قام اليهود يوم 25/ 12/ 1948 بحركة التفاف قصدوا منها عزل القوات المصرية بفلسطين عن قاعدتها الإدارية بالعريش. وكان موقف القوات المصرية في آخرديسمبر 1948 على النحو التالي :
1- قوات الجيش المصري النظامي تحتل قطاع غزة/ رفح.
2- قيادة القوات المصرية في رفح.
3- مجموعة لواء مشاة مصري محاصر في الفالوجا.
4- مجموعة لواء مشاة مصري تحتل قطاع العسلوج والعوجة.
5- قوات الكتيبتين الأولى والثانية من متطوعي الإخوان المسلمين تحتل قطاع (بيت لحم - الخليل - صور باهر) وقد عزلت هذه القوات بعد حصار الفالوجا عن القيادة العامة المصرية لحملة فلسطين في رفح.
6- الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان المسلمين في معسكر رفح كاحتياط تحت يد القائم العام لحملة فلسطين.
وفي يوم 25/ 12/ 1948 اكتسح اليهود القوات المصرية الموجودة في عسلوج والعوجة ثم دخلوا سيناء واحتلوا أبو عجيلة فوجدوها خالية وواصل اليهود تقدمهم في اتجاه العريش واشتبكوا مع طلائع الجيش المصري في مرتفعات بيرلحفن.
وفي الوقت نفسه تعرضت رفح لهجوم شديد واحتل اليهود تبة الأسرى المواجهة لرفح. ولقد أبدى الضباط المصريون من مختلف الرتب كثيراً من الجرأة واستبسلوا في الدفاع عن مواقعهم ووقف اليهود على أبواب رفح والعريش ولم يستطيعوا اقتحام مواقع الجيش المصري واضطروا إلى التراجع بعد أن كبدهم المصريون خسائر فادحة وقام الطيران المصري بضرب فلول القوات اليهودية المنسحبة حتى أخرجوهم تماماً من صحراء سيناء.
وانتهت حرب فلسطين باتفاق رودس سنة 1949 وكان من شروط الاتفاق سحبالجيش المصري كله من فلسطين ويكتفي بلواء مشاة فقط في قطاع غزة/ رفح.
وقد وقع اختيار قيادة الجيش المصري على اللواء الرابع المشاة الذي كنت أخدم فيه للبقاء في فلسطين بقطاع غزة/ رفح وتم سحب قوات الفالوجا وباقي قواتالجيش المصري إلى سيناء ومنطقة القنال ووادي النيل. وطلبت القيادة المصرية من الإخوان المسلمين برفح تسليم أسلحتهم ومعدات الحرب تمهيداً لترحيلهم لمصر.
وسلم الإخوان أسلحتهم بلا مناقشة وبدون أي اعتراض وبعد انتهاء تسليم الأسلحة تم نقل الإخوان إلى عنبر كبير جداً في رفح كان من عنابر الجيش البريطاني قبل جلاء الإنجليز عن رفح. وقيل للإخوان إنهم سيبيتون في هذا العنبر ليلة واحدة ليركبوا القطار في الصباح إلى القاهرة.
هـ- تعييني قائداً لمعتقل رفح
وقع اختيار قيادة حملة فلسطين علي للإشراف على معتقل الإخوان المسلمينبرفح... وطلب مني اللواء فؤاد صادق حسن معاملة هؤلاء المعتقلين قائلاً : لقد شارك هؤلاء الشباب من الإخوان المسلمين الجيش المصري في الجهاد ورووا بدماء شهدائهم أرض فلسطين وكانوا جنوداً أبطالا أدوا واجبهم كأحسن ما يكون الأداء.
فلا أقل من أن تجيب لهم كل طلباتهم المعقولة ولا تشعرهم بالندم على ما قدموه من تضحيات من أجل بلادهم فقلت له : سأبذل جهدي وانصرفت وقلت لنفسي : أهكذا جزاء المجاهدين الصادقين في هذا البلد؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فوجئ الإخوان صباح اليوم التالي فوجدوا العنبر محاطاً بقوات مسلحة منالجيش المصري ورأيت أن أخطرهم بالحقيقة فقلت لزعمائهم إن الحكومة المصرية قد أصدرت تعليماتها لقيادة الجيش المصري بفلسطين باعتقالالإخوان المجاهدين فترة من الزمن حتى تهدأ الأحوال في مصر. وقلت لهم إنهم سيلقون معاملة كريمة جزاء ما قدموه من تضحيات لأمتهم وإن جميع طلباتهم المعقولة مجابة وأرجو ألا تتسببوا في إحراجي لأني أنفذ الأوامر الصادرة إلى من رؤسائي.
وجاء اللواء فؤاد صادق في اليوم التالي فقال إن الحكومة المصرية طالبته مراراً باعتقال الإخوان المسلمين المقاتلين وكان يراوغ بحجة احتياجه لهم في القتال الدائر على أرض فلسطين. فلما انتهت الحرب اضطر لتنفيذ أوامر الحكومة. وأصدر أمراً لي أمام الإخوان بتلبية جميع طلباتهم المعقولة وقال الرجل علناً أمامالإخوان « إن الجيش المصري لن يستطيع أن يفي هؤلاء الإخوان حقهم من الإكرام وليس في وسعه إلا أن يواسيهم في محنتهم كما وقفوا معه واستبسلوا في معاونته.
ظل الإخوان في المعتقل شهرين ثم انضم إليهم إخوان صور باهر بقيادة اليوزباشي احتياط محمود عبده ثم انضم إليهم إخوان بيت لحم والخليل. ومضت حياة المعتقلين هادئة قطعها الإخوان في العبادة وطلب العلم.
حوادث مؤسفة بمصر
بعد 20 يوماً من صدور قرار حل الإخوان المسلمين اغتال شاب من الإخوان المسلمين محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء (الذي أصدر قرار الحل).
وتم الاغتيال داخل مبنى وزارة الداخلية وكان اغتياله يوم 28/ 12/ 1948.
وبعد 44 يوماً من قتل النقراشي اغتيل الشيخ حسن البنا يوم 12/ 2/ 1949 في الساعة 8 مساء أمام مبنى جمعية الشبان المسلمين.
1- انتقام حرب السعديين من الإخوان المسلمين لمقتل النقراشي.
2- تخلص الملك فاروق من زعامة شعبية قوية قادرة على اتخاذ قرارات إيجابية وتنفيذها.
لقد كان للجيش المصري 12 كتيبة مشاة تقاتل في فلسطين عام 1948 وكان لحسن البنا 3 كتائب مشاة من متطوعي الإخوان المسلمين تقاتل مع الجيش المصري بفلسطين.
والملك فاروق هو القائد الأعلى للجيش المصري وهو الذي أصدر القرار للجيش المصري بدخول فلسطين سنة 1948 وكانت حكومة فاروق هي التي تسلح وتدرب كتائب الإخوان وقادة كتائب الإخوان ضباط من جيش مصر العامل.. ولو ترك حسن البنا على حريته لدفع إلى فلسطين بعشرات من الكتائب الإخوانية ولتغيرت نتيجة حرب فلسطين لا محالة.
وخشي الملك فاروق أن يطمع حسن البنا في حكم مصر وبخاصة بعد أن ظهرت بسالة وفدائية متطوعي الإخوان في الحرب فقرر التخلص من الشيخ حسن البنابقتله غلية.
وساهمت اليهودية العالمية من وراء ستار في اغتيال حسن البنا بأن أوحت إلىالإنجليز الذين أوحوا بدورهم لفاروق وحذروه من خطر حسن البنا على عرشه.
وكانت قوة التنفيذ مستعدة. لقد اغتيل النقراشي وسط وزارة الداخلية حيث توجد قلعة البوليس السياسي.
وكان الإخوان قد وجهوا عدة ضربات مركزة إلى البوليس السياسي الذي أنشأهالإمام حسن البنا والمحتل الإنجليزي والقضية المصرية|الإنجليز]] للتجسس على المصريين ومعاونتهم على قهر الحركة الوطنية المصرية.
وكانت هذه الضربات قد بدأت منذ عام 1946 بعمليات حربية على شكل حرب عصابات ضد قوات الاحتلال البريطاني والتي كان يوجهها التنظيم الفدائي السري للإخوان بقيادة عبد الرحمن السندي وبتوجيه وتدريب من عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكاتب هذه السطور.
ففي 27 يوليو 1952 أعيد فتح ملف قضية مقتل حسن البنا وجاء وكيل النيابة إلى معتقل الكلية الحربية وأذكر اسمه (سري) وبدأ التحقيق بحضوري مع المهتمين الذين أودعوا معتقل الكلية الحربية عقب نجاح الثورة مباشرة وقدم المتهمون في مقتل حسن البنا للمحاكمة في أغطس 1954 وقد حكم على المخبرأحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة وحكم بـ 15 سنة أشغال شاقة على كل من الأميرالاي محمود عبد المجيد والسائق محمد محفوظ وسنة مع الشغل للبكباشي محمد الجزار من قوة البوليس السياسي في عهد الملك فاروق.
وعقب محاولة اعتداء الإخوان على جمال عبد الناصر سنة 1954 أفرج جمال عبد الناصر عن قتلة حسن البنا نكاية في الإخوان.
الفصل الثالث: ثورة 23 يوليو 1952
تسمية التنظيم السري للضباط بجماعة الضباط الأحرار
انتهت حرب فلسطين 1948 بهزيمة العرب لأسباب يرجع معظمها إلى أن حكام العرب في ذلك الوقت لم يكونوا على مستوى المسئولية في هذه الظروف التاريخية.
وكان نصيبي أن أبقى بفلسطين ضمن اللواء الرابع المشاة الذي أراد له القدر أن يبقى في فلسطين بمنطقة غزة/ رفح بعد سحب الجيش المصري إلى مصر.
وأذكر جيداً إبان فترة خدمتي بفلسطين بعد الهدنة أني كنت أمكث هناك عشرين يوماً بفلسطين وأنزل أجازة لمدة عشرة أيام في القاهرة وذلك خلال كل شهر ميلادي.
وفي أول أجازة نزلتها إلى القاهرة بعد الهدنة سنة 1949 ذهبت لمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف فلم أجده وأخبرني أهله أنه يخدم بمنطقةقنال السويس.
فذهبت لمقابلة جمال عبد الناصر في منزله بكوبري القبة فقص علي ما لاقاه في الفالوجا أثناء الحصار وكيف جرح أثناء إحدى المعارك.
ثم ذكر لي ما دار بينه وبين إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر وقتئذ وكيف واجه إبراهيم عبد الهادي جمال عبد الناصر بأن لدي حكومة مصر معلومات مؤكدة تفيد بأن جمال عبد الناصر ومعه جماعة من الضباط كانوا يقومون بتدريب شباب الإخوان المسلمين سراً على استعمال الأسلحة في الصحراء القريبة من القاهرة وذلك قبل حرب فلسطين.
وقد أنكر جمال عبد الناصر ذلك الاتهام (وإن كان حقاً) وقال لإبراهيم عبد الهاديإن معلوماتكم غير صحيحة. فأصر إبراهيم عبد الهادي على أن معلومات الحكومة المصرية صحيحة والتفت إلى الفريق عثمان المهدي رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري وقتئذ والذي كان يصحب جمال عبد الناصر عند مقابلته لإبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء. قائلاً :
لولا بطولة هؤلاء الضباط في حرب فلسطين لكان لي اليوم معه شأن آخر.
ونصح إبراهيم عبد الهادي جمال عبد الناصر بالابتعاد عن الإخوان المسلمينوأبدى لي جمال أسفه لما حل بجماعة الإخوان المسلمين من بطش على يدالملك فاروق ورئيس وزرائه إبراهيم عبد الهادي وترحم جمال عبد الناصر على الشيخ حسن البنا وقال : إنه كان يذكرني بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد فاتحني جمال عبد الناصر في أوائل عام 1950 في إعادة تكوين التنظيم السري للضباط وذكر لي أنه سيتكون من عناصر التنظيم السري السابق للإخوان المسلمين في القوات المسلحة ومن عناصر أخرى من الضباط الذين قاسموه محنة الفالوجا وسيحاول أن يضم عناصر أخرى من غير المتدينين بشرط أن تتوفر في الضابط بصفة الشجاعة وكتمان السر.
وقال لي جمال عبد الناصر : إنه بموت حسن البنا ومحمود لبيب انقطعت صلةالإخوان المسلمين بالتنظيم السري لضباط الجيش الذي بدأه محمود لبيب سنة1943. وإنه يرى لدواعي الأمن قطع الصلة بعبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني لشباب الإخوان وبخاصة بعد الحديث الذي دار بين جمال عبد الناصر وإبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء بشأن قيام عبد الناصر وبعض رفاقه من الضباط بتدريب شباب الإخوان المسلمين على استعمال الأسلحة قبل حرففلسطين.
وقال إن تسرب هذه الأنباء للحكومة ربما كان بسبب تعرض بعض شباب الإخوان المسلمين المعتقلين في عهد إبراهيم عبد الهادي للتعذيب في السجون بواسطة رجال البوليس السياسي.
فوافقته على عدم الاتصال بعبد الرحمن السندي ضماناً لأمن تنظيم الضباط. ولكني تناقشت مع جمال عبد الناصر في الشروط الواجب توافرها في الضباط الذين سنضمهم للتشكيل الجديد وقلت له إننا كنا نراعي فيمن نضمهم لتنظيم الضباط الإخوان في الجيش أن يكونوا من ذوي الأخلاق الحميدة والضمائر الحية فضلاً عن صفة الشجاعة وكتمان السر.
وأن من لا يخشى الله لا يستبعد عليه ارتكاب أي جريمة وبخاصة لو نجحتالثورة وأصبح في يده سلطة.
فأجاب جمال عبد الناصر بأن الحالة السياسية في مصر خطيرة جداً والإصرار على توفر صفة التدين في الضباط تزمت لا داعي له لأن أغلبية ضباط الجيش في ذلك الوقت لا تتوفر فيهم صفة التدين.. وبالتالي سيتأخر تنفيذ الثورة وربما قد لا نستطيع القيام بها إلا بعد وقت طويل جداً وطول الوقت قد يؤدي إلى كشف الحركة والقائمين عليها فتموت الثورة قبل أن تقوم.
فقلت لجمال عبد الناصر إننا انضممنا للإخوان على أساس مبادئهم التي اقتنعنا بها وهي أن يكون الحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
فقال اطمئن من هذه الناحية فما دام زمام الأمور سيكون في يدنا فسوف نحكم بالقرآن إن وفقنا الله في الاستيلاء على السلطة في مصر.
وقال جمال عبد الناصر إنه اتفق مع محمود لبيب على أن يكون اسم التنظيم الجديد الضباط الأحرار حتى نبعد الشبهة عن الإخوان المسلمين وكان ذلك قبل وفاة محمود لبيب وقال عبد الناصر.. إن التنظيم الجديد لم يتم على أساس المعرفة والصداقة كالتنظيم السابق الذي بدأه محمود لبيب سنة 1943 فتلك كانت مرحلة تحضيرية لا بد منها.
أما التنظيم الجديد فيتمشى طبقاً لتنظيم الجيش فسنحاول أن نوجد لنا في كل كتيبة أو وحدة من وحدات الجيش خلية من الضباط الأحرار حتى يمكن السيطرة على الجيش بعد قيام الثورة.
ولما كنت قد نقلت للكلية الحربية في 19/ 11/ 1950 فقد انتظمت بناء على تعليمات من جمال عبد الناصر في تشكيل الضباط الأحرار في الكلية الحربية. وكان يقوم بالتدريس معي بالكلية الحربية في هذه الفترة مجموعة من الضباط.
وقد أخبرني جمال عبد الناصر بأسماء الضباط الأحرار الموجودين في الكلية الحربية الذين نجح جمال عبد الناصر في ضمهم لتنظيم الضباط الأحرار.
وهم : زكريا محيي الدين وعبد الحليم عبد العال يوسف ومحمد حمدي عاشورومحمد أحمد البلتاجي وكمال الدين الحناوي.
وكان البكباشي زكريا محيي الدين قائداً للسرية الثانية لطلبة الكلية الحربية وكنت أخدم معه بهذه السرية برتبة الصاغ وكان زكريا محيي الدين هو المسئول عن الضباط الأحرار في الكلية الحربية بحكم أنه أقدم الضباط الأحرار في الكلية الحربية.
وكان زكريا محيي الدين يتميز بهدوء الأعصاب وندوة الكلام والكتمان الشديد. وشكلت قيادة الضباط الأحرار من نفس القيادة السابقة للتشكيل الذي بدأه عبد المنعم عبد الرءوف مع محمود لبيب سنة 1944.
فكان عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر عن سلاح المشاة وكمال الدين حسين عن سلاح المدفعية وخالد محي الدين عن سلاح المدرعات وأنور الساداتبعد عودته للجيش عن سلاح الإشارة.
وحدث بعد ذلك خلاف في الرأي بين جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوفبخصوص تبعية هذا التنظيم السري للإخوان المسلمين كالتنظيم السابق الذي بدأه عبد المنعم عبد الرؤوف سنة 1943 مع المرحوم محمود لبيب ورفض جمال عبد الناصر تبعية التنظيم للإخوان المسلمين ووافق باقي الضباط على رأي جمال عبد الناصر فانسحب عبد المنعم عبد الرؤوف من قيادة الضباط الأحرار وحل محله عبد الحكيم عامر عن سلاح المشاة وبقي عبد المنعم عبد الرؤوف جندياً من جنود الثورة فعندما نشبت الثورة في 23/ 7/ 1952 اشترك عبد المنعم عبد الرؤوف فيها وحاصر قصر رأس التين بالإسكندرية وأجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش.
تنفيذالثورة 23 يوليو 1952
تأزمت الأمور في يوليو 1952 وشرع الملك فاروق في إعداد العدة للبطش بالضباط الأحرار. فقرر الضباط الأحرار التعجيل بثورتهم قبل أن يبطش بهم الملك.
ففي يوم 20/ 7/ 1952 أخطرني الصاغ عبد الحليم عبد العال (أحد الضباط الأحرار بالكلية الحربية التي كنت أخدم فيها مدرساً في ذلك الوقت) أن الضباط الأحرار عازمون على القيام بحركتهم خلال الأيام القليلة القادمة.
فأسرعت إلى مقابلة جمال عبد الناصر في منزله بكوبري القبة وسألته عن حقيقة هذا الموضوع.. فأكد جمال عبد الناصر لي صحة الخبر وقال : إن الكلية الحربية ستكون معتقلا.
وفي صباح يوم 21 يوليو 1952 كنت أقوم بتصحيح أوراق الامتحان لطلبة الكلية الحربية بمكتبي بالكلية وجاءني عبد الحليم عبد العال وقال لا تغادر الكلية اليوم لأن التنفيذ سيكون الليلة. وعند حوالي الساعة 2 بعد ظهر يوم 21يوليو 1952أخبرني عبد الحليم عبد العال أن الأوامر جاءت من قيادة الحركة بأن نذهب إلى بيوتنا لكيلا نلفت النظر وعلينا ألا نغادر بيوتنا حتى يمر علينا مندوب القيادة لإبلاغنا بتفاصيل العمل المطلوب من كل واحد منا.
فخرجت من الكلية ومررت على جمال عبد الناصر بمنزله بكوبري القبة فأخبرته بما دار بين عبد الحليم عبد العال وبيني وسألته عن الخطة العامة للثورة فقال : إن الخطة العامة وضعت على أساس فرض سيطرة الضباط الأحرار على القوات المسلحة في مدينة القاهرة واعتقال الضباط الموالين للملك فاروق ثم بعد ذلك يسهل تنفيذ أهداف الحركة خطوة وراء أخرى.
وقال جمال عبد الناصر : إن بعض كتائب المشاة والمدرعات والمدفعية ستقوم باحتلال الأغراض المحددة لها وإن اللواء أركان حرب محمد نجيب قبل قيادة الثورة وأن المطلوب من الضباط الأحرار في الكلية الحربية أن يتواجدوا في الكلية لتجهيز المعتقل الذي سيودع فيه المعتقلون في مبنى السرية الرابعة بالكلية الحربية. وكان مبنى السرية الرابعة بالكلية الحربية عبارة عن مبنى السجن الحربي القديم للجيش المصري وكان به 171 زنزانة تصلح كل زنزانه بأن يوضع بها شخص أو أكثر وكانت الكلية الحربية حينما استلمت هذا المبنى من السجن الحربي القديم نزعت الحديد من الشبابيك ووضعت بدلاً منها شبابيك من الزجاج والخشب وحولته إلى عنبر لنوم طلبة السرية الرابعة لكل طالب حجرة منفصلة ينام ويذاكر دروسه فيها.
وفي شهر يوليو 52 كانت الدراسة قد انتهت في الكلية والطلبة في أجازة الصيف. ولما سألت جمال عبد الناصر عمن وضع خطة العمليات للثورة أجابني « إنه وزميله عبد الحكيم عامر وزكريا محيي الدين قد وضعوا خطة الانقلاب » وعرضت الخطة على لجنة قيادة الضباط الأحرار فأقرتها.
ذهبت لمنزلي في سراي القبة وبقيت فيه حتى التاسعة مساء يوم 21/ 7/ 1952فحضر عبد الحليم عبد العال وكمال رفعت وقالا لي لقد تأجلت العملية إلى الليلة التالية لإتمام بعض الاستعدادات.
الامتحان ، فقال عبد الحليم عبد العال لا تغادر منزلك اليوم بعد الظهر حتى يحضر لك مندوب بالتعليمات النهائية.
وفي الساعة التاسعة مساء يوم 22/ 7/ 1952 حضر لمنزلي كمال رفعت وحمدي عاشور والقويسني فقالوا أنزل معنا وأسرعت زوجتي لعمل التحية الواجبة للضيوف فقلت لها لا داعي لأني سأنزل معهم فوراً لأن هناك حالة طوارئ في البلاد وسأبيت الليلة بالثكنات بالكلية الحربية ولا تقلقي إذا تأخرت بضعة أيام. فاضطربت وكانت لا تدري شيئاً عما أنا مقدم عليه ولكنها أمسكت بيدي أيام. فاضطربت وكانت لا تدري شيئاً عما أنا مقدم عليه ولكنها أمسكت بيدي وقالت « بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد » فتلوت عليها الآية الكريمة وخرجت من منزلي مع زملائي كمال رفعت وحمدي عاشوروالقويسني وتركنا كمال رفعت قائلاً إلى ذاهب لتنفيذ واجبات أخرى.
وعندما وصلت أنا وحمدي عاشور والقويسني إلى المستشفى العسكري العام بكوبري القبة ، قال اليوزباشي القويسني «يا جماعة أنا غير مقتنع بالعمل ده واسمحوا لي أن أروح » فقال لي حمدي عشور « إيه رأيك يا حسين في كلام القويسني » فقلت « يا قويسني روح أحسن ما دامت هذه رغبتك » فاتصرفالقويسني على الفور. وقلت لحمدي عاشور لا فائدة من وجود شخص متردد معنا ليس لديه إرادة العمل لأن ضرره سيكون أكثر من نفعه وعلينا أن نتوكل على الله ، فقد اتفقنا مع رجال ولابد أن نكون رجالاً.
فذهبت أنا وحمدي عاشور للكلية الحربية وصعدنا إلى ميس الضباط فوجدنا الضباط المنوب ليلاً في الكلية الحربية وهو اليوزباشي المهندس شاهين نائماً فلم نوقظه أرقب شارع الخليفة المأمون من شرفة ميس ضابط الكلية الحربية بكوبري القبة.
وحوالي الساعة عشرة ونصف مساء يوم 22/ 7 / 1952 وقفت سيارة تاكسي أمام باب الكلية الحربية ونزل منها اليوزباشي كمال الحناوي فناديته قائلاً «اطلع يا كمال» ، فطلع إلينا وظللنا ننتظر حضور أحد غيرنا من الضباط الأحرار من مدرسي الكلية الحربية مدة نصف ساعة تقريباً ، ولما لم يحضر أحد قلت لكمال الحناوي « تعال يا كمال نذهب لمبنى السرية الرابعة » فذهبت أنا وكمال الحناويإلى مبنى السرية الرابعة ومررت على الحراسة الموجودة حول مبنى هذه السرية وطلبت من حكمدار الحرس مفاتيح الحجرات وأمرته بأن يضع في كل حجرة مفتاحها من الخارج وبعد التأكد من إتمام هذه العملية أمرته بفتح حجرة حجرة وقفلت الشيش ثم دقيت مسامير طول المسمار الواحد حوالي 10 سم في الشيش من الداخل ومن الخارج ليتعذر فتحه وكنت أحضرت معي كمية من المسامير وشاكوش لهذا الغرض ثم قفلنا الحجرات وتركنا مفتاح كل حجرة فيها من الخارج. وبعد التأكد من إتمام هذه العملية ذهبت مع كمال الحناوي إلى ميس الضباط ونظرت مرة ثانية إلى شارع الخليفة المأمون.
وحوالي الساعة 11.30 قبل منتصف الليل سمعنا صوت لواري وقفت أمام المستشفى العسكري بكوبري القبة ونزل منها جنود مشاة وسمعت أوامر تصدر لهؤلاء الجنود بالفتح والانتشار لاتخاذ تشكيل الاقتحام. وسمعت أمراً آخر بتركيب السونكيات في البنادق ثم سمعت أمراً آخر بالاقتحام. فتعالت أصوات طلقات الرصاص فاضطربت اضطراباً شديداً وتوقعت فشل الثورة.
وتصورت أن الحركة علم بسرها المسئولون فأسرعوا وأحضروا قوات موالية للملك للسيطرة على الموقف. ولكن هدأ من روعي خاطر قفز لذهني بسرعة وهو « إذا كانت هذه هي قوات مواليه للملك فما الداعي لأن تقتحم رئاسة الجيش وكان الطبيعي أن تعزز الحراسة حولها بهدوء لا أن تقتحمها. فاطمأن خاطري وأيقنت في الحال أن هذه هي قوات من قوات الثورة حركتها قيادة الثورة قبل موعد العملية لأمر طرأ في آخر لحظة لا أعلمه الآن.
ومع أصوات الرصاص سمعنا صوتاً عالياً ينادي « حرس سلاح » وكان هذا الصوت صادراً من الحارس أسفل الشرفة حيث « حرس البوابة الرئيسية للكلية الحربية ». فأسرعت أنا وحمدي عاشور وكمال الحناوي بالنزول سريعاً إلى مقر حرس البوابة الرئيسية للكلية وأمرنا الحرس بعدم القيام بأي تصرف إلا بأوامر من الصاغ حمدي عاشور وكان أقدمنا وفتحنا الباب الرئيسي للكلية الحربية في انتظار المعتقلين. وفي هذه الأثناء استيقظ الضابط النوبتجي اليوزباشي المهندس شاهين على صوت الرصاص ونزل بسرعة إلى باب الكلية الرئيسي فوجدنا فقال ما الخبر؟ فقلت له هناك حالة طوارئ والصاغ حمدي عاشور - وكان أقدمنا - وهو المسئول عن الكلية الحربية الآن.
فوقف الضابط التوبتجي لا يدري ما يدور حوله. وما هي إلا لحظات حتى حضر إلى باب الكلية أول فوج من الأسرى كان من بينهم الفريق حسين فريد رئيس هيئة أركان حرب الجيش وقت قيام الثورة واللواء الشعراوي قائد سلاح الطيران واللواء زكي أرناءوط قائد سلاح المهمات وعدد كبير من كبار ضباط الجيش المصري من رتبتي اللواء والأمير آلاي كانوا مجتمعين برئاسة الجيش بكوبري القبة والتي تقع في مواجهة الكلية الحربية.
وكان الغرض من اجتماع كبار قادة الجيش وضع خطة لقمع حركة الضباط الأحراربعد أن تسربت أسرار الحركة إليهم فداهمتهم قوات الثورة وهم مجتمعون وألقت القبض عليهم وأرسلتهم تحت الحراسة إلى المعتقل بالكلية الحربية.
وكان الحارس عليهم الصاغ عبد الحكيم عامر والصاغ عبد الحليم عبد العال يوسف.
فاستقبلت طابور الأسرى من كبار ضباط القوات المسلحة وأوصلتهم إلى مبنى السرية الرابعة حيث وضعت كل واحد منهم في حجرة وقفلنا الباب من الخارج وضوعفت الحراسة حول المعتقل بقوات من احتياطي الخدمات بالكلية الحربية.
وظلت الكلية الحربية طوال ليلة 22-23/7/1952 تستقبل المتعقلين من الضباط ونحن كخلية النحل لم نهدأ حتى الصباح.
وعلمت بعد ذلك من سعد حسن توفيق ومن يوسف منصور صديق تفاصيل أخرى أرى من الواجب إثباتها في هذا الكتاب حفظا لحقائق التاريخ من أن يطويها الأجل المحتوم.
والمرحوم سعد حسن توفيق كان من طليعة الضباط الأحرار ومن أعضاء الخلية الرئيسية التي تكونت سنة 1943 بواسطة عبد المنعم عبد الرؤوف وكاتب هذه السطور وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وخالد محيى الدين وصلاح خليفة والمرحوم الصاغ محمود لبيب.
وقد اقترن كاتب هذه السطور بشقيقته عام 47 وتوفى المرحوم سعد حسن توفيق لرحمة مولاه عام 1962.
وقد حدثني المرحوم سعد حسن توفيق قائلاً : إنه كان نوبتجيا بإدارة المخابرات الحربية التي كان يعمل بها يوم 22/ 7/ 1952 فشاهد الفريق حسين فريد رئيس أركان حرب الجيش يحضر ليلا حوالي الساعة 9.30 مساء وبدأ يستدعى قادة الجيش والطيران لعقد مؤتمر برئاسة الجيش بكوبري القبة.
وكان إدارة المخابرات الحربية بالدور الأرضي من مبنى رئاسة الجيش فترك سعد حسن توفيق رئاسة الجيش حوالي الساعة 10 مساء يوم 22/7/52 وتوجه إلى منزلجمال عبد الناصر حسين بكوبري القبة وأبلغه أن خطة الثورة قد اكتشفتها رئاسة الجيش وأن حسين فريد رئيس الأركان قد دعا قواد الأسلحة والوحدات إلى مؤتمر عاجل في مبنى الرئاسة ومعنى ذلك أن الثورة عرضة للفشل وطلبسعد حسن توفيق من جمال عبد الناصر أن يتصرف بسرعة على ضوء هذه المعلومات باعتباره المسئول عن خطة الثورة .
فأسرع جمال عبد الناصر إلى منزل عبد الحكيم عامر واتجها جهة ألماظه لعلهما يستطيعان إحضار بعض القوات لاعتقال المجتمعين في رئاسة الجيش.
ومن جهة أخرى أن القائمقام يوسف منصور صديق مكلفاً في الخطة بالتحرك بقواته ليشكل احتياطاً للقيادة الثورية.
وذهب يوسف صديق ومعه ضباطه الأحرار إلى هاكستب فوجد هناك عقبة خطيرة إذ اعترضه ضابط عظيم محطة هاكستب البكباشي أحمد المعتز بالله الكامل الذي اتصل باللواء مكي قائد الفرقة الذي أفاد بعدم إجراء أي تحرك حتى يحضر.
فقرر يوسف صديق التحرك بقواته قبل الميعاد المحدد لقيام الثورة وقبل وصول اللواء مكي قائد الفرقة حتى لا تفسد الخطة ويتعذر عليه التحرك بقواته.
فألقى يوسف منصور صديق القبض على ضباط عظيم محطة هاكستب البكباشيالمعتز بالله الكامل وأمر ضباطه الأحرار بالخروج بالقوة التي كانت تحت أيديهم قبل الميعاد فخرجوا ووجدوا في الطريق اللواء مكي قائد الفرقة فاعتقلوه وعند الميدان بالقرب من مطار ألماظه أسرت طلائع قوات يوسف منصورصديق جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكانا يحومان حول هذه القوة وكان ضباط يوسف صديق الأحرار لا يعرفون جمال عبد الناصر ولا عبد الحكيم عامر.
فلما حضر يوسف صديق أفرج عنهما فوراً. وأخبر جمال عبد الناصر يوسف منصور صديق بالموقف وكلفه بالتوجه بالقوة التي معه إلى رئاسة الجيش للقبض على حسين فريد رئيس الأركان ومن معه من قادة الجيش.
فقام يوسف منصور صديق بهذا الواجب على أتم وجه وكان له الفضل الأكبر هو والمرحوم سعد حسن توفيق واللواء محمد نجيب في نجاح ثورة 23/7/1952وكل شيء تم بإرادة الله فهو الميسر لما حدث.
وعرفت سر انكشاف الحركة قبل ساعات قليلة من تنفيذها من أحد كبار ضباط الطيران والذي اعتقل بعد قيام الثورة في معتقل الكلية الحربية الذي كنت مسئولا عنه فقد عرف الملك فاروق السر عن طريق هذا الضابط الكبير. ذلك أن لهذا الضابط الكبير شقيقا برتبة ملازم كان من الضباط الأحرار وذهب لمنزله ليرتدى ملابسه العسكرية ليلا فسألته أمه عن وجهته فقال لها إني ذاهب لهدم قصر عابدين فوق رأس الملك. فصرخت والدته وخافت على ابنها واستدعت شقيقه الأكبر تليفونيا والذي حضر مسرعاً ولم يستطع الشقيق الأصغر أن يصمد أمام ضغط شقيقه الأكبر فعدل عن الاشتراك في الثورة واعترف لشقيقه الأكبر بتفاصيل المؤامرة.
فأسرع الشقيق الأكبر وكان ضابطاً بسلاح الطيران برتبة قائمقام (عقيد) واذكر من اسمه «صالح».. أسرع إلى قصر القبة حيث اتصل بالياور المنوب ليلا بقصر رأس التين بالإسكندرية وأطلعه على السر الرهيب فاتصل الملك فاروق بمحمد حيدر وزير الحربية الذي اتصل بالفريق حسين فريد وطلب منه القضاء على الثورة في مهدها كما اتصل الملك فاروق بوزير الداخلية الذي اتصل بدوره باللواءأحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة.
وقد قام أحمد طلعت بتدعيم الحراسة حول قصر عابدين. وتمكنت قوات الثورة من اعتقال كبار ضباط البوليس ومنهم أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة ومحمد إمام إبراهيم رئيس البوليس السياسي وجميع ضباط البوليس السياسي.
وفي صباح 27/7/1952 بعد أن وزعنا على المعتقلين من كبار ضباط الجيش والبوليس جرائد الصباح التي تفيد مغادرة الملك فاروق لأرض مصر بعد نزوله عن العرش. طلب منى اللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة (وكان بين المعتقلين في الكلية الحربية منذ 24/7/1952) الاتصال بالمسئولين عن الثورةلأن لديه وثائق في خزانة مكتبه يود تسليمها لرجال الثورة لأنها ستنفعهم في حكم البلد على حد قوله ونصحني أن أبلغهم بتشديد الحراسة على إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر في عهد الإرهاب الملكي خشيه أن ينتهز الإخوان المسلمون فرصة الثورة ويقتلوه مما يسيء إلى الثورة وهي مازالت بعد لم تتمكن من تثبيت أقدامها.
فذهبت للقيادة العامة وقابلت جمال عبد الناصر وأخبرته بما دار بيني وبين اللواءأحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة فقال جمال عبد الناصر : اطمئن جداً من ناحية الإخوان المسلمين فأنا (أي جمال عبد الناصر) متصل بحسن الهضيبيوأخذت موافقته قبل قيام الثورة وأنا متفاهم مع الإخوان المسلمين على كل شيء ولا خوف على حياةإبراهيم عبد الهادي من انتقام الإخوان المسلمين.
والإخوان يتعاونون معنا الآن ويقومون بحراسة مرافق البلاد الحيوية والسفارات الأجنبية ولهم عناصر مسلحة على طريق القاهرة السويس وطريق الإسماعيليةالقاهرة وفي منطقة قنال السويس لمراقبة تحركات القوات البريطانية أولاً بأول وإبلاغنا بأي شيء يرونه.
وبالنسبة للوثائق اذهب بنفسك مع اللواء أحمد طلعت بالحراسة اللازمة على حكمدارية بوليس القاهرة وأحضر الأوراق وأعده للمعتقل.
فذهبت لمعتقل الكلية الحربية وأخذت اللواء أحمد طلعت ومعي حراسة كافية مكونة من ضباط وعشرة من ضباط الصف والعساكر مسلحين بالمدافع الرشاشة.
وتوجهت لحكمدارية بوليس العاصمة ومعي اللواء أحمد طلعت الذي صعد إلى مكتبه وجلس وفتح المكتب وأخرج ما فيه من دوسيهات وأوراق ثم فتح خزانه حديدية وأخرج ما فيها من أوراق ودوسيهات وقد حزمنا كل هذه الأوراق على هيئة طرد حملتها معي وأعدت اللواء طلعت لمعتقل الكلية الحربية وسلمت طرد الأوراق الذي أحضرناه من خزانة ومكتب اللواء أحمد طلعت لجمال عبد الناصر.
أسباب نجاح حركة الجيش ليلة 23 يوليو 1952
1- الدور الذي قام به سعد حسن توفيق.
2- موقف يوسف منصور صديق.
3- اللواء محمد نجيب.
4- اهتراء النظام الملكي.
5- موقف الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يلي تفاصيل ذلك :-
1- الدور الذي قام به سعد حسن توفيق
كان سعد حسن توفيق يعمل ضابط نوبتجي برتبة رائد ليلة قيام الثورة في إدارة المخابرات الحربية والتي كانت موجودة بالدور الأرضي بمبني رئاسة هيئة أركان حرب الجيش المصري بكوبري القبة وهو المبني المقابل للكلية الحربية في ذلك الوقت (الكلية الفنية العسكرية حالياً).
لاحظ سعد توفيق وصول الفريق حسين فريد رئيس هيئة أو أركان حرب الجيش إلى مكتبه حوالي الساعة 9 مساء يوم 22/7/ 1952 وبدأ يستدعى قادة الجيش المصري تليفونيا للحضور لاجتماع عاجل بمبني رئاسة الجيش.. فترك سعد توفيق النوبتجية وذهب إلى منزل جمال عبد الناصر في كوبري القبة واخبره بأن الثورة انكشف أمرها وطلب من عبد الناصر سرعة التصرف وإحضار قوة من قوات الثورة على جناح السرعة للقبض على المجتمعين في رئاسة الجيش.
2- موقف يوسف منصور صديق
لما ذهب القائمقام يوسف منصور صديق لمقر وحدته في هاكستب حوالي الساعة 9 مساء يوم 22/ 7/ 52 ومعه خمسة ضباط من الضباط الأحرار استفسر منه البكباشي أحمد المعتز بالله الكامل ضابط عظيم نوبتجي محطة هاكستب العسكرية عن سبب حضوره وحضور الضباط معه. فرد يوسف صديق أن البلد في حالة طوارئ فقال أحمد المعتز.. وكيف عرفت وأنا ضابط عظيم المحطة النوبتجي ولا علم لي بشيء ورفع سماعة التليفون واتصل باللواء مكي قائد المحطة وأخبره بما قاله يوسف صديق فقال له اللواء مكي لا تفعل أي شيء وأرسل لي سيارتي وسأحضر فوراً بمجرد وصول السيارة ، فأرسل أحمد المعتزالسيارة لإحضار اللواء مكي من منزله.
وهنا تصرف يوسف صديق بسرعة وألقى القبض على أحمد المعتز بالله الكاملوقيده بالحبال ورماه في حجرة ووضع عليه حرسا من الضباط الأحرار الخمسة الموجودين معه وأسرع بتجهيز قوته للخروج بها من المعسكر قبل وصول اللواء مكي وقبل الميعاد المحدد لبدء الثورة وفعلاً خرج بالقوة في الساعة 9.30 مساء يوم 22/7/ 1952 وكان الميعاد المحدد لبدء تحرك قوات الثورة هو الدقيقة الأولى من صباح يوم 23/7/ 1952 .
وتقابل يوسف صديق مع عربة اللواء مكي وهي في طريقها لمعسكر هاكستب فأوقفها وهجم يوسف صديق على اللواء مكي موجهاً إليه الرشاش القصير الذي يحمله فارتعد اللواء مكي وصاح «يوسف أنا في عرضك يا يوسف فيه أيه». فقبض يوسف على اللواء مكي ووضع عليه حراسة واصطحبه معه مقبوضا عليه.
وعند وصول القوة العسكرية التي يقودها يوسف منصور صديق ل مصر الجديدة (في المكان الذي يوجد فيه نادي ضباط القوات المسلحة بمصر الجديدة والمعروف باسم نادي الجلاء) تقابل القول الذي يقوده يوسف صديق مع جمال عبد الناصر و عبد الحكيم عامر وكانا يرتديان الملابس المدنية وكانا يحومان حول القول فقبض عليهما.
ولما رآهما يوسف صديق أفرج عنهما وأخبر جمال عبد الناصر يوسف صديقبوجود حسين فريد رئيس أركان حرب الجيش وكبار الضباط بمبني رئاسة الجيش وطلب إليه التوجه لرئاسة الجيش والقبض على المجتمعين هناك من كبار الضباط ونفذ يوسف صديق ذلك على الفور وكان هذا الإجراء هو العامل الحاسم في نجاح الثورة .
3- اللواء محمد نجيب
لقد قام ب الثورة 99 ضابطاً من ضباط الجيش ليلة 23 يوليو 52 بينما كان بالجيش المصري في ذلك الوقت حوالي خمسة آلاف ضابط.
ومعظم الضباط الثائرين كانوا من رتب الملازم واليوزباشي والصاغ -وأعلى رتبة كانت رتبة البكباشي- واثنين من رتبة القائمقام وهما أحمد شوقي و يوسف منصور صديق . ولنجاح الثورة يلزم وجود رتبة كبيرة على رأس الثائرين.
وقد سبق أن عرض تنظيم الضباط الأحرار قيادة الثورة على الفريق عزيز المصريفاعتذر لكبر سنه وضعف صحته ثم عرضت قيادة الثورة على اللواء أحمد فؤاد صادق قائد حملة فلسطين .
وكان رد اللواء فؤاد صادق أنه سوف يقوم بعمل مثل العمل الذي قام به أحمد عرابي سنة 1881 فإذا فشلت الثورة فستكون رقبته هي الثمن.
لذلك فهو يريد أن يستوثق من إمكانية نجاح الثورة وعليه فهو يطلب أن يجتمع بجميع الضباط المشتركين فيها خلية من وراء خلية حتى يتعرف على جميع الضباط وحتى يطمئن على إمكانية النجاح.
وعندئذ رفض جمال عبد الناصر الاستمرار في المفاوضات مع اللواء فؤاد صادقلأن معنى ذلك أن يفقد عبد الناصر سيطرته على تنظيم الضباط الأحرار وبالتالي تنهار آماله التي يتطلع إليها.
ثم عرضت قيادة الثورة على اللواء محمد نجيب فقبلها بلا قيد ولا شرط.
وكان اللواء محمد نجيب يتمتع بشعبية ضخمة بين ضابط الجيش وبمجرد صدور البيان الأول للثورة باسم اللواء محمد نجيب انضم كافة ضباط الجيش للثورة وقد كان من الممكن أن تتحرك قوات أخرى موالية للملك للقضاء على الثورة ولكن زعامة وشعبية محمد نجيب حالت دون الحرب الأهلية ومكنت لنجاح حركة الجيش يوم 23 يوليو 52.
4- اهتراء النظام الملكي
فقد الملك فاروق الاعتبار وصار محلاً للسخرية والاستهزاء من كافة طوائف الشعب المصري لفساده الخلقي وانهماكه في اللهو والمجون.
5- موقف الولايات المتحدة الأمريكية
كان يوجد وقت قيام الثورة ثمانون ألف عسكري بريطاني في منطقة قنالالسويس مزودين بأسلحة حديثة تفوق أسلحة الجيش المصري. وكانت بريطانيا حريصة على أن يكون تسليح جيش مصر من أسلحة أقل كفاءة من أسلحة القوات البريطانية حتى تضمن لنفسها السيطرة على مصر .
وكان على المنظمين ل ثورة يوليو 52 أن يضمنوا عدم تدخل القوات البريطانية لحماية الملك فاروق كما سبق لها أن تدخلت لحماية الخديوي توفيق وأخمدت الثورة العرابية سنة 1882 .
وكان انجلتره قد خرجت من الحرب العالمية الثانية مفلسة اقتصادياً وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم نتيجة الحرب العالمية الثانية.
وكانت الولايات المتحدة تهدف إلى أن يحل النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط محل النفوذ الإنجليزي. فحاول الأمريكان مع الملك فاروق باعتباره صاحب السلطة التشريعية في مصر لتوجيهه في الاتجاه المطلوب إلا أنهم نفضوا أيديهم منه لفساده وعدم اهتمامه بالأمور السياسية وانصرافه بكل تفكيره إلى اللهو والمجون والفسق.
فحاولوا الاتصال بالجيش عن طريق الملحق العسكري الأمريكي بالسفارة الأمريكية ب القاهرة والذي كان بحكم وظيفته على اتصال بوزارة الدفاع.
وكان الأمريكان يعرضون على مصر خدماتهم في تدريب ضباط الجيش المصريفي معاهد الولايات المتحدة العسكرية وغير ذلك من التيسيرات التي يمكن أن تقدمها دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية ل مصر .
وقد حضر كاتب هذه السطور شخصيا عدة اجتماعات في منزل الملحق العسكري الأمريكي بالزمالك مع جمال عبد الناصر وكان الكلام يدور في مسائل خاصة بالتسليح والتدريب والموقف الدولي والخطر الشيوعي على العالم بعامة والشرق الأوسط بخاصة وأن الولايات المتحدة ستساند أي نهضة تقوم في مصر . لأن بقاء الحال على ما هو عليه في مصر ينذر بانتشار الشيوعية وهذه الاتصالات بالسفارة الأمريكية كانت في الفترة من عام 1950 - 1952 ميلادية.
ولم يكن يتعدى الكلام أكثر من ذلك ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي حالت دون تدخل القوات البريطانية لحماية الملك فاروق .
ولقد أيدت الولايات المتحدة الأمريكية الثورة فور إعلان قيامها وفتحت أبواب معاهدها العسكرية على مصراعيها لتدريب ضباط الجيش المصري بالمئات فور قيام الثورة .
ومما لا شك فيه أن عبد الناصر وهو المنظم الحقيقي لحركة الضباط الأحرار كان على صلة أكثر وثوقا بالسفارة الأمريكية.
وقد قام الملك فاروق بالاتصال بالسفير الأمريكي (كافري) من أجل حمايته وبناء عليه طلب السفير الأمريكي من رجال الثورة عدم قتل الملك وتركه يخرج من البلاد حياً وهو ما حدث فعلاً.
كلية أركان الحرب
في سبتمبر سنة 1952 أعلنت نتيجة امتحان القبول للدفعة 13 لكلية أركان الحرب (فكنت ضمن المقبولين) والتحقت طالبا بكلية أركان الحرب يوم 2/ 10/1952 وكان عدد المقبولين في هذه الدفعة 54 ضابطاً وكان من زملائي في الدراسة في هذه الدفعة السيدة/ حسين الشافعي نائب رئيس جمهورية مصرالأسبق. و حسن الشافعي رجل شجاع ذو أخلاق حميدة ومتدين وكان له دور رئيسي مع ثوار يوليو 1952 مع سلاح المدرعات.
وفي سبتمبر سنة 1953 تسلمت شهادة الماجستير في العلوم العسكرية بعد تخرجي من الكلية في احتفال مهيب حضره سيادة اللواء أراكن حرب محمد نجيب رئيس الجمهورية.
رحلة دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية
بعد تخرجي من كلية أركان الحرب سافرت يوم 12/ 9/ 1953 إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة رسمية للقوات المسلحة الأمريكية بدعوة من الحكومة الأمريكية التي دعت كل ضباط الدفعة 13 خريجي كلية أركان الحرب المصرية.
سافرت على متن إحدى طائرات سلاح الطيران المصري إلى الميناء الجوي الملاحة في طرابلس ثم ركبنا طائرة من طائرات سلاح الجو الأمريكي تسع حوالي 120 راكباً نزلت في الدار البيضاء بمراكش للتزود بالوقود. ثم استمرت الطائرة في السفر إلى جزر الأوزور في المحيط الأطلسي وهي جزر برتغالية أجرتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من البرتغال لمدة 99 سنة. وبتنا ليلة بجزر الأوزور ثم استأنفنا الطيران لواشنطن حيث نزلنا ضيوفا على البنتاجون مقر وزارة الحرب الأمريكية وقمنا بعدة زيارات لأسلحة الجيش الأمريكي المختلفة والمدارس العسكرية ومراكز التدريب والمصانع الحربية الأمريكية. وزرنا مقر قيادة الجيش الأمريكي الأول وإحدى الفرق المشاة وإحدى الفرق المدرعة وإحدى الفرق المشاة الميكانيكية وحضرنا عدة محاضرات بكلية الحرب العليا War college.
الحزام المحمدي THE MOHAMEDAN BELT
لفت نظري ضمن الدراسات في كلية الحرب العليا بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة أعدتها الكلية المذكورة عن الحزام المحمدي وكان عنوانه باللغة الإنجليزية THE MOHAMEDAN BELT كشف فيه الأمريكان عن أملهم في عمل حلف إسلامي عسكري يرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية بمعاهدة أمن متبادل لمقاومة الإلحاد والشيوعية.
عرض مستر بايرود
حضرنا حفلة في السفارة المصرية أقامها لنا السفير أحمد حسين سفير مصر في الولايات المتحدة الأمريكية وقتئذ وحضر هذا الحفل مستر هنري بايرود رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية.
وقد قال لنا السفير أحمد حسين إن مستر بايرود يحب الشراب فسأسقيه حتى أفك عقدة لسانه.
وظل السفير المصري يناول مستر بايرود كأساً وراء كأس حتى تكلم بايرود فقال : إن الولايات المتحدة يهمها أن تقيم علاقة متينة مع القاهرة لأن القاهرةمن أكبر عواصم العالم نفوذا ولها تأثير روحي عظيم على العالم الإسلامي.
وأرجو أن تبلغوا المسئولين عن قيادة الثورة المصرية أن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لتسليح الجيش المصري بأحدث الأسلحة ولكن لنا شرطاً واحداً ألا وهو توقيع معاهدة للأمن المتبادل بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد عودتي من أمريكا في نهاية عام 1953 ذهبت إلى جمال عبد الناصر وذكرت له ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية في كلية الحرب العليا عن الحزام المحمدي والحلف الإسلامي وما نق به مستر هنري بايرود أمام السفير أحمد حسين فكان رد عبد الناصر هو الآتي :
المشكلة الرئيسية ليست بيننا وبين الاتحاد السوفيتي ولكن المشكلة بين العام العربي وبين انجلترا وفرنسا و إسرائيل .. فانجلترا ما زالت جيوشها في مصر والسودان وشرق الأردن و العراق وعدن وفرنسا ما زالت تحتل تونس و الجزائرومراكش واستقطعت إسرائيل أكثر من نصف فلسطين فكيف ندخل في معاهدة تحالف ضد الاتحاد السوفيتي الذي لا يجود بينه وبين العالم العربي أي مشكلة وإذا كانت الولايات المتحدة جادة فيما تدعيه من أنها راغبة في صداقة العالم العربي فعليها معاونته في تحرير أرضه من الاستعمار الفرنسي والبريطاني وحل مشكلة فلسطين بما يصون حقوق أصحابها الشرعيين وعلى هذا الأساس فإن حكومة مصر ستقاوم كافة الأحلاف التي تروج لها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط حتى ينال العرب حقوقهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق