بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته للناس سراً ثلاث سنين ينتقي فيها من
سيقوم عليهم دين الإسلام فيما بعد، وكان للصديق رضي الله عنه قصب السبق في
دعوة العديد من مشاهير الإسلام، وقد تميزت هذه الدعوة بشمولها لكل الطبقات
ولم تفرق بين عرق وعرق أو لون ولون، أو جنس وجنس، مع الحرص على أن لا توأد
الدعوة في مهدها.وقفات مع إسلام علي بن أبي طالب ربيب بيت النبوة وإسلام بناته صلى الله عليه وسلم
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد.
فمع الدرس الخامس من دروس السيرة النبوية المطهرة المشرفة.
سبق أن وقفنا وقفة مع إسلام خديجة والصديق وزيد بن حارثة رضي الله عنهم، ولنا وقفات مع إسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقصة إسلامه في منتهى الغرابة.
آمن هذا الطفل الصغير وعمره عشر سنوات، ووجه الغرابة أنه طفل يؤمن في هذه المرحلة الخطيرة من الدعوة، حيث بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته سراً في مكة، ثم يسر بهذا الأمر الخطير لطفل، وكيف لهذا الطفل أن يفهم هذه القضية الكبرى التي خفيت على بعض العقول التي كانوا يعتبرونها حكيمة في مكة؟! كان علي بن أبي طالب كابن الرسول صلى الله عليه وسلم تماماً، بنفس منزلة زيد، وكان يعيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، لوجود أزمة اقتصادية في مكة في وقت ما، وأصبح صعباً على أبي طالب أن يرعى كل أولاده، فاقترح الرسول صلى الله عليه وسلم على العباس رضي الله عنه وأرضاه أن كل واحد منهما يأخذ طفلاً من أطفال أبي طالب ويقوم بكفالته، وكان من سعادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن يعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره.
تأثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم كأي طفل يتأثر بأبيه، فكيف لو كان الأب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يمثل لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه كل شيء، كان علي بن أبي طالب يعتقد الصواب في كل كلمة يقولها الأب الحنون صلى الله عليه وسلم، كأي طفل يعتقد أن الصواب الكامل في أبيه، وأن كل مشاكل الدنيا حلها عند أبيه، وهذا ليس كالآباء، فهو أعظم أب في الدنيا.
إذاً: أول شيء: هو حب كبير في قلب علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حب الطفل لأبيه الحنون.
ثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد نبوغاً مبكراً وعبقرية ظاهرة في علي بن أبي طالب تطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول له سراً خطيراً كهذا، ونحن نتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف أن يعرف طفل صغير كـ علي بن أبي طالب بأمر الرسالة، خصوصاً إذا كان هذا الموضوع يفترض أن يظل سراً لا يعرف، وإلى متى؟ لا نعلم، مدة سنة أو سنتين أو ثلاث إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى بجهرية الدعوة، لكن الظاهر أن علياً كان عبقرياً منذ طفولته، وأثبتت الأيام صدق ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان علي من أكثر الصحابة قدرة على استنباط الأحكام وعلى القضاء في الأمور، وكانت لديه فراسة عميقة إلى جوار العلم والفقه.
كان في اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يدعوه تنوع، وهذا يوضح لنا أن مجال الدعوة أوسع بكثير جداً مما قد نتخيل، فهؤلاء الأربعة الأوائل فيهم الرجال والنساء، فيهم السادة والعبيد، فيهم الكبار والصغار لا حدود لهذه الدعوة، أنت عليك فقط أن تنظر من تقابل ومن تعرف؟ ومؤكد أنك ستجد الذي يصلح لأن تكلمه في أمر الإيمان والالتزام بدين الله عز وجل.
فـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه آمن وهو في العاشرة، ليصبح بذلك أول الصبيان إيماناً، وتصبح السيدة خديجة أول النساء، وأبو بكر أول الرجال، وزيد بن حارثة أول الموالي رضي الله عنهم أجمعين، وهذا كله في اليوم الأول للدعوة.
ثم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بناته إلى الإسلام السيدة زينب وكانت في العاشرة من عمرها وهي الكبيرة، والسيدة رقية كان عمرها سبع سنين، والسيدة أم كلثوم كان عمرها ست أو خمس سنوات، فكلهن دخلن في الإسلام في هذا السن المبكر جداً، أما السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها فقد كانت صغيرة جداً وقت البعثة.
هذا كان الوضع في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.الحكمة من الدعوة السرية
لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان في مكة، بل لكل إنسان على ظهر الأرض، وربما تصور المرء أن أسهل وسيلة لهذا أن يقف وسط الكعبة من أول يوم أُمر فيه بالبلاغ ويعلن للناس أمر الإسلام، لكن هذا لم يحدث، فماذا فعله صلى الله عليه وسلم؟ كان صلى الله عليه وسلم ينتقي رجلاً من رجال قريش، ثم يخبره سراً عن الإسلام، وكان يعلم أصحابه أن يفعلوا هذا، وقد ظلت الدعوة السرية فترة طويلة جداً بالقياس إلى عمر الدعوة الإسلامية، فالدعوة السرية امتدت حوالي ثلاث سنوات، والدعوة كلها (23) سنة.
قد يتصور البعض أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وقف على جبل الصفا وقال للناس: (أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقي؟)، يظن أن هذه المقولة كانت في بادئ الدعوة، لا.
بل كانت بعد ثلاث سنين كاملة من نزول الوحي.
وهي فترة كبيرة جداً أيضاً في حق مجتمع صغير كمكة، لكن لماذا هذا الوضع؟ ولماذا هذا التخفي؟ قد يتحمس المرء ويقول: دعوة الإسلام دعوة جميلة ومقنعة وعقلية، ولو وقف الرسول صلى الله عليه وسلم في وسط مكة وأعلن عنها لسوف يسلم أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن، لكن هذا لم يحصل ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعرف أن دعوة الإسلام وإن كانت جميلة ومقنعة، إلا أنها ستتعرض إلى معارضة وحرب، ليس فقط من قريش، بل من العالم كله.
ثم لو أتى سائل يسأل: هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان خائفاً على نفسه من قريش؟ سأقول له: لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لكن كانت هذه هي الحكمة، كل خطوة في حياته صلى الله عليه وسلم كانت محسوبة، تستطيع أن تقول: إن السرية في الدعوة في هذه المرحلة لم تكن اختياراً نبوياً، ولكنها كانت أمراً إلهياً، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يعلمنا منهج التغيير في مثل هذه الظروف، كيف يمكن للأجيال التي ستأتي بعده أن تغير في غياب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إذا توافقت الظروف مع ظروف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة كيف يتصرف؟ والله سبحانه وتعالى قادر أن يحمي الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يصل إليه أي أذى من قريش، ومع ذلك هو يريد أن يرسم الطريق الصحيح للمسلمين لإقامة هذا الدين، مهما اختلفت الظروف، ومهما كثرت المعوقات؛ ولهذا ربنا سبحانه وتعالى وضع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل الظروف التي من الممكن أن تمر بها أمته بعد ذلك، وعلّم الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يتعامل مع كل حدث؟ كيف يصل بدعوته إلى الناس في وجود أي معوق؟موقف المسلمين في الاتحاد السوفيتي أنموذج للدعوة السرية
كون الدعوة سرية في السنوات الثلاث الأولى من الإسلام، لحاجة المسلمين إلى هذا الأسلوب السري في الدعوة إذا توافقت الظروف مع هذه الفترة، وعلى سبيل المثال: المسلمون في الاتحاد السوفيتي قبل أن يسقط كانوا يعيشون في مثل هذه الفترة، الإلحاد في كل مكان، كان حمل المصحف أو حتى الاحتفاظ به في البيت جريمة يعاقب عليها القانون، من اكتُشف أنه يصلي أو يصوم يُعاقب ويُعذّب وقد يُقتل، فكان لابد أن تكون هناك سرية تامة في هذه المرحلة، ولو لم يفعلوا ذلك لاختفى الإسلام من هذه البلاد، لكن كانوا يتعلمون في ديار كدار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وأرضاه، كانوا يحفظون القرآن في سراديب وخنادق وكهوف الجبال، والحمد لله مرت السنوات وبقي الدين وبقي المسلمون ورُفعت الغُمة، فما الذي حفظهم؟ حفظهم فقه المرحلة، نعم، ربنا سبحانه وتعالى هو الحافظ، وهو المعين، لكن هناك أسباب، والأسباب الصحيحة هي التي أخذ بها الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس الظرف الذي كان يعيشه المسلمون، لو أعلن كل واحد من المسلمين إسلامه في الاتحاد السوفيتي وفتح صدره لنيران الشيوعية، لاختفى الإسلام من بقاع كثيرة في الأرض، وسوف يموت الشهداء لكن أين الدعوة وأين الإسلام؟ ففقه المرحلة كان هاماً جداً، ووجود المثال النبوي الحكيم في إخفاء الإسلام في مثل هذا الظرف كان معلماً لهم، وكان مؤيداً لمنهجهم، كان معهم دليل شرعي قوي يؤيد هذه السرية.
اختلفت الظروف بعد ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتبعية سيختلف منهجه صلى الله عليه وسلم في إيصال دعوته للناس وفي تربيته للمؤمنين، سيأتي زمان بعد هذا يُعلن فيه البعض إسلامهم ويكتم المعظم، مثل إسلام سيدنا عمر وسيدنا حمزة رضي الله عنهما، وسيأتي زمان يعلن الجميع وتكون التربية في العلن، وذلك بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وسيأتي زمان سيدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه زعماء العالم إلى الإسلام، وهذا بعد صلح الحديبية، كل هذا سيحدث؛ حتى لا يأتي أحد من المسلمين ويستشهد بفعل من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم والظروف مختلفة، وإلا فلماذا هذا التنوع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ليعلمنا الحكمة الحقيقية في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله عند تشابه الظروف.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد.
فمع الدرس الخامس من دروس السيرة النبوية المطهرة المشرفة.
سبق أن وقفنا وقفة مع إسلام خديجة والصديق وزيد بن حارثة رضي الله عنهم، ولنا وقفات مع إسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقصة إسلامه في منتهى الغرابة.
آمن هذا الطفل الصغير وعمره عشر سنوات، ووجه الغرابة أنه طفل يؤمن في هذه المرحلة الخطيرة من الدعوة، حيث بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته سراً في مكة، ثم يسر بهذا الأمر الخطير لطفل، وكيف لهذا الطفل أن يفهم هذه القضية الكبرى التي خفيت على بعض العقول التي كانوا يعتبرونها حكيمة في مكة؟! كان علي بن أبي طالب كابن الرسول صلى الله عليه وسلم تماماً، بنفس منزلة زيد، وكان يعيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، لوجود أزمة اقتصادية في مكة في وقت ما، وأصبح صعباً على أبي طالب أن يرعى كل أولاده، فاقترح الرسول صلى الله عليه وسلم على العباس رضي الله عنه وأرضاه أن كل واحد منهما يأخذ طفلاً من أطفال أبي طالب ويقوم بكفالته، وكان من سعادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن يعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره.
تأثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم كأي طفل يتأثر بأبيه، فكيف لو كان الأب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يمثل لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه كل شيء، كان علي بن أبي طالب يعتقد الصواب في كل كلمة يقولها الأب الحنون صلى الله عليه وسلم، كأي طفل يعتقد أن الصواب الكامل في أبيه، وأن كل مشاكل الدنيا حلها عند أبيه، وهذا ليس كالآباء، فهو أعظم أب في الدنيا.
إذاً: أول شيء: هو حب كبير في قلب علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حب الطفل لأبيه الحنون.
ثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد نبوغاً مبكراً وعبقرية ظاهرة في علي بن أبي طالب تطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول له سراً خطيراً كهذا، ونحن نتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف أن يعرف طفل صغير كـ علي بن أبي طالب بأمر الرسالة، خصوصاً إذا كان هذا الموضوع يفترض أن يظل سراً لا يعرف، وإلى متى؟ لا نعلم، مدة سنة أو سنتين أو ثلاث إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى بجهرية الدعوة، لكن الظاهر أن علياً كان عبقرياً منذ طفولته، وأثبتت الأيام صدق ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان علي من أكثر الصحابة قدرة على استنباط الأحكام وعلى القضاء في الأمور، وكانت لديه فراسة عميقة إلى جوار العلم والفقه.
كان في اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يدعوه تنوع، وهذا يوضح لنا أن مجال الدعوة أوسع بكثير جداً مما قد نتخيل، فهؤلاء الأربعة الأوائل فيهم الرجال والنساء، فيهم السادة والعبيد، فيهم الكبار والصغار لا حدود لهذه الدعوة، أنت عليك فقط أن تنظر من تقابل ومن تعرف؟ ومؤكد أنك ستجد الذي يصلح لأن تكلمه في أمر الإيمان والالتزام بدين الله عز وجل.
فـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه آمن وهو في العاشرة، ليصبح بذلك أول الصبيان إيماناً، وتصبح السيدة خديجة أول النساء، وأبو بكر أول الرجال، وزيد بن حارثة أول الموالي رضي الله عنهم أجمعين، وهذا كله في اليوم الأول للدعوة.
ثم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بناته إلى الإسلام السيدة زينب وكانت في العاشرة من عمرها وهي الكبيرة، والسيدة رقية كان عمرها سبع سنين، والسيدة أم كلثوم كان عمرها ست أو خمس سنوات، فكلهن دخلن في الإسلام في هذا السن المبكر جداً، أما السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها فقد كانت صغيرة جداً وقت البعثة.
هذا كان الوضع في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.الحكمة من الدعوة السرية
لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان في مكة، بل لكل إنسان على ظهر الأرض، وربما تصور المرء أن أسهل وسيلة لهذا أن يقف وسط الكعبة من أول يوم أُمر فيه بالبلاغ ويعلن للناس أمر الإسلام، لكن هذا لم يحدث، فماذا فعله صلى الله عليه وسلم؟ كان صلى الله عليه وسلم ينتقي رجلاً من رجال قريش، ثم يخبره سراً عن الإسلام، وكان يعلم أصحابه أن يفعلوا هذا، وقد ظلت الدعوة السرية فترة طويلة جداً بالقياس إلى عمر الدعوة الإسلامية، فالدعوة السرية امتدت حوالي ثلاث سنوات، والدعوة كلها (23) سنة.
قد يتصور البعض أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وقف على جبل الصفا وقال للناس: (أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقي؟)، يظن أن هذه المقولة كانت في بادئ الدعوة، لا.
بل كانت بعد ثلاث سنين كاملة من نزول الوحي.
وهي فترة كبيرة جداً أيضاً في حق مجتمع صغير كمكة، لكن لماذا هذا الوضع؟ ولماذا هذا التخفي؟ قد يتحمس المرء ويقول: دعوة الإسلام دعوة جميلة ومقنعة وعقلية، ولو وقف الرسول صلى الله عليه وسلم في وسط مكة وأعلن عنها لسوف يسلم أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن، لكن هذا لم يحصل ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعرف أن دعوة الإسلام وإن كانت جميلة ومقنعة، إلا أنها ستتعرض إلى معارضة وحرب، ليس فقط من قريش، بل من العالم كله.
ثم لو أتى سائل يسأل: هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان خائفاً على نفسه من قريش؟ سأقول له: لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لكن كانت هذه هي الحكمة، كل خطوة في حياته صلى الله عليه وسلم كانت محسوبة، تستطيع أن تقول: إن السرية في الدعوة في هذه المرحلة لم تكن اختياراً نبوياً، ولكنها كانت أمراً إلهياً، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يعلمنا منهج التغيير في مثل هذه الظروف، كيف يمكن للأجيال التي ستأتي بعده أن تغير في غياب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إذا توافقت الظروف مع ظروف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة كيف يتصرف؟ والله سبحانه وتعالى قادر أن يحمي الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يصل إليه أي أذى من قريش، ومع ذلك هو يريد أن يرسم الطريق الصحيح للمسلمين لإقامة هذا الدين، مهما اختلفت الظروف، ومهما كثرت المعوقات؛ ولهذا ربنا سبحانه وتعالى وضع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل الظروف التي من الممكن أن تمر بها أمته بعد ذلك، وعلّم الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يتعامل مع كل حدث؟ كيف يصل بدعوته إلى الناس في وجود أي معوق؟موقف المسلمين في الاتحاد السوفيتي أنموذج للدعوة السرية
كون الدعوة سرية في السنوات الثلاث الأولى من الإسلام، لحاجة المسلمين إلى هذا الأسلوب السري في الدعوة إذا توافقت الظروف مع هذه الفترة، وعلى سبيل المثال: المسلمون في الاتحاد السوفيتي قبل أن يسقط كانوا يعيشون في مثل هذه الفترة، الإلحاد في كل مكان، كان حمل المصحف أو حتى الاحتفاظ به في البيت جريمة يعاقب عليها القانون، من اكتُشف أنه يصلي أو يصوم يُعاقب ويُعذّب وقد يُقتل، فكان لابد أن تكون هناك سرية تامة في هذه المرحلة، ولو لم يفعلوا ذلك لاختفى الإسلام من هذه البلاد، لكن كانوا يتعلمون في ديار كدار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وأرضاه، كانوا يحفظون القرآن في سراديب وخنادق وكهوف الجبال، والحمد لله مرت السنوات وبقي الدين وبقي المسلمون ورُفعت الغُمة، فما الذي حفظهم؟ حفظهم فقه المرحلة، نعم، ربنا سبحانه وتعالى هو الحافظ، وهو المعين، لكن هناك أسباب، والأسباب الصحيحة هي التي أخذ بها الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس الظرف الذي كان يعيشه المسلمون، لو أعلن كل واحد من المسلمين إسلامه في الاتحاد السوفيتي وفتح صدره لنيران الشيوعية، لاختفى الإسلام من بقاع كثيرة في الأرض، وسوف يموت الشهداء لكن أين الدعوة وأين الإسلام؟ ففقه المرحلة كان هاماً جداً، ووجود المثال النبوي الحكيم في إخفاء الإسلام في مثل هذا الظرف كان معلماً لهم، وكان مؤيداً لمنهجهم، كان معهم دليل شرعي قوي يؤيد هذه السرية.
اختلفت الظروف بعد ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتبعية سيختلف منهجه صلى الله عليه وسلم في إيصال دعوته للناس وفي تربيته للمؤمنين، سيأتي زمان بعد هذا يُعلن فيه البعض إسلامهم ويكتم المعظم، مثل إسلام سيدنا عمر وسيدنا حمزة رضي الله عنهما، وسيأتي زمان يعلن الجميع وتكون التربية في العلن، وذلك بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وسيأتي زمان سيدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه زعماء العالم إلى الإسلام، وهذا بعد صلح الحديبية، كل هذا سيحدث؛ حتى لا يأتي أحد من المسلمين ويستشهد بفعل من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم والظروف مختلفة، وإلا فلماذا هذا التنوع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ليعلمنا الحكمة الحقيقية في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله عند تشابه الظروف.
ضرورة الحفاظ على الدعوة بالسرية
نخرج من موقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند بدء الدعوة بقاعدة مهمة: وهي أن الدعاة مطالبون بالحفاظ على أنفسهم وعلى حياتهم لا لخوفهم من الموت، فالموت في سبيل الله في حد ذاته غاية، ولكن حفاظاً على الدين وعلى الإسلام، وعلى استمرار المسيرة، أي: أن العملية ليست عملية ملل من الدعوة أو الحياة أو الأعداء، لا، فهنا نظام وحكمة ومنهج ثابت.
ومن هذا أخذ العلماء حكماً فقهياً مشهوراً وهو: أنه يجوز للجيش المسلم أن يفر من مثليه، وقد بوب له الفقهاء باسم: باب جواز الفرار من المثلين، كما يقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} [الأنفال:66] الفقهاء قالوا: لو أن العدد أكبر من الضعف، أي: مائة مقاتل يقابلهم ثلاثمائة أو أربعمائة مقاتل يجوز لهم القتال ويجوز لهم الفرار حسب ما يرى القائد، بل إن الإمام مالك رحمه الله قال: يجوز الفرار من المثل، وليس من المثلين، وقال: إذا كان العدو أعتد جواداً وأجود سلاحاً وأشد قوة، وغلب على ظن قائد المسلمين الهلكة، وأخذ في الحسبان العوامل الأخرى غير العدد بل ذهب العز بن عبد السلام إلى أبعد من ذلك، فقال: إذا لم تحصل النكاية في العدو.
أي: لو أنك تحارب عدوك وأنت متأكد أنك لا تستطيع أن تؤذي عدوك فلا تقاتله، قال: إذا لم تحصل النكاية في العدو وجب الانهزام؛ لما في الثبوت من فوات النفس مع شفاء صدور الكافرين، أي: أن النفس ستذهب والمسلمون سوف يموتون، والكفار لن يحصل فيهم أي أثر، بل سيزيد الكفر؛ لأن المسلمين قلوا.
ويقول العز بن عبد السلام: وقد صار الثبوت هنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة.
أي: أنه يأثم المسلم بإظهار نفسه إذا كان الاختفاء والانسحاب هو الألزم للمرحلة، وهذا إدراك لسلوك المسلم وسلوك الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المواقف.
نخرج من موقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند بدء الدعوة بقاعدة مهمة: وهي أن الدعاة مطالبون بالحفاظ على أنفسهم وعلى حياتهم لا لخوفهم من الموت، فالموت في سبيل الله في حد ذاته غاية، ولكن حفاظاً على الدين وعلى الإسلام، وعلى استمرار المسيرة، أي: أن العملية ليست عملية ملل من الدعوة أو الحياة أو الأعداء، لا، فهنا نظام وحكمة ومنهج ثابت.
ومن هذا أخذ العلماء حكماً فقهياً مشهوراً وهو: أنه يجوز للجيش المسلم أن يفر من مثليه، وقد بوب له الفقهاء باسم: باب جواز الفرار من المثلين، كما يقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} [الأنفال:66] الفقهاء قالوا: لو أن العدد أكبر من الضعف، أي: مائة مقاتل يقابلهم ثلاثمائة أو أربعمائة مقاتل يجوز لهم القتال ويجوز لهم الفرار حسب ما يرى القائد، بل إن الإمام مالك رحمه الله قال: يجوز الفرار من المثل، وليس من المثلين، وقال: إذا كان العدو أعتد جواداً وأجود سلاحاً وأشد قوة، وغلب على ظن قائد المسلمين الهلكة، وأخذ في الحسبان العوامل الأخرى غير العدد بل ذهب العز بن عبد السلام إلى أبعد من ذلك، فقال: إذا لم تحصل النكاية في العدو.
أي: لو أنك تحارب عدوك وأنت متأكد أنك لا تستطيع أن تؤذي عدوك فلا تقاتله، قال: إذا لم تحصل النكاية في العدو وجب الانهزام؛ لما في الثبوت من فوات النفس مع شفاء صدور الكافرين، أي: أن النفس ستذهب والمسلمون سوف يموتون، والكفار لن يحصل فيهم أي أثر، بل سيزيد الكفر؛ لأن المسلمين قلوا.
ويقول العز بن عبد السلام: وقد صار الثبوت هنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة.
أي: أنه يأثم المسلم بإظهار نفسه إذا كان الاختفاء والانسحاب هو الألزم للمرحلة، وهذا إدراك لسلوك المسلم وسلوك الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المواقف.
الفرق بين المحافظة على الدعوة والمحافظة على النفس
هناك نقطتان مهمتان لتكتمل الصورة: النقطة الأولى: أن الفارق بين الحكمة في الحفاظ على النفس وبين الجبن خطوة، فمن الممكن أن يقول شخص: أنا أحافظ على نفسي؛ لأن المرحلة تريد هذا، فلا يقول كلمة حق ولا يجاهد، ولا يدعو إلى الله، ولا أي شيء أبداً في سبيل الله، بينما الدافع الحقيقي وراء هذا الركون أو القعود هو الجبن والخوف من مواجهة الباطل.
إذاً: كيف نفرق بين الحكيم الذي يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين الجبان الذي لا يريد أن يحمل هم الدعوة؟ أولاً: يرجع في ذلك إلى الدليل الشرعي من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك أن يكون موقفه هذا يشبه موقف الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أخذ بالسرية.
ثانياً: الورع والإيمان والتقوى الذي في قلب الإنسان، والله سبحانه وتعالى هو المطّلع على القلوب ويراك، وأنت أولاً وآخراً تتعامل مع الله سبحانه وتعالى.
ثالثاً: الرأي المشار إليه من قبل القائد والجماعة والشورى في هذه المرحلة، والشورى في غاية الأهمية وهكذا يمكن أن يخرج عامل الهوى، ونستطيع أن نفرق بين الحكيم وبين الجبان.
النقطة الثانية: أن الذي يُراعى هو مصلحة المسلمين والإسلام عموماً، وليس مصلحة الفرد، أي: أنه قد يهلك الفرد وتكون الهلكة محققة، لكن هذا في مصلحة المجموعة، هنا لا يُلتفت إلى الحفاظ على الفرد؛ لأننا نحافظ على الدين بصفة عامة، وعلى الأمة أو المصلحة العامة، أي: أنه سيأتي بعد ثلاث سنين من هذا الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يجهر بدعوته، وستكون هناك خطورة حقيقية عليه، لكن المصلحة الأعم للدعوة أنه يُعلن، وسيأتي بعد فترة يبعث مصعب بن عمير إلى المدينة المنورة، وسيكون هناك خطورة حقيقية على مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه، ففي المدينة المشركين واليهود وغيرهم، لكن المصلحة المتحققة أعلى، فيُضحى بمصلحة مصعب بن عمير على حساب تحقيق مصلحة أكبر للدعوة، من الذي يحكم في النهاية؟ الشورى والقائد، ومن المؤكد أن الهوى سيدخل إذا لم تدخل الشورى أو القائد في الموضوع.
وقد يكون من الهوى أن يموت؛ لأنه لم يتحمل الظلم الواقع على المسلمين، ولا يستحمل أن الكفر له الغلبة، فيحاول أن يتخلص من الأمر بالتسرع في إعلان نفسه، أو التسرع بالقتال في سبيل الله، أو في إظهار أمر الدعوة في مكان لا يستقيم أن يُظهر فيه أمر الدعوة في هذه المرحلة، كل هذا قد يكون هوى في قلب الإنسان، والله سبحانه وتعالى يريد منك تصرفاً آخر، ولهذا نؤكد دائماً على الشورى والرجوع إلى قائد المسلمين.
هناك نقطتان مهمتان لتكتمل الصورة: النقطة الأولى: أن الفارق بين الحكمة في الحفاظ على النفس وبين الجبن خطوة، فمن الممكن أن يقول شخص: أنا أحافظ على نفسي؛ لأن المرحلة تريد هذا، فلا يقول كلمة حق ولا يجاهد، ولا يدعو إلى الله، ولا أي شيء أبداً في سبيل الله، بينما الدافع الحقيقي وراء هذا الركون أو القعود هو الجبن والخوف من مواجهة الباطل.
إذاً: كيف نفرق بين الحكيم الذي يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين الجبان الذي لا يريد أن يحمل هم الدعوة؟ أولاً: يرجع في ذلك إلى الدليل الشرعي من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك أن يكون موقفه هذا يشبه موقف الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أخذ بالسرية.
ثانياً: الورع والإيمان والتقوى الذي في قلب الإنسان، والله سبحانه وتعالى هو المطّلع على القلوب ويراك، وأنت أولاً وآخراً تتعامل مع الله سبحانه وتعالى.
ثالثاً: الرأي المشار إليه من قبل القائد والجماعة والشورى في هذه المرحلة، والشورى في غاية الأهمية وهكذا يمكن أن يخرج عامل الهوى، ونستطيع أن نفرق بين الحكيم وبين الجبان.
النقطة الثانية: أن الذي يُراعى هو مصلحة المسلمين والإسلام عموماً، وليس مصلحة الفرد، أي: أنه قد يهلك الفرد وتكون الهلكة محققة، لكن هذا في مصلحة المجموعة، هنا لا يُلتفت إلى الحفاظ على الفرد؛ لأننا نحافظ على الدين بصفة عامة، وعلى الأمة أو المصلحة العامة، أي: أنه سيأتي بعد ثلاث سنين من هذا الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يجهر بدعوته، وستكون هناك خطورة حقيقية عليه، لكن المصلحة الأعم للدعوة أنه يُعلن، وسيأتي بعد فترة يبعث مصعب بن عمير إلى المدينة المنورة، وسيكون هناك خطورة حقيقية على مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه، ففي المدينة المشركين واليهود وغيرهم، لكن المصلحة المتحققة أعلى، فيُضحى بمصلحة مصعب بن عمير على حساب تحقيق مصلحة أكبر للدعوة، من الذي يحكم في النهاية؟ الشورى والقائد، ومن المؤكد أن الهوى سيدخل إذا لم تدخل الشورى أو القائد في الموضوع.
وقد يكون من الهوى أن يموت؛ لأنه لم يتحمل الظلم الواقع على المسلمين، ولا يستحمل أن الكفر له الغلبة، فيحاول أن يتخلص من الأمر بالتسرع في إعلان نفسه، أو التسرع بالقتال في سبيل الله، أو في إظهار أمر الدعوة في مكان لا يستقيم أن يُظهر فيه أمر الدعوة في هذه المرحلة، كل هذا قد يكون هوى في قلب الإنسان، والله سبحانه وتعالى يريد منك تصرفاً آخر، ولهذا نؤكد دائماً على الشورى والرجوع إلى قائد المسلمين.
فقه اختيار المدعوين في المرحلة السرية
كان الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في السنوات الثلاث الأولى لا يتحدثون بالإسلام إلا سراً لرجال معينين يختارون لهذا، لكن كيف كان يتم هذا الاختيار؟ ما السبب في أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أبا بكر يذهب لدعوة عثمان بن عفان ولم يذهب إلى الوليد بن المغيرة أو لـ أبي جهل أو أمية بن خلف؟ من الواضح أن هناك قواعد دقيقة لهذا؛ لأننا لم نسمع أن اختيارهم كان خطأ، بل كل الذين اختاروهم وأسروا إليهم بالإسلام قبلوه.
وهذا شيء مهم: أنك تعرف من الذي لو عرضت عليه أمر الدين قَبِلَه في الغالب، بهذا ستوفر مجهوداً كبيراً، وفي نفس الوقت ستنجح، وتبني لك قاعدة قوية.
بالنظر إلى السابقين إلى الإسلام نستطيع أن نخرج بقواعد مهمة، وسبق أن ذكرنا قاعدة في دعوة المدعوين، وهي الحب أولاً، لكن هناك قاعدتان في غاية الأهمية أيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعملهما في اختيار الناس: القاعدة الأولى: الحكمة النبوية العظيمة، (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا).
الاختيار كان يقع غالباً على أصحاب الأخلاق الحسنة والأخلاق الحميدة، الذين يعظّمون الصدق والأمانة والكرم والشجاعة والعدل ومكارم الأخلاق، هناك كثير من الناس غير ملتزم بالإسلام، لكنه يحب الأخلاق الطيبة، هؤلاء لو التزموا بالدين سيكونون خير سند للدعوة، وبهؤلاء بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القاعدة الثانية: التركيز على الشباب، نعم الدعوة موجهة لكل الأعمار، لكن التركيز على الشباب في الفترة الأولى كان واضحاً، لأسباب: أولاً: أن الشباب لم يَطُل عليهم الأمد في الاستمرار على تقاليد معينة، ولم يعتادوا على عبادة الأصنام لسنوات طويلة، ولم يتمسكوا بالدفاع عنها، فأنت عندما تذهب للكلام مع غير الشباب، وتقول له: أنت لك (40) سنة أو (50) سنة تدافع عن قضية باطلة، كيف يمكن له أن يؤمن بكلامك؟ صعب، لكن الشباب أيسر بكثير، لم تتلوث عقولهم بأفكار خاطئة، ومن ثم يستطيعون تقبل الفكرة الإسلامية بسهولة.
ثانياً: أن الشباب بصفة عامة مولعون بالجديد، لذلك تجد أكثر المقلدين للموضات هم الشباب مهما كانت، حتى لو كانت لا تتوافق مع هواهم، لكن المهم أنها شيء جديد.
ثالثاً: أن الله سبحانه وتعالى أعطى الشباب حماسة عالية، وحمية ونشاطاً، لا يعترفون بالصعب، بل تستطيع أن تقول: لا يعترفون بالمستحيل، وحمل الإسلام صعب وشاق يحتاج إلى عزيمة الشباب، وليس معنى هذا أن الشيوخ ليس لهم مكان في حمل دعوة الإسلام، لكن فرصة إيمان الشباب وفرصة حركة الشباب للدعوة بعد الإيمان، وفرصة ثبات الشباب على الحق وتحديه للصعاب والمشاكل أكبر من فرصة الشيوخ، ومن المؤكد أيضاً أن الدعوة تحتاج إلى الشيوخ وحكمتهم بجانب حماسة الشباب.
كل هذا الكلام جعل التركيز الأول على الشباب ذي الأخلاق الطيبة والحسنة، فهؤلاء هم الذين يمكنهم أن يتحملوا الدعوة، سواء في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في الأزمان اللاحقة، أو في زماننا هذا وإلى يوم القيامة.
هذه سنة من سنن الله عز وجل في التغيير.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في السنوات الثلاث الأولى لا يتحدثون بالإسلام إلا سراً لرجال معينين يختارون لهذا، لكن كيف كان يتم هذا الاختيار؟ ما السبب في أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أبا بكر يذهب لدعوة عثمان بن عفان ولم يذهب إلى الوليد بن المغيرة أو لـ أبي جهل أو أمية بن خلف؟ من الواضح أن هناك قواعد دقيقة لهذا؛ لأننا لم نسمع أن اختيارهم كان خطأ، بل كل الذين اختاروهم وأسروا إليهم بالإسلام قبلوه.
وهذا شيء مهم: أنك تعرف من الذي لو عرضت عليه أمر الدين قَبِلَه في الغالب، بهذا ستوفر مجهوداً كبيراً، وفي نفس الوقت ستنجح، وتبني لك قاعدة قوية.
بالنظر إلى السابقين إلى الإسلام نستطيع أن نخرج بقواعد مهمة، وسبق أن ذكرنا قاعدة في دعوة المدعوين، وهي الحب أولاً، لكن هناك قاعدتان في غاية الأهمية أيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعملهما في اختيار الناس: القاعدة الأولى: الحكمة النبوية العظيمة، (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا).
الاختيار كان يقع غالباً على أصحاب الأخلاق الحسنة والأخلاق الحميدة، الذين يعظّمون الصدق والأمانة والكرم والشجاعة والعدل ومكارم الأخلاق، هناك كثير من الناس غير ملتزم بالإسلام، لكنه يحب الأخلاق الطيبة، هؤلاء لو التزموا بالدين سيكونون خير سند للدعوة، وبهؤلاء بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القاعدة الثانية: التركيز على الشباب، نعم الدعوة موجهة لكل الأعمار، لكن التركيز على الشباب في الفترة الأولى كان واضحاً، لأسباب: أولاً: أن الشباب لم يَطُل عليهم الأمد في الاستمرار على تقاليد معينة، ولم يعتادوا على عبادة الأصنام لسنوات طويلة، ولم يتمسكوا بالدفاع عنها، فأنت عندما تذهب للكلام مع غير الشباب، وتقول له: أنت لك (40) سنة أو (50) سنة تدافع عن قضية باطلة، كيف يمكن له أن يؤمن بكلامك؟ صعب، لكن الشباب أيسر بكثير، لم تتلوث عقولهم بأفكار خاطئة، ومن ثم يستطيعون تقبل الفكرة الإسلامية بسهولة.
ثانياً: أن الشباب بصفة عامة مولعون بالجديد، لذلك تجد أكثر المقلدين للموضات هم الشباب مهما كانت، حتى لو كانت لا تتوافق مع هواهم، لكن المهم أنها شيء جديد.
ثالثاً: أن الله سبحانه وتعالى أعطى الشباب حماسة عالية، وحمية ونشاطاً، لا يعترفون بالصعب، بل تستطيع أن تقول: لا يعترفون بالمستحيل، وحمل الإسلام صعب وشاق يحتاج إلى عزيمة الشباب، وليس معنى هذا أن الشيوخ ليس لهم مكان في حمل دعوة الإسلام، لكن فرصة إيمان الشباب وفرصة حركة الشباب للدعوة بعد الإيمان، وفرصة ثبات الشباب على الحق وتحديه للصعاب والمشاكل أكبر من فرصة الشيوخ، ومن المؤكد أيضاً أن الدعوة تحتاج إلى الشيوخ وحكمتهم بجانب حماسة الشباب.
كل هذا الكلام جعل التركيز الأول على الشباب ذي الأخلاق الطيبة والحسنة، فهؤلاء هم الذين يمكنهم أن يتحملوا الدعوة، سواء في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في الأزمان اللاحقة، أو في زماننا هذا وإلى يوم القيامة.
هذه سنة من سنن الله عز وجل في التغيير.
ثمار الصديق الدعوية في الدعوة السرية إلى الإسلام
في اليوم الثاني من أيام الدعوة بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأوائل يتحركون لانتقاء عناصر جديدة.
ولنا وقفة مهمة مع حركة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان الصديق إيجابياً بدرجة لا يمكن وصفها، كان يتحرك بالدعوة وكأنها أُنزلت عليه، لم تكن الدعوة عنده مجرد تكاليف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحب الإسلام ويريد من الناس جميعاً أن يعرفوه، وفي نفس الوقت كان يحب كل الناس، وهذا الحب للدين وللناس نتج عنه حماسة دعوية على أعلى مستوى، ففي أول تحرك له أتى بمجموعة وليس فرداً، أتى بالأسماء الذين سأذكرهم، وأريدك أن تقف عند كل اسم وتتأمل صاحب هذا الاسم وتاريخ وقصة حياته، لتعرف ميزان الصديق عند الله عز وجل.
الاسم الأول: عثمان بن عفان.
قف وفكر في سيرة عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وفي تجهيز جيش العسرة جيش تبوك، وشراء بئر رومة، وتوسعة المسجد النبوي، وخلافة المسلمين (12) سنة، حياة طويلة من الإنفاق والجهاد والدعوة والعلم والصيام والقيام وقراءة القرآن.
فـ عثمان بن عفان حسنة من حسنات الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
الاسم الثاني: الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه.
الاسم الثالث: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه.
ولن أفصل في سيرة هؤلاء؛ فكل واحد منهم يعتبر علماً ومنارة من منارات الإسلام.
الاسم الرابع: طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه.
الاسم الخامس: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه.
فهؤلاء الخمسة جميعهم من العشرة المبشرين بالجنة، وهؤلاء لم يغيروا طعاماً أو شراباً، أو سكناً، وإنما غيروا ديانة وعقيدة، فمكة لها مئات السنين وهي تعيش في الشرك، فما ذلك الإقناع الذي كان عند الصديق حتى أقنع هؤلاء الخمسة العمالقة بأمر الإسلام؟ ما مقدار الصدق الذي في قلب الصديق رضي الله عنه وأرضاه حتى يهدي الله عز وجل على يده هؤلاء الخمسة العظام.
الغريب أن هؤلاء الخمسة لم يكونوا من قبيلة بني تيم، قبيلة الصديق رضي الله عنه باستثناء طلحة بن عبيد الله فـ عثمان أموي، والزبير أسدي، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، لكن من المؤكد أن علاقات الصديق كانت بهم قوية جداً ووثيقة قبل الإسلام، ليس من المعقول أن يتعرف عليهم بالصدفة وفي وقت إسلامهم، وإنما من المؤكد أنهم كانوا يحبونه حباً عظيماً، وبعد هذا يأتي الإقناع وتأتي الحجة.
ثم لو نظرنا إلى أعمار هؤلاء فـ الزبير بن العوام رضي الله عنه كان عمره (15) سنة، وعندما تسمع اسم الزبير بن العوام تعتقد أن عمره (40) أو (50) سنة.
وكان عمر طلحة بن عبيد الله (16) سنة.
وسعد بن أبي وقاص خال رسول الله صلى الله عليه وسلم له تاريخ طويل وجهاد وفتوح وكان عمره حين أسلم (17) سنة.
أما عثمان بن عفان فقد كان كبيراً بالنسبة لهم، كان عمره حين أسلم (28) سنة.
كذلك عبد الرحمن بن عوف كان عمره حين أسلم (30) سنة.
كل هؤلاء أخذوا قرار تغيير الدين والارتباط بالإسلام وتحمل المشاق الضخمة في هذه السن المبكرة! فـ الزبير وطلحة وسعد لو كانوا في زماننا فلا يزالون في المرحلة الثانوية، فهل أولادنا في المرحلة الثانوية عندهم من الوعي والإدراك وتحمل المسئولية والقدرة على الفهم والتفكير مثل هؤلاء؟ هل عندهم من القدرات التي كانت عند شباب الصحابة؟ والله إننا لنحزن عندما نرى أن بعض الشباب في هذه المرحلة العمرية الثمينة جداً فرغت عقولهم تماماً من كل ما هو ثمين أو قيم، ولو بحثت في عقولهم لم تجد إلا بعض الأغنيات والمسلسلات والمباريات، وقصات الشعر والفيديو ورسائل الموبايل مع أن كثيراً منهم نشئوا في بيوت مسلمة، ومن آباء وأمهات مسلمين، وربما نشئوا في بيئة إسلامية صالحة، لم يكونوا في بيوت كافرة كبيت الزبير بن العوام أو طلحة بن عبيد الله أو سعد بن أبي وقاص.
إذاً: أين المشكلة؟! نعم.
هناك دور كبير جداً راجع لفساد الإعلام والتعليم، لكن نحن أيضاً علينا جزء كبير، لعلنا لم نعط الشباب الوقت الكافي من حياتنا، أو أننا نستصغر عقولهم وأفكارهم، فينتهي من الثانوية والجامعة والجيش ويتزوج، وهو لا يزال أيضاً صغيراً، والبلوغ العقلي عندنا (40) سنة! وعند ذلك لا يعتمد على نفسه، ولا يعتمد عليه مجتمعه.
هذا الشيء في الحقيقة يحتاج منا إلى وقفة كبيرة جداً، الشباب إمكانيات هائلة، لو وقفت مع الشباب وأعطيتهم وقتاً وتربية وجهداً ستأخذ منهم كما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من
في اليوم الثاني من أيام الدعوة بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأوائل يتحركون لانتقاء عناصر جديدة.
ولنا وقفة مهمة مع حركة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان الصديق إيجابياً بدرجة لا يمكن وصفها، كان يتحرك بالدعوة وكأنها أُنزلت عليه، لم تكن الدعوة عنده مجرد تكاليف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحب الإسلام ويريد من الناس جميعاً أن يعرفوه، وفي نفس الوقت كان يحب كل الناس، وهذا الحب للدين وللناس نتج عنه حماسة دعوية على أعلى مستوى، ففي أول تحرك له أتى بمجموعة وليس فرداً، أتى بالأسماء الذين سأذكرهم، وأريدك أن تقف عند كل اسم وتتأمل صاحب هذا الاسم وتاريخ وقصة حياته، لتعرف ميزان الصديق عند الله عز وجل.
الاسم الأول: عثمان بن عفان.
قف وفكر في سيرة عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وفي تجهيز جيش العسرة جيش تبوك، وشراء بئر رومة، وتوسعة المسجد النبوي، وخلافة المسلمين (12) سنة، حياة طويلة من الإنفاق والجهاد والدعوة والعلم والصيام والقيام وقراءة القرآن.
فـ عثمان بن عفان حسنة من حسنات الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
الاسم الثاني: الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه.
الاسم الثالث: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه.
ولن أفصل في سيرة هؤلاء؛ فكل واحد منهم يعتبر علماً ومنارة من منارات الإسلام.
الاسم الرابع: طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه.
الاسم الخامس: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه.
فهؤلاء الخمسة جميعهم من العشرة المبشرين بالجنة، وهؤلاء لم يغيروا طعاماً أو شراباً، أو سكناً، وإنما غيروا ديانة وعقيدة، فمكة لها مئات السنين وهي تعيش في الشرك، فما ذلك الإقناع الذي كان عند الصديق حتى أقنع هؤلاء الخمسة العمالقة بأمر الإسلام؟ ما مقدار الصدق الذي في قلب الصديق رضي الله عنه وأرضاه حتى يهدي الله عز وجل على يده هؤلاء الخمسة العظام.
الغريب أن هؤلاء الخمسة لم يكونوا من قبيلة بني تيم، قبيلة الصديق رضي الله عنه باستثناء طلحة بن عبيد الله فـ عثمان أموي، والزبير أسدي، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، لكن من المؤكد أن علاقات الصديق كانت بهم قوية جداً ووثيقة قبل الإسلام، ليس من المعقول أن يتعرف عليهم بالصدفة وفي وقت إسلامهم، وإنما من المؤكد أنهم كانوا يحبونه حباً عظيماً، وبعد هذا يأتي الإقناع وتأتي الحجة.
ثم لو نظرنا إلى أعمار هؤلاء فـ الزبير بن العوام رضي الله عنه كان عمره (15) سنة، وعندما تسمع اسم الزبير بن العوام تعتقد أن عمره (40) أو (50) سنة.
وكان عمر طلحة بن عبيد الله (16) سنة.
وسعد بن أبي وقاص خال رسول الله صلى الله عليه وسلم له تاريخ طويل وجهاد وفتوح وكان عمره حين أسلم (17) سنة.
أما عثمان بن عفان فقد كان كبيراً بالنسبة لهم، كان عمره حين أسلم (28) سنة.
كذلك عبد الرحمن بن عوف كان عمره حين أسلم (30) سنة.
كل هؤلاء أخذوا قرار تغيير الدين والارتباط بالإسلام وتحمل المشاق الضخمة في هذه السن المبكرة! فـ الزبير وطلحة وسعد لو كانوا في زماننا فلا يزالون في المرحلة الثانوية، فهل أولادنا في المرحلة الثانوية عندهم من الوعي والإدراك وتحمل المسئولية والقدرة على الفهم والتفكير مثل هؤلاء؟ هل عندهم من القدرات التي كانت عند شباب الصحابة؟ والله إننا لنحزن عندما نرى أن بعض الشباب في هذه المرحلة العمرية الثمينة جداً فرغت عقولهم تماماً من كل ما هو ثمين أو قيم، ولو بحثت في عقولهم لم تجد إلا بعض الأغنيات والمسلسلات والمباريات، وقصات الشعر والفيديو ورسائل الموبايل مع أن كثيراً منهم نشئوا في بيوت مسلمة، ومن آباء وأمهات مسلمين، وربما نشئوا في بيئة إسلامية صالحة، لم يكونوا في بيوت كافرة كبيت الزبير بن العوام أو طلحة بن عبيد الله أو سعد بن أبي وقاص.
إذاً: أين المشكلة؟! نعم.
هناك دور كبير جداً راجع لفساد الإعلام والتعليم، لكن نحن أيضاً علينا جزء كبير، لعلنا لم نعط الشباب الوقت الكافي من حياتنا، أو أننا نستصغر عقولهم وأفكارهم، فينتهي من الثانوية والجامعة والجيش ويتزوج، وهو لا يزال أيضاً صغيراً، والبلوغ العقلي عندنا (40) سنة! وعند ذلك لا يعتمد على نفسه، ولا يعتمد عليه مجتمعه.
هذا الشيء في الحقيقة يحتاج منا إلى وقفة كبيرة جداً، الشباب إمكانيات هائلة، لو وقفت مع الشباب وأعطيتهم وقتاً وتربية وجهداً ستأخذ منهم كما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من
سبب نجاح الصديق في الدعوة إلى الله تعالى
هذا النشاط يحتاج إلى وقفة وتحليل ودراسة، ما معنى أن تكون دعوة الصديق بهذه الروعة؟ لماذا استُجيب للصديق بهذه الصورة؟ أعتقد أن المسألة ليست مجرد حركة، فهناك كثرة من المسلمين ومن الدعاة تتحرك في سبيل الله، لكنها تنفر الناس من دين الله عز وجل، فهم يتحركون وعندهم صدق في الحركة، لكن الأسلوب أو الهيئة أو الطريقة لا تناسب الوضع والشكل الذي كان عليه الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لبعض المسلمين: (يا أيها الناس! إن منكم منفرين) أي: بعض الدعاة ينفرون الناس من الإسلام عكس المطلوب تماماً، فما الذي جعل الناس تستمع لكلام الصديق رضي الله عنه؟ أولاً: كان الصديق -كما يقول طلحة بن عبيد الله - رجلاً سهلاً محبباً موطأ الأكناف، أي: ليّن الجانب، وببساطة ليس بالفظ ولا بالغليظ.
هذه أول سمة: أن تكون لين الجانب مع الذي تدعوه، واترك العنف.
ثانياً: كان تاجراً ذا خلق واستقامة، وهذا شيء في منتهى الأهمية.
المال فتنة، وكثير من التجار يخسرون الناس بسبب التجارة، لكن الصديق كان عكس هذا تماماً، كان يكسب الناس بسبب التجارة كان تاجراً صدوقاً، بل تاجراً صديقاً، كريماً رحيماً، فيه رأفة وأدب وخلق حسن، فكيف يمكن أن يكون حب الناس لإنسان يتصّف بهذا، يعطي الناس ولا يأخذ منهم؟ ثالثاً: يقول طلحة: وكنا نألفه ونحب مجالسه؛ لعلمه بأخبار قريش وحفظه لأنسابها.
أي: أن الصديق كان عالماً بعلم زمانه وهو علم الأنساب، والطبقة المثقفة في مكة كانت تحب أن تجلس معه وتسمع منه الأنساب، أي: أن الصديق ما كان يكتفي بالبسمة فقط أو المال، وإنما كان يعطي علماً أيضاً، وكان من أدبه رضي الله عنه أنه كان لا يطعن في أنساب أحد، مع علمه بكل نقيصة في كل نسب، فهذا من حسن خلقه رضي الله عنه وأرضاه، كيف لا يستجيب الناس لدعوته وهو بهذه الصفات؟ إذاً: هذه الدعوة لم تأت من فراغ، ولم تكن مصادفة أن يستجيب هذا العدد العظيم من عمالقة الإسلام للصديق رضي الله عنه.
إذا أردت أن تكون داعية فادرس سيرة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو من خير الدعاة بعد رسول الله.
وهنا نقف وقفة مع أنفسنا ونسأل: أتى الصديق بهؤلاء ونحن بمن أتينا؟ أجب على هذا السؤال بينك وبين نفسك، وليس بالضرورة أن تأتي بغير المسلمين إلى الإسلام، أو برجال أمثال عثمان والزبير لكن أين الحركة للدين؟ هل وصلت دعوتنا إلى المسلمين غير الملتزمين بالإسلام بنفس حمية وحماسة الصديق رضي الله عنه وأرضاه؟ هل أتينا إلى المسجد بمسلم لا يعرف طريق المساجد؟ هل دفعنا بمسلم إلى قراءة القرآن بعد أن هجره السنوات الطوال؟ هل شرحنا لمسلم حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وقد نسيهم أو تناساهم؟ هل هذّبنا من أخلاق أبنائنا وأصحابنا وشركائنا وزبائننا وجيراننا؟ هل وصلنا بالدعوة إلى كل من نعرف؟ هل؟ هل؟ أسئلة كثيرة جداً لمجالات من العمل لا تحصى ولا تعد، أبواب الدعوة لا حصر لها، المهم أن يتولد في القلب شعور بأنك أنت وحدك الذي تحمل هم الإسلام كله على كتفك، تشعر أنك أنت المسئول، وأن القضية قضيتك، وأن المهمة مهمتك.
هذا هو الدرس الذي نأخذه من الصديق، ولو استمعنا للقصة لمجرد التمتع بها لن نفهم الغرض من هذه المجموعة من الدروس: كيف نبني أمة؟
هذا النشاط يحتاج إلى وقفة وتحليل ودراسة، ما معنى أن تكون دعوة الصديق بهذه الروعة؟ لماذا استُجيب للصديق بهذه الصورة؟ أعتقد أن المسألة ليست مجرد حركة، فهناك كثرة من المسلمين ومن الدعاة تتحرك في سبيل الله، لكنها تنفر الناس من دين الله عز وجل، فهم يتحركون وعندهم صدق في الحركة، لكن الأسلوب أو الهيئة أو الطريقة لا تناسب الوضع والشكل الذي كان عليه الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لبعض المسلمين: (يا أيها الناس! إن منكم منفرين) أي: بعض الدعاة ينفرون الناس من الإسلام عكس المطلوب تماماً، فما الذي جعل الناس تستمع لكلام الصديق رضي الله عنه؟ أولاً: كان الصديق -كما يقول طلحة بن عبيد الله - رجلاً سهلاً محبباً موطأ الأكناف، أي: ليّن الجانب، وببساطة ليس بالفظ ولا بالغليظ.
هذه أول سمة: أن تكون لين الجانب مع الذي تدعوه، واترك العنف.
ثانياً: كان تاجراً ذا خلق واستقامة، وهذا شيء في منتهى الأهمية.
المال فتنة، وكثير من التجار يخسرون الناس بسبب التجارة، لكن الصديق كان عكس هذا تماماً، كان يكسب الناس بسبب التجارة كان تاجراً صدوقاً، بل تاجراً صديقاً، كريماً رحيماً، فيه رأفة وأدب وخلق حسن، فكيف يمكن أن يكون حب الناس لإنسان يتصّف بهذا، يعطي الناس ولا يأخذ منهم؟ ثالثاً: يقول طلحة: وكنا نألفه ونحب مجالسه؛ لعلمه بأخبار قريش وحفظه لأنسابها.
أي: أن الصديق كان عالماً بعلم زمانه وهو علم الأنساب، والطبقة المثقفة في مكة كانت تحب أن تجلس معه وتسمع منه الأنساب، أي: أن الصديق ما كان يكتفي بالبسمة فقط أو المال، وإنما كان يعطي علماً أيضاً، وكان من أدبه رضي الله عنه أنه كان لا يطعن في أنساب أحد، مع علمه بكل نقيصة في كل نسب، فهذا من حسن خلقه رضي الله عنه وأرضاه، كيف لا يستجيب الناس لدعوته وهو بهذه الصفات؟ إذاً: هذه الدعوة لم تأت من فراغ، ولم تكن مصادفة أن يستجيب هذا العدد العظيم من عمالقة الإسلام للصديق رضي الله عنه.
إذا أردت أن تكون داعية فادرس سيرة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو من خير الدعاة بعد رسول الله.
وهنا نقف وقفة مع أنفسنا ونسأل: أتى الصديق بهؤلاء ونحن بمن أتينا؟ أجب على هذا السؤال بينك وبين نفسك، وليس بالضرورة أن تأتي بغير المسلمين إلى الإسلام، أو برجال أمثال عثمان والزبير لكن أين الحركة للدين؟ هل وصلت دعوتنا إلى المسلمين غير الملتزمين بالإسلام بنفس حمية وحماسة الصديق رضي الله عنه وأرضاه؟ هل أتينا إلى المسجد بمسلم لا يعرف طريق المساجد؟ هل دفعنا بمسلم إلى قراءة القرآن بعد أن هجره السنوات الطوال؟ هل شرحنا لمسلم حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وقد نسيهم أو تناساهم؟ هل هذّبنا من أخلاق أبنائنا وأصحابنا وشركائنا وزبائننا وجيراننا؟ هل وصلنا بالدعوة إلى كل من نعرف؟ هل؟ هل؟ أسئلة كثيرة جداً لمجالات من العمل لا تحصى ولا تعد، أبواب الدعوة لا حصر لها، المهم أن يتولد في القلب شعور بأنك أنت وحدك الذي تحمل هم الإسلام كله على كتفك، تشعر أنك أنت المسئول، وأن القضية قضيتك، وأن المهمة مهمتك.
هذا هو الدرس الذي نأخذه من الصديق، ولو استمعنا للقصة لمجرد التمتع بها لن نفهم الغرض من هذه المجموعة من الدروس: كيف نبني أمة؟
عالمية دعوة الإسلام وقاعدة المفاضلة بين الناس في الدين الإسلامي
تزايد عدد المسلمين، والقاعدة الأصيلة التي تحكم هي: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا) لم تكن تحكم المسلمين أي قاعدة من القواعد التي اخترعها الناس للتفرقة، القواعد التي اخترعها الناس ظالمة، والله عز وجل عادل لا يظلم، وعدله مطلق سبحانه وتعالى لا ظلم فيه، لا تكون المفاضلة بين الناس إلا بأمور يستطيعون تغييرها، لكن لا ينفع التفاضل بأشياء ليس لهم يد فيها.
فمثلاً: المفاضلة في قانون الله تعالى تكون بالتقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وهي شيء مكتسب، فلكي تتحول من غير تقي إلى تقي فالطريق واضح في الدين، كذلك الأخلاق الحسنة هي شيء مكتسب، نعم لها جذور فطرية، والإنسان يكون مجبولاً على الكرم والصدق، لكن في النهاية الأخلاق الحميدة شيء مكتسب، تستطيع إذا أردت أن تتحول من كاذب إلى صادق، أو من خائن إلى وفي، أو من جبان إلى شجاع وهكذا، وعندها يمكن التفضيل بين واحد وآخر على أساس التقوى وعلى أساس الأخلاق.
أيضاً كذلك تستطيع أن تسبق غيرك بالكفاءة.
إذاً: هذه أمور تستخدم للمفاضلة بين الناس: التقوى، الأخلاق، الكفاءة، وجميعها أمور مكتسبة، لكن لا يجوز التفرقة والمفاضلة بين الناس على أشياء لا دخل لهم فيها، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم القواعد الإلهية ولا يستخدم القواعد الظالمة التي اخترعها الناس، فلم يكن هناك فرق بين الأحرار وبين العبيد، فالكل أولاد آدم عليه السلام، والكل سواسية، بل قد يسبق العبد الحر في مجال الأخلاق والتقوى والكفاءة؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وجه دعوته للعبيد كما وجهها للسادة سواء، وهذا كان مستغرباً في البيئة المكية القديمة، وإلى الآن هو أمر مُستغرب، أنا أريد منك أن تتخيل أن الوزير جالس بجوار العسكري في نفس الدعوة، بل قد يُقدّم عليه إذا كان أكفأ وأقدر على إدارة الأمور، فلم يعط قانوناً ولا دستوراً للإنسان حقه مثل ما فعل الإسلام، فنحن نرى في الأوائل الذين أسلموا تباينات عجيبة، كما رأينا من الأشراف من الصديق رضي الله عنه وأرضاه وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وعثمان بن عفان وسعيد بن زيد كل هؤلاء من أشراف مكة، كما رأينا هؤلاء رأينا أيضاً العبيد والموالي، رأينا بلالاً وعامر بن فهيرة وزيد بن حارثة وغيرهم، وليس هذا إلا في دين الإسلام.
أيضاً لم يكن هناك فرق بين الغني والفقير، المال لا يصلح للمفاضلة بين الناس، فالله عز وجل يرزق من يشاء بغير حساب، الأوائل الذين أسلموا كان فيهم الأغنياء واسعو الثراء كـ الصديق وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وكان فيهم أيضاً شديدو الفقر كـ عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسمية بنت خياط وخباب بن الأرت وغيرهم، لم يكن هناك أي فرق بين الغني والفقير.
لكن هنا معلومة هامة، وهي على عكس ما يتخيل كثير من الذين يدرسون السيرة، فهم يعتقدون أن غالبية المسلمين كانوا من الفقراء البسطاء، لكن عندما نأتي نحلل شخصية كل مسلم من المسلمين الأربعين الأوائل سنجد أن الفقراء كانوا (13) والأغنياء كانوا (27)، أي أن (70%) من المسلمين الأوائل كانوا من الأغنياء، ولم تكن هناك ثورة من الفقراء على الأغنياء، كما يحب بعض الاشتراكيين أن يصوروا من ذلك؛ ليأخذوا سنداً شرعياً لاشتراكيتهم، فالوضع كان خلاف هذا تماماً، الأغنياء سعوا إلى هذا الدين القويم الرائع، وضحوا بثرواتهم، وعرّضوا أنفسهم للفقر الشديد، وليس أبلغ من الأمثلة الإسلامية الرائعة كـ الصديق، فقد كان يملك أربعين ألف درهم عندما أسلم، وعندما هاجر كان يملك خمسة آلاف درهم صرفها على الهجرة، أي: أنه أصبح فقيراً بعدما أسلم، ومصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه كان من أغنى أغنياء مكة، ومن أنعم شبانها، ثم أصبح من أشدها فقراً وحاجة، ولم تكن هناك ثورة من الفقراء على الأغنياء، أو عملية تقسيم للثروات على شعب مكة أبداً، لم يكن هناك أي فرق بين الغني والفقير، المهم التقوى.
لم يكن هناك أيضاً فرق بين العرب وغير العرب، أين الذنب في ولادتي، سواء ولدت في مصر أو باكستان أو إندونيسيا أو نيجيريا أو أمريكا أو أي مكان من الأرض؟ المهم التقوى والأخلاق والكفاءة.
دعوة الإسلام ليست دعوة قومية، حتى في هذه البيئة التي تفتخر بعربيتها، فقد ضمت هذه الدعوة بلالاً من الحبشة، وصهيباً الرومي، وبعد سنين ستضم سلمان الفارسي، وستدخل بعد ذلك كل العرقيات من فرس ورومان وسلاجقة وأتراك وأكراد وغيرهم كثير، سيدخل كل هؤلاء إلى دين الإسلام، وكل منهم سيخدم الإسلام في مكانه، لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى.
كذلك لم يكن هناك فر
تزايد عدد المسلمين، والقاعدة الأصيلة التي تحكم هي: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا) لم تكن تحكم المسلمين أي قاعدة من القواعد التي اخترعها الناس للتفرقة، القواعد التي اخترعها الناس ظالمة، والله عز وجل عادل لا يظلم، وعدله مطلق سبحانه وتعالى لا ظلم فيه، لا تكون المفاضلة بين الناس إلا بأمور يستطيعون تغييرها، لكن لا ينفع التفاضل بأشياء ليس لهم يد فيها.
فمثلاً: المفاضلة في قانون الله تعالى تكون بالتقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وهي شيء مكتسب، فلكي تتحول من غير تقي إلى تقي فالطريق واضح في الدين، كذلك الأخلاق الحسنة هي شيء مكتسب، نعم لها جذور فطرية، والإنسان يكون مجبولاً على الكرم والصدق، لكن في النهاية الأخلاق الحميدة شيء مكتسب، تستطيع إذا أردت أن تتحول من كاذب إلى صادق، أو من خائن إلى وفي، أو من جبان إلى شجاع وهكذا، وعندها يمكن التفضيل بين واحد وآخر على أساس التقوى وعلى أساس الأخلاق.
أيضاً كذلك تستطيع أن تسبق غيرك بالكفاءة.
إذاً: هذه أمور تستخدم للمفاضلة بين الناس: التقوى، الأخلاق، الكفاءة، وجميعها أمور مكتسبة، لكن لا يجوز التفرقة والمفاضلة بين الناس على أشياء لا دخل لهم فيها، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم القواعد الإلهية ولا يستخدم القواعد الظالمة التي اخترعها الناس، فلم يكن هناك فرق بين الأحرار وبين العبيد، فالكل أولاد آدم عليه السلام، والكل سواسية، بل قد يسبق العبد الحر في مجال الأخلاق والتقوى والكفاءة؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وجه دعوته للعبيد كما وجهها للسادة سواء، وهذا كان مستغرباً في البيئة المكية القديمة، وإلى الآن هو أمر مُستغرب، أنا أريد منك أن تتخيل أن الوزير جالس بجوار العسكري في نفس الدعوة، بل قد يُقدّم عليه إذا كان أكفأ وأقدر على إدارة الأمور، فلم يعط قانوناً ولا دستوراً للإنسان حقه مثل ما فعل الإسلام، فنحن نرى في الأوائل الذين أسلموا تباينات عجيبة، كما رأينا من الأشراف من الصديق رضي الله عنه وأرضاه وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وعثمان بن عفان وسعيد بن زيد كل هؤلاء من أشراف مكة، كما رأينا هؤلاء رأينا أيضاً العبيد والموالي، رأينا بلالاً وعامر بن فهيرة وزيد بن حارثة وغيرهم، وليس هذا إلا في دين الإسلام.
أيضاً لم يكن هناك فرق بين الغني والفقير، المال لا يصلح للمفاضلة بين الناس، فالله عز وجل يرزق من يشاء بغير حساب، الأوائل الذين أسلموا كان فيهم الأغنياء واسعو الثراء كـ الصديق وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وكان فيهم أيضاً شديدو الفقر كـ عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسمية بنت خياط وخباب بن الأرت وغيرهم، لم يكن هناك أي فرق بين الغني والفقير.
لكن هنا معلومة هامة، وهي على عكس ما يتخيل كثير من الذين يدرسون السيرة، فهم يعتقدون أن غالبية المسلمين كانوا من الفقراء البسطاء، لكن عندما نأتي نحلل شخصية كل مسلم من المسلمين الأربعين الأوائل سنجد أن الفقراء كانوا (13) والأغنياء كانوا (27)، أي أن (70%) من المسلمين الأوائل كانوا من الأغنياء، ولم تكن هناك ثورة من الفقراء على الأغنياء، كما يحب بعض الاشتراكيين أن يصوروا من ذلك؛ ليأخذوا سنداً شرعياً لاشتراكيتهم، فالوضع كان خلاف هذا تماماً، الأغنياء سعوا إلى هذا الدين القويم الرائع، وضحوا بثرواتهم، وعرّضوا أنفسهم للفقر الشديد، وليس أبلغ من الأمثلة الإسلامية الرائعة كـ الصديق، فقد كان يملك أربعين ألف درهم عندما أسلم، وعندما هاجر كان يملك خمسة آلاف درهم صرفها على الهجرة، أي: أنه أصبح فقيراً بعدما أسلم، ومصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه كان من أغنى أغنياء مكة، ومن أنعم شبانها، ثم أصبح من أشدها فقراً وحاجة، ولم تكن هناك ثورة من الفقراء على الأغنياء، أو عملية تقسيم للثروات على شعب مكة أبداً، لم يكن هناك أي فرق بين الغني والفقير، المهم التقوى.
لم يكن هناك أيضاً فرق بين العرب وغير العرب، أين الذنب في ولادتي، سواء ولدت في مصر أو باكستان أو إندونيسيا أو نيجيريا أو أمريكا أو أي مكان من الأرض؟ المهم التقوى والأخلاق والكفاءة.
دعوة الإسلام ليست دعوة قومية، حتى في هذه البيئة التي تفتخر بعربيتها، فقد ضمت هذه الدعوة بلالاً من الحبشة، وصهيباً الرومي، وبعد سنين ستضم سلمان الفارسي، وستدخل بعد ذلك كل العرقيات من فرس ورومان وسلاجقة وأتراك وأكراد وغيرهم كثير، سيدخل كل هؤلاء إلى دين الإسلام، وكل منهم سيخدم الإسلام في مكانه، لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى.
كذلك لم يكن هناك فر
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الدعوة وأفرادها
استمرت الدعوة السرية لمعظم الأفراد حتى بعد الإعلان النبوي الذي سوف يحصل بعد ثلاث سنين، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً كل الحرص على الحفاظ على كل واحد من أفراد جماعته المؤمنة، سواء كان عبداً أو حراً، قرشياً أو غير قرشي، من قدماء الصحابة أو حديثي الإسلام كل الناس كانت قيمتهم عالية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
استمرت الدعوة السرية لمعظم الأفراد حتى بعد الإعلان النبوي الذي سوف يحصل بعد ثلاث سنين، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً كل الحرص على الحفاظ على كل واحد من أفراد جماعته المؤمنة، سواء كان عبداً أو حراً، قرشياً أو غير قرشي، من قدماء الصحابة أو حديثي الإسلام كل الناس كانت قيمتهم عالية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق