًا.
وفي الحق إن اسم لطفي السيد لمع لمعانًا شديدًا وخُدع به كثيرون وكان لامتداد العمر وتغير الأوضاع واقتناص بعض الفرص التي جاءت بها الظروف عاملاً من عوامل القداسة التي منيت بها مثل هذه الشخصيات بالرغم من فساد جوهرها.
وليس علينا أن نصدر حكمًا جازمًا على شخصية ما، يسلم به الجميع ولكن علينا أن نلقي الأضواء الكاشفة على مثل هذه الشخصية من واقع التاريخ وبالوثائق الثابتة ثم ندع القارئ ليحكم هو: هل كان لطفي السيد حقيقة أستاذ الجيل وأي جيل:
أولاً: الدعوة إلى قصر التعليم على أبناء الأعيان باعتبار أنهم وحدهم الذين سيتولون الحكم ومقاومة تعليم سواد الأمة ومعارضة الاتجاه إلى المجانية وذلك حتى يمكن المحافظة على وجود طبقة معينة تتولى حكم البلاد دون أن يتاح ذلك لباقي أفراد الشعب.
وقد رد عليه مصطفى كامل صاحب اللواء رئيس الحزب الوطني ولخص آراءه وكشف عن فسادها.
ثانياً: الدعوة إلى العامية: وقد سار في هذا التيار مؤيدًا الخطوات التي كان قد قطعها المستشرقون والمبشرون (مولار - وبلكوكس) وكان أبرز ما دعا إليه إبطال الشكل وتغييره بالحروف اللينة وتسكين أواخر الكلمات وإحياء الكلمات العامية والمتداولة وإدخالها في صلب اللغة الفصحى والنزول باللغة المكتوبة إلي ميدان التخاطب العامي وكانت وجهة دعوته: تمصير العربية بإحياء العامية (مقالاته في الجريدة خلال شهري أبريل ومايو 1913). وقد رد عليه عبد الرحمن البرقوقي ومصطفى صادق الرافعي بما يكشف زيف هذا الاتجاه.
ثالثًا: مقاومة التضامن العربي الإسلامي وقد عارض مساعدة المصريين لجيرانهم في طرابلس الغرب أثناء الغزو الإيطالي الاستعماري عام 1911 وكتب في هذا المعنى تحت عنوان "سياسة المنافع، لا سياسة العواطف" مقالات متعددة دعا فيها المصريين إلى التزام الحياد المطلق في هذه الحرب الإيطالية التركية وإلى الضمن بأموالهم أن تبعثر في سبيل أمر لا يفيد بلادهم وقد أثارت هذه المقالات على لطفي السيد عاصفة بل وطعنًا جارحًا على حد تعبير تلميذه الدكتور محمد حسين هيكل في مذكراته.
رابعًا: أيد وجهة النظر البريطانية الاستعمارية في التعاون مع الجاليات المسيطرة المحلية ودعا إلى أن تملك هذه الجاليات في الأراضي المصرية فيكون لها الحق في التملك والسيطرة على البنوك والتجارة وغيرها.
خامسًا: مجد اللورد كرومر: الحاكم البريطاني الذي أذل المصريين لمدة ربع قرن مسيطرًا على سياسة البلاد وساحقًا لكرامتها ومغتصبًا لثروتها وحياتها وحيّاه يوم خروجه من البلاد تحية الأبطال وقال عنه:
"أمامنا الآن رجل من أعظم عظماء الرجال ويندر أن نجد في تاريخ عصرنا ندًا له يضارعه في عظائم الأعمال: هو اللورد كرومر، وقال: لو بقي اللورد كرومر عامًا واحدًا في منصبه لعد عيده الذهبي في خدمة دولته، نشر هذا في الجريدة في نفس اليوم الذي ألقى فيه كرومر خطاب الوداع فسب المصريين جميعًا وقال لهم أن الاحتلال البريطاني باقٍ إلى الأبد.
سادسًا: رسم لطفي السيد خلال عمله في الجريدة (1907 - 1914) منهجًا للحياة الأجتماعية والسياسية والتربوية والاقتصادية يقوم على التبعية العامة للنفوذ الأجنبي والاحتلال البريطاني والفكر الغربي تحت اسم عبارة ماكرة خادعة هي (مصر للمصريين) وقاوم بهذا الفكر ذلك الأتجاه الأصيل الذي كان يحمل لواء دعاة الوطنية الصادقة والفكر الإسلامي النير وكون مدرسة تحقق لها بعد الحرب العالمية الأولى السيطرة على مقدرات الأمور بعد أن أقصى رجال الوطنية الحقة.
سابعًا: تبين أن مترجمات لطفي السيد عن أرسطو (التي ترجمت من الفرنسية) "السياسة. الكون والفساد. الأخلاق" وهي منسوبة إليه، تبين أنه ليس مترجمها وأن مترجمها الحقيقي هو قسم الترجمة في دار الكتب المصرية وذلك بشهادة عديد من معاصري هذه الفترة.
ومنهم (الأستاذ أحمد عابدين مدير دار الكتب السابق ولا يزال حيًّا يرزق).
ثامنًا: بالرغم من دعوة لطفي السيد العريضة إلى الدستور والحرية فإن الوزارات التي قبل الاشتراك فيها كانت كلها تتسم بطابع واحد فهي جميعًا وزارات انقلاب ضد الدستور والبرلمان والحريات العامة.
يقول الأستاذ فاروق عبد القادر: أن الباحث في لطفي السيد ليس بوسعه أن يتجاهل هذا التناقض كيف للرجل الذي كتب مطالبًا بالدستور مدافعًا عن الحرية أن يشترك في وزارات عبثت بالدستور وصادرت الحرية، كيف يشترك في وزارات طابعها الإرهاب والسطو على الحريات.
تاسعًا: إن حزب الأمة الذي أنشأه لطفي السيد كان بإجماع الآراء صناعة بريطانية أراد بها اللورد كرومر أن يواجه الحركة الوطنية بجموع من الإقطاعيين والثراة والأعيان (الذين وصفهم بأنهم) أصحاب المصالح الحقيقية، وقد كان هدف حزب الأمة والجريدة بقيادة الفيلسوف الأكبر لطفي السيد تقنين الاستعمار والعمل على إيجاد شرعية للاحتلال مع الدعوة إلى المهادنة مع الغاصب وتقبل كل ما يسمح به دون مطالبته بشيء.هذه مجموعة من الخطوط العامة نضعها بين يدي القارئ العربي المثقف دون أن نقدم حكمًا على لطفي السيد وندعه هو أن يصدر هذا الحكم. ولقد تعددت المصادر والأبحاث التي تكشف حقيقة هذا الرجل فليرجع إليها من يشاء وكلها تجمع على أن هذه الدعوة التي حملها لطفي السيد إنما هي خطة دقيقة محكمة من خطط الاستعمار الغربي والنفوذ الأجنبي، فإن اللورد كرومر أراد في إطار عمل مرسوم أن ينشئ في مصر جيلاً جديدًا يسير في ركب الاستعمار معجبًا به مقدرًا له ومحبًا، ولذلك عمل خلال عشرين سنة أو يزيد على صياغة هذا الجيل عن طريق المدرسة وعن طريق الثقافة، وكانت دعوته الملحة الحارة أن بريطانيا ستسلم مصر لأبنائها متى ظهر هذا الجيل الذي يعمل بالتعاون مع الاستعمار، ولفت نظر الشباب المتعلم وهم جميعًا من أبناء الطبقة التي أنشاها النفوذ الاستعماري وسودها وجعلها مركز القيادة السياسية إلى أنهم هم حكام مصر في المستقبل القريب .. وكان حريصًا على أن تتشكل هذه القوة أو هذا الحزب في نفس الوقت الذي كان الاحتلال يضرب القوى الوطنية وأصحاب الأصالة ليقضي عليهم ويفرغ البلاد منهم ويسلمها لهذا الجيل الذي كان من قيادته: لطفي السيد وسعد زغلول وعبد العزيز فهمي وقد تشكل حزب الأمة من مجموعة من أصحاب النفوذ وكبار الباشوات والملاك مثال محمود سليمان وحسين عبد الرازق وحمد الباسل وفخري عبد النور وسليمان أباظة وعبد الرحيم الدمرداش والطرزي وغيرهم وكان رأي هؤلاء أن السلطة الفعلية قد آلت كلها إلى كرومر الذي يمثل سلطة الاحتلال وأن مصالحهم الشخصية تقضي عليهم أن يكونوا على وفاق معهم فألفوا حزبهم بصفة رسمية في 21 سبتمبر 1907 برئاسة محمود سليمان باشا وتولى لطفي السيد قيادة فكرهم وصحيفتهم التي جمعوا لها في ذلك الوقت مبلغ 30 ألف جنيه: وقد ظهرت الجريدة في 9 مارس 1907 تصور الاحتلال على أنه حقيقة واقعة وترى أن عدم الاعتراف بشريعته لا يعني عدم وجوده ولا يقلل من سلطته ونفوذه وكانت ترى أن هؤلاء المحتلين ماضون في طريقهم مستقلون بتصريف الأمور، رضي المصريون بذلك أم كرهوا وأن التخلص من الاحتلال يحتاج إلى قوة لم تتوفر للمصريين وأن دعاة الحركة خياليون ينفقون الوقت فيما لا طائل تحته وأنهم أصحاب خيال وتهريج.
وبذلك استطاع لطفي السيد أن يرسي مفاهيم الإقليمية المصرية الضيقة التي تكره العرب وتكره المسلمين وتعارض كل تقارب وكل صلة بل وتكره الاتصال بالفكر الإسلامي الذي هو أساس الثقافة والتعليم. وقد صور هذا المعنى مستشرق غربي هو ألبرت حوراني حين قال عن لطفي السيد ما يلي: كان يرى أن بريطانيا قوية وأن لها مصالح جوهرية في مصر وأنها هي نفسها قد أعلنت عن بقائها في مصر إلى أن تصبح هذه قادرة على حماية المصالح وإذن لا يمكن إخراجها بالقوة.
وقد أعلنت بريطانيا تجديد احتلالها وخلقت الشعور بأنها باقية إلى الأبد وأن مصلحة مصر تقتضي التعاون معها في أي تدبير تتخذه في سبيل إنماء قوة البلاد وهكذا كان ينفث لطفي السيد سموم التثبيط والاسترخاء في وجه دعاة الوطنية ولا يقف عند هذا الحد بل يتهمهم بأنهم خياليون مغالون في الخيال ويتهم خطتهم بأنها ولاء لتركيا بينما لم يكن مصطفى كامل ومحمد فريد إلا دعاة إلى الحرية والاستقلال والجلاء دون أن يلينوا أي لين لتقبل وعود بريطانيا وكانوا في دعوتهم لا يستهدفون العودة إلى النفوذ التركي العثماني، وإنما كانوا يؤمنون بأن حركة الحرية يجب أن تتم داخل إطار أوسع من الإقليمية ويجب أن تكون في إطار الجامعة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية الأصلية التي كانت بريطانيا عن طريق حزب الأمة تهدف إلى تجريد المصريين منها ودفعهم إلى التبعية في التشريع والتعليم والاقتصاد لتكون مصر خاضعة تمام الخضوع للقانون الوضعي ولمفاهيم الغرب في التعليم والثقافة ولتنقطع الصلة تمامًا بين مصر وبين جيرانها عربًا ومسلمين وبين الفكر والثقافة في مصر وبين الفكر الإسلامي الأصيل المستمد من القرآن والسنة.
ولقد كان لطفي السيد في دعوته هذه ينتقص أهمية الأرضية الإسلامية للفكر والثقافة والتعليم ويغالي في التبعية للفكر الليبرالي الغربي الذي كان في هذه الفترة خصيصًا خصيما للدين والأخلاق.
يقول ألبرت حوراني: "إن الأنطباع القوي الذي تتركه قراءة مقالات لطفي السيد التي نشرها في الجريدة (وهي كل ثروته الفكرية) هو الأندهاش من الدور الصغير الذي لعبه الإسلام في تفكير رجل تتلمذ على (محمد عبده) لا شك أنه كان يشعر بأنه هو ومعظم مواطنيه مسلمون بالوراثة، وأنهم جزء من الأمة، لكن الإسلام لم يكن المبدأ المسيطر على تفكيره فلم يهتم بالدفاع عن الإسلام كالأفغاني، ولا يهتم كمحمد عبده بإعادة الشريعة الإسلامية إلى مركزها كأساس خلقي للمجتمع. وفي هذا يقول: لست ممن يتشبثون بوجوب تعلم دين بعينه أو قاعدة أخلاقية بعينها، ولكني أقول: بأن التعليم العام يجب أن يكون له مبدأ من المبادئ يتمشى عليه المتعلم من صغره إلى كبره، هذا المبدأ هو مبدأ الخير والشر.
وهكذا ترى أن مفهومه للأخلاق والدين مستمد من الفكر الغربي ويعلق حوراني فيقول: وهكذا نرى أنه تخلى عن أول مبدأ من مبادئ محمد عبده واستعاض عنه بمبادئ جديدة. ويقول: لقد أخذ يطرح أسئلة جديدة لا تدور حول الشروط التي تؤدي إلى ازدهار المجتمع الإسلامي أو انحلاله.
بقدر ما تدور حول الشروط التي تؤدي إلى ازدهار أي مجتمع أو انحلاله، كذلك لم تكن المفاهيم التي أجاب بها على هذه الأسئلة هي مفاهيم للفكر الإسلامي، بل مفاهيم الفكر الأوربي حول التقدم والمجتمع الأفضل.
ويقرر حوراني أن لطفي السيد ورفاقه تأثروا بنمطين من التفكير الأوربي:
أولاً: تفكير كونت، ورينان، وبلي، وسبنسر، ودوركايم الذين ذهبوا إلى أن المجتمع البشري متجه بحكم سنة التقدم نحو طور مثالي يتميز بسيطرة العقل واتساع أفق الحرية الفردية وحلول التعاقد الحر والمصلحة الفردية محل العادات والأوضاع الراهنة.
ثانيًا: تفكير جوستاف لوبون الذي يقول بفكرة الطبع القومي، وأن كل شعب له بنية ذهنية ثابته بثبوت بنيته الجسدية.
ويقول الحوراني:
إن لطفي السيد يحدد فكرة الأمة على أساس الأرض، لا على أساس اللغة والدين، وهو لم يفكر بأمة إسلامية أو عربية بل بأمة مصرية هي: أمة القاطنين أرض مصر، وكان شعوره بوجود مصر شديد بحيث أهمل الدين بالنسبة لعناصر الوحدة الأخرى. فمعظم القاطنين في مصر يشتركون في الأصل واللغة والدين.
ولا نستطيع أن نتجاوز عرض حياة لطفي السيد دون أن نذكر زيارته للجامعة العبرية في القدس 1924 واشتراكه في استقبال الوفد الصهيوني إلى مصر بزعامة الدكتور وايزمان حيث أقيم له حفل شاي بفندق الكونتيال 1926م"
وفي الحق إن اسم لطفي السيد لمع لمعانًا شديدًا وخُدع به كثيرون وكان لامتداد العمر وتغير الأوضاع واقتناص بعض الفرص التي جاءت بها الظروف عاملاً من عوامل القداسة التي منيت بها مثل هذه الشخصيات بالرغم من فساد جوهرها.
وليس علينا أن نصدر حكمًا جازمًا على شخصية ما، يسلم به الجميع ولكن علينا أن نلقي الأضواء الكاشفة على مثل هذه الشخصية من واقع التاريخ وبالوثائق الثابتة ثم ندع القارئ ليحكم هو: هل كان لطفي السيد حقيقة أستاذ الجيل وأي جيل:
أولاً: الدعوة إلى قصر التعليم على أبناء الأعيان باعتبار أنهم وحدهم الذين سيتولون الحكم ومقاومة تعليم سواد الأمة ومعارضة الاتجاه إلى المجانية وذلك حتى يمكن المحافظة على وجود طبقة معينة تتولى حكم البلاد دون أن يتاح ذلك لباقي أفراد الشعب.
وقد رد عليه مصطفى كامل صاحب اللواء رئيس الحزب الوطني ولخص آراءه وكشف عن فسادها.
ثانياً: الدعوة إلى العامية: وقد سار في هذا التيار مؤيدًا الخطوات التي كان قد قطعها المستشرقون والمبشرون (مولار - وبلكوكس) وكان أبرز ما دعا إليه إبطال الشكل وتغييره بالحروف اللينة وتسكين أواخر الكلمات وإحياء الكلمات العامية والمتداولة وإدخالها في صلب اللغة الفصحى والنزول باللغة المكتوبة إلي ميدان التخاطب العامي وكانت وجهة دعوته: تمصير العربية بإحياء العامية (مقالاته في الجريدة خلال شهري أبريل ومايو 1913). وقد رد عليه عبد الرحمن البرقوقي ومصطفى صادق الرافعي بما يكشف زيف هذا الاتجاه.
ثالثًا: مقاومة التضامن العربي الإسلامي وقد عارض مساعدة المصريين لجيرانهم في طرابلس الغرب أثناء الغزو الإيطالي الاستعماري عام 1911 وكتب في هذا المعنى تحت عنوان "سياسة المنافع، لا سياسة العواطف" مقالات متعددة دعا فيها المصريين إلى التزام الحياد المطلق في هذه الحرب الإيطالية التركية وإلى الضمن بأموالهم أن تبعثر في سبيل أمر لا يفيد بلادهم وقد أثارت هذه المقالات على لطفي السيد عاصفة بل وطعنًا جارحًا على حد تعبير تلميذه الدكتور محمد حسين هيكل في مذكراته.
رابعًا: أيد وجهة النظر البريطانية الاستعمارية في التعاون مع الجاليات المسيطرة المحلية ودعا إلى أن تملك هذه الجاليات في الأراضي المصرية فيكون لها الحق في التملك والسيطرة على البنوك والتجارة وغيرها.
خامسًا: مجد اللورد كرومر: الحاكم البريطاني الذي أذل المصريين لمدة ربع قرن مسيطرًا على سياسة البلاد وساحقًا لكرامتها ومغتصبًا لثروتها وحياتها وحيّاه يوم خروجه من البلاد تحية الأبطال وقال عنه:
"أمامنا الآن رجل من أعظم عظماء الرجال ويندر أن نجد في تاريخ عصرنا ندًا له يضارعه في عظائم الأعمال: هو اللورد كرومر، وقال: لو بقي اللورد كرومر عامًا واحدًا في منصبه لعد عيده الذهبي في خدمة دولته، نشر هذا في الجريدة في نفس اليوم الذي ألقى فيه كرومر خطاب الوداع فسب المصريين جميعًا وقال لهم أن الاحتلال البريطاني باقٍ إلى الأبد.
سادسًا: رسم لطفي السيد خلال عمله في الجريدة (1907 - 1914) منهجًا للحياة الأجتماعية والسياسية والتربوية والاقتصادية يقوم على التبعية العامة للنفوذ الأجنبي والاحتلال البريطاني والفكر الغربي تحت اسم عبارة ماكرة خادعة هي (مصر للمصريين) وقاوم بهذا الفكر ذلك الأتجاه الأصيل الذي كان يحمل لواء دعاة الوطنية الصادقة والفكر الإسلامي النير وكون مدرسة تحقق لها بعد الحرب العالمية الأولى السيطرة على مقدرات الأمور بعد أن أقصى رجال الوطنية الحقة.
سابعًا: تبين أن مترجمات لطفي السيد عن أرسطو (التي ترجمت من الفرنسية) "السياسة. الكون والفساد. الأخلاق" وهي منسوبة إليه، تبين أنه ليس مترجمها وأن مترجمها الحقيقي هو قسم الترجمة في دار الكتب المصرية وذلك بشهادة عديد من معاصري هذه الفترة.
ومنهم (الأستاذ أحمد عابدين مدير دار الكتب السابق ولا يزال حيًّا يرزق).
ثامنًا: بالرغم من دعوة لطفي السيد العريضة إلى الدستور والحرية فإن الوزارات التي قبل الاشتراك فيها كانت كلها تتسم بطابع واحد فهي جميعًا وزارات انقلاب ضد الدستور والبرلمان والحريات العامة.
يقول الأستاذ فاروق عبد القادر: أن الباحث في لطفي السيد ليس بوسعه أن يتجاهل هذا التناقض كيف للرجل الذي كتب مطالبًا بالدستور مدافعًا عن الحرية أن يشترك في وزارات عبثت بالدستور وصادرت الحرية، كيف يشترك في وزارات طابعها الإرهاب والسطو على الحريات.
تاسعًا: إن حزب الأمة الذي أنشأه لطفي السيد كان بإجماع الآراء صناعة بريطانية أراد بها اللورد كرومر أن يواجه الحركة الوطنية بجموع من الإقطاعيين والثراة والأعيان (الذين وصفهم بأنهم) أصحاب المصالح الحقيقية، وقد كان هدف حزب الأمة والجريدة بقيادة الفيلسوف الأكبر لطفي السيد تقنين الاستعمار والعمل على إيجاد شرعية للاحتلال مع الدعوة إلى المهادنة مع الغاصب وتقبل كل ما يسمح به دون مطالبته بشيء.هذه مجموعة من الخطوط العامة نضعها بين يدي القارئ العربي المثقف دون أن نقدم حكمًا على لطفي السيد وندعه هو أن يصدر هذا الحكم. ولقد تعددت المصادر والأبحاث التي تكشف حقيقة هذا الرجل فليرجع إليها من يشاء وكلها تجمع على أن هذه الدعوة التي حملها لطفي السيد إنما هي خطة دقيقة محكمة من خطط الاستعمار الغربي والنفوذ الأجنبي، فإن اللورد كرومر أراد في إطار عمل مرسوم أن ينشئ في مصر جيلاً جديدًا يسير في ركب الاستعمار معجبًا به مقدرًا له ومحبًا، ولذلك عمل خلال عشرين سنة أو يزيد على صياغة هذا الجيل عن طريق المدرسة وعن طريق الثقافة، وكانت دعوته الملحة الحارة أن بريطانيا ستسلم مصر لأبنائها متى ظهر هذا الجيل الذي يعمل بالتعاون مع الاستعمار، ولفت نظر الشباب المتعلم وهم جميعًا من أبناء الطبقة التي أنشاها النفوذ الاستعماري وسودها وجعلها مركز القيادة السياسية إلى أنهم هم حكام مصر في المستقبل القريب .. وكان حريصًا على أن تتشكل هذه القوة أو هذا الحزب في نفس الوقت الذي كان الاحتلال يضرب القوى الوطنية وأصحاب الأصالة ليقضي عليهم ويفرغ البلاد منهم ويسلمها لهذا الجيل الذي كان من قيادته: لطفي السيد وسعد زغلول وعبد العزيز فهمي وقد تشكل حزب الأمة من مجموعة من أصحاب النفوذ وكبار الباشوات والملاك مثال محمود سليمان وحسين عبد الرازق وحمد الباسل وفخري عبد النور وسليمان أباظة وعبد الرحيم الدمرداش والطرزي وغيرهم وكان رأي هؤلاء أن السلطة الفعلية قد آلت كلها إلى كرومر الذي يمثل سلطة الاحتلال وأن مصالحهم الشخصية تقضي عليهم أن يكونوا على وفاق معهم فألفوا حزبهم بصفة رسمية في 21 سبتمبر 1907 برئاسة محمود سليمان باشا وتولى لطفي السيد قيادة فكرهم وصحيفتهم التي جمعوا لها في ذلك الوقت مبلغ 30 ألف جنيه: وقد ظهرت الجريدة في 9 مارس 1907 تصور الاحتلال على أنه حقيقة واقعة وترى أن عدم الاعتراف بشريعته لا يعني عدم وجوده ولا يقلل من سلطته ونفوذه وكانت ترى أن هؤلاء المحتلين ماضون في طريقهم مستقلون بتصريف الأمور، رضي المصريون بذلك أم كرهوا وأن التخلص من الاحتلال يحتاج إلى قوة لم تتوفر للمصريين وأن دعاة الحركة خياليون ينفقون الوقت فيما لا طائل تحته وأنهم أصحاب خيال وتهريج.
وبذلك استطاع لطفي السيد أن يرسي مفاهيم الإقليمية المصرية الضيقة التي تكره العرب وتكره المسلمين وتعارض كل تقارب وكل صلة بل وتكره الاتصال بالفكر الإسلامي الذي هو أساس الثقافة والتعليم. وقد صور هذا المعنى مستشرق غربي هو ألبرت حوراني حين قال عن لطفي السيد ما يلي: كان يرى أن بريطانيا قوية وأن لها مصالح جوهرية في مصر وأنها هي نفسها قد أعلنت عن بقائها في مصر إلى أن تصبح هذه قادرة على حماية المصالح وإذن لا يمكن إخراجها بالقوة.
وقد أعلنت بريطانيا تجديد احتلالها وخلقت الشعور بأنها باقية إلى الأبد وأن مصلحة مصر تقتضي التعاون معها في أي تدبير تتخذه في سبيل إنماء قوة البلاد وهكذا كان ينفث لطفي السيد سموم التثبيط والاسترخاء في وجه دعاة الوطنية ولا يقف عند هذا الحد بل يتهمهم بأنهم خياليون مغالون في الخيال ويتهم خطتهم بأنها ولاء لتركيا بينما لم يكن مصطفى كامل ومحمد فريد إلا دعاة إلى الحرية والاستقلال والجلاء دون أن يلينوا أي لين لتقبل وعود بريطانيا وكانوا في دعوتهم لا يستهدفون العودة إلى النفوذ التركي العثماني، وإنما كانوا يؤمنون بأن حركة الحرية يجب أن تتم داخل إطار أوسع من الإقليمية ويجب أن تكون في إطار الجامعة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية الأصلية التي كانت بريطانيا عن طريق حزب الأمة تهدف إلى تجريد المصريين منها ودفعهم إلى التبعية في التشريع والتعليم والاقتصاد لتكون مصر خاضعة تمام الخضوع للقانون الوضعي ولمفاهيم الغرب في التعليم والثقافة ولتنقطع الصلة تمامًا بين مصر وبين جيرانها عربًا ومسلمين وبين الفكر والثقافة في مصر وبين الفكر الإسلامي الأصيل المستمد من القرآن والسنة.
ولقد كان لطفي السيد في دعوته هذه ينتقص أهمية الأرضية الإسلامية للفكر والثقافة والتعليم ويغالي في التبعية للفكر الليبرالي الغربي الذي كان في هذه الفترة خصيصًا خصيما للدين والأخلاق.
يقول ألبرت حوراني: "إن الأنطباع القوي الذي تتركه قراءة مقالات لطفي السيد التي نشرها في الجريدة (وهي كل ثروته الفكرية) هو الأندهاش من الدور الصغير الذي لعبه الإسلام في تفكير رجل تتلمذ على (محمد عبده) لا شك أنه كان يشعر بأنه هو ومعظم مواطنيه مسلمون بالوراثة، وأنهم جزء من الأمة، لكن الإسلام لم يكن المبدأ المسيطر على تفكيره فلم يهتم بالدفاع عن الإسلام كالأفغاني، ولا يهتم كمحمد عبده بإعادة الشريعة الإسلامية إلى مركزها كأساس خلقي للمجتمع. وفي هذا يقول: لست ممن يتشبثون بوجوب تعلم دين بعينه أو قاعدة أخلاقية بعينها، ولكني أقول: بأن التعليم العام يجب أن يكون له مبدأ من المبادئ يتمشى عليه المتعلم من صغره إلى كبره، هذا المبدأ هو مبدأ الخير والشر.
وهكذا ترى أن مفهومه للأخلاق والدين مستمد من الفكر الغربي ويعلق حوراني فيقول: وهكذا نرى أنه تخلى عن أول مبدأ من مبادئ محمد عبده واستعاض عنه بمبادئ جديدة. ويقول: لقد أخذ يطرح أسئلة جديدة لا تدور حول الشروط التي تؤدي إلى ازدهار المجتمع الإسلامي أو انحلاله.
بقدر ما تدور حول الشروط التي تؤدي إلى ازدهار أي مجتمع أو انحلاله، كذلك لم تكن المفاهيم التي أجاب بها على هذه الأسئلة هي مفاهيم للفكر الإسلامي، بل مفاهيم الفكر الأوربي حول التقدم والمجتمع الأفضل.
ويقرر حوراني أن لطفي السيد ورفاقه تأثروا بنمطين من التفكير الأوربي:
أولاً: تفكير كونت، ورينان، وبلي، وسبنسر، ودوركايم الذين ذهبوا إلى أن المجتمع البشري متجه بحكم سنة التقدم نحو طور مثالي يتميز بسيطرة العقل واتساع أفق الحرية الفردية وحلول التعاقد الحر والمصلحة الفردية محل العادات والأوضاع الراهنة.
ثانيًا: تفكير جوستاف لوبون الذي يقول بفكرة الطبع القومي، وأن كل شعب له بنية ذهنية ثابته بثبوت بنيته الجسدية.
ويقول الحوراني:
إن لطفي السيد يحدد فكرة الأمة على أساس الأرض، لا على أساس اللغة والدين، وهو لم يفكر بأمة إسلامية أو عربية بل بأمة مصرية هي: أمة القاطنين أرض مصر، وكان شعوره بوجود مصر شديد بحيث أهمل الدين بالنسبة لعناصر الوحدة الأخرى. فمعظم القاطنين في مصر يشتركون في الأصل واللغة والدين.
ولا نستطيع أن نتجاوز عرض حياة لطفي السيد دون أن نذكر زيارته للجامعة العبرية في القدس 1924 واشتراكه في استقبال الوفد الصهيوني إلى مصر بزعامة الدكتور وايزمان حيث أقيم له حفل شاي بفندق الكونتيال 1926م"
(نستكمل فى تدوينة اخرى ) ........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق