السبت، 21 فبراير 2015

رحلة المهدي السنوسي الى الكفرة وقرو




أولاً :الرحلة الى الكفرة والصدام مع فرنسا:
كانت خطة التوسع عند الحركة السنوسية تستدعي من زعيمها محمد المهدي الانتقال نحو الجنوب وفق خطوات مرسومة، ومراحل معلومة لدى قادة الحركة، وتقرر لدى محمد المهدي الانتقال من الجغبوب الى الكفرة، وشرع في تنفيذ القرار الاستراتيجي بسرعة البرق، فجمعت الأبل الكافية للنقل، وخبراء الطريق، والامتعة الضرورية، وعين الامام السنوسي رفقاءه في سفره الى العاصمة الجديدة، وفي يوم 22 شوال سنة 1312هـ جمع الامام السنوسي جميع سكان الجغبوب للوداع وألقى فيهم نصائحه الغالية، وانتقل بعد ذلك من الجغبوب والأفئدة تتقطع لهول الفراق والأعين وراءه شاخصة فنزل بموقع قريب من الجغبوب يقال له حطيئة (الزربي) وبهذا المكان كان وداع المشيعين وفي طليعتهم كبار الاخوان، كالسيد احمد الريفي ، ومحمد عابد السنوسي، وأبي سيف مقرب، ومحمد المدني، وأحمد بن ادريس، وعمران السكوري، وهنا يظهر جلال الموقف وشدة الفراق، ونلمس ذلك في القصائد التي ألقيت يوم ذاك
يقول الأديب الحشائشي ولما آفاق ابو سيف مقرب من غشيته التي اصابته عن مفارقة الشيخ المهدي صعد فوق هضاب عال ومعه جماعة من الاخوان توجه الى الركب بنظره وطفق ينشد ارتجالاً من شعره العذب مايلين به الجلمود
همو هيجوا يوم النوى أشجاني
وحاديهم لما ترنم اشجانـــــــــــــي
وهم سلبوا لبي وألبس بينهم
رداء الردى جسمي وأثواب أحزاني
وهم غادروا جسمي لظاً بعد مهجة
جرى ذوبها من بحر مدمعي القانـي
فوالله لا أنسى عشية ودعوا
فاودعتهم صبري وأودعت سلواني
وضاعف احزاني مواقف جمة
وبرح بي فقدانهن واضنانــــــــــي
يسائلني مولاي تسئال رحمة
يحل بها شأني ويبئس الشانــــــــــي
ومن أعجب الأشياء رحلة معشر
غدت محشراً أوهت قوى كل انسان
تبلد من جرائها كل سوقــة
وطأطأ اجلالاً لها كل سلطان

وزلزلت الدنيا وماجت بأهلها
وعادت عواد بين ترك وعربان
لك الله من ركب تيمم كفرة
تتاخم كيوار المتاخـم سودان
غدا طاوياً نشر البسيطة باسطاً
لاعلام عز تنجد الضارع العاني
ومنتقياً عزماً يفل بحده
قواطع آراء من أهل وجيـران
ولم يثنيه عما نوى ألم النوى
وأنّت محزون ورنة صبيــان
وحثوا مطاياهم ببيض قبابهم
فلاحت نجوم دونها نجم كيوان
سروا والدياجي حالك صبح لونها
يؤمون احقافاً ترى ذات ألوان
وخلوا بجغبوب المقدسة علية
يعلون بعداً النهل طلاب عرفان
وقصراً مشيداً كان مطمح انفس
ومـطلع مطعام ومطعن مطعان
ربعاً عهدنا بهوه وهو آهل

وكان الاخوان الذين رافقوا الامام المهدي السنوسي في رحلته كل من ؛ احمد البسكري، احمد التواتي، احمد الجراولي ، احمد الثني الغدامسي، محمد السني، وغيرهم من كبار الاخوان 

ولما بلغ الشيخ واحة (الكفرة) تلقته قبيلة (زويا) من كبار قبائل العرب في الصحراء، ومن جاورها من القبائل وكانوا في غاية الفرح والسرور، وكان في استقباله خارج منطقة الجوف أكثر من ثلاثة آلاف رجل يتقدمهم رئيس زاوية الجوف ومشايخ وأعيان قبيلة زوية ومن معهم من المجابرة وابتهجت واحة الكفرة بقدوم زعيم الحركة السنوسية، وتبارت الخيول وأطلق الرصاص وبهذه المناسبة قتل يونس الرويعي رجلاً من قبيلة
الزوية بأصابة خطأ، فنادى شيوخ الزوية أعيانهم في قومهم بأن لايترك الاحتفال من أجل موت أحدنا وأن القاتل في مأمن اكراماً للإمام السنوسي، وبعد انتهاء الاحتفال اجتمع شيوخ وأعيان القبيلة وتقاسموا الدية الشرعية للمقتول ودفعوها إلى أهله فوراً وتسامحوا مع القاتل، كل ذلك تم في يومه وقرر جميع أعيان وشيوخ أزوية أن يتقدموا بهدية إلى زعيم الحركة السنوسية بمناسبة تشريفه إياهم بقدومه، وكانت الهدية هو التسامح فيما بين أفراد وقبائل زوية من الأحقاد والتنازل عن حقوقهم التي يطلبها أحد أفراد القبيلة من الآخر وتطلبها عائلة من أخرى مهما عظمت تلك الحقوق التي قد تؤدي إلى شقاق وفساد، وتنازلوا عن ثلث ممتلكاتهم وقفا لأعمال الحركة السنوسية من نخيل وبساتين وأراضي كل ذلك عن طيب خاطر وقربة لله، ودعماً للحركة الإسلامية التي تبنت دعوة الإسلام في الصحراء الكبرى، وأدغال إفريقيا، وتبرع جميع أغنياء القبيلة ومن معهم من تجار المجابرة باطعام جميع الفقراء، وكساءهم واستمر الفرح والاحتفال شهراً بعد وصول زعيم الحركة السنوسية الثاني الإمام المهدي وشرع الإمام المهدي في بناء زاوية التاج التي اختطها، محمد البسكري، حسب توجيهات زعيم الحركة، فأبدع في تخطيطها، وجعلها على قمة ربوة عالية تبعد عن زاوية الجوف بما لايقل عن ميل ونصف تقريباً
أصبحت الكفرة عاصمة الحركة السنوسية لوجود زعيمها فيها، ففتحت المدارس لتعليم القرآن الكريم، وتصدر مجالس التدريس كبار العلماء، وتقدمت سوقها التجارية تقدماً باهراً، إذ أصبحت تردها بضائع السودان، وتصدر اليه عنها، وهكذا الحال بينها وبين برقة، من جهة وبينها وبين مصر من جهة أخرى، وتحسنت زراعتها إلى حد بعيد، وجلبت إليها أشجار الفاكهة من واحة سيوه، ودرنة .. وغيرها وعمرت بالسكان الذين هاجروا إليها من المجابرة والتبو والسودانيين، فضلاً عن سكانها المعروفين، من قبائل الزوية حتى أصبحت ذات أهمية كبرى في وقت قصير
وأصبحت قبيلة الزوية بمثابة الحرس الخاص لزعيم الحركة السنوسية
تولى المهدي السنوسي تصريف أمور الحركة من الكفرة، فعجت بالحركة، وأصبح اتباع الحركة يقدمون إليها من كل حدب وصوب، حتى ضاقت بهم مساكنها. وفي إحدى رسائل المهدي إلى محمد علي المحجوب في زاوية الطيلمون بليبيا يطلب المهدي إرسال خيام لأن وفوداً كثيرة
جاءت للتسليم عليه وهو خجل لعدم وجود بيوت تأويهم
وقام الإمام السنوسي بإرسال رسله إلى مختلف الجهات، فأرسل مرتضى فركاش بن أبي خريص بكتاب إلى سلطان واداي ومعه رجلان، وأرسل رسالة لوالي بنغازي، وانتظمت الرسائل بينه وبين الزوايا، ونظم حياة الأهالي في الكفرة، وفرض النظام، ومنع الإعتداءات، ونشر السلام بين قبيلتي زوية والتبو اللتين تسكنان تلك المنطقة، ووجه الأتباع نحو العمل المثمر، سواء في تعمير الزوايا، والدعوة إلى الله، أو في التجارة، وقد زاد تبعاً لذلك عدد سكان الكفرة وانتعشت حياة الأهالي وعم الرخاء، واهتم بحفر الآبار المتتابعة، على طول خطوط القوافل، فكان يرسل البعثات لإتمام ذلك، وأصبحت الكفرة ملتقى القوافل مابين السودان الغربي ( تشاد ) والسودان الشرقي وسواحل برقة، ومن البعثات الاستكشافية التي أرسلها الإمام السنوسي التي اكتشفت حطية العوينات والحطايا التي تكتنفها ولم تكن معروفة قبل ذلك، كما يقول الأشهب
، وخفّ إلى تلك الحطايا عدد من رجال قبيلة زويه، وكانت تلك القبيلة صادقة في وعدها لإمام الحركة السنوسية، فقامت بأعمال كبيرة لصالح الدعوة الإسلامية. ويبدو
أن ابن السنوسي المؤسس عرف قدراتها، فاهتم بها، ويظهر هذا جلياً في حواره مع عقيلة الزوي عند بناء الجغبوب حيث حدثه عن رغبته في بناء زاوية في الكفرة وقال له ( مرادنا في كونكم تتولوا أمرها )، فكان أن أسس زاوية الجوف التي عرفت نسبة إلى ابن السنوسي باسم زاوية الأستاذوأنشئت في فترة الإمام المهدي عدة زوايا في منطقة الكفرة منها ( التاج ) كما ذكرنا، وربيانة، وتازربو، وامتد نشاط الحركة نحو الجنوب، فوصلت إلى مواطن جديدة في السودان الإفريقي، بواسطة الدعاة، وقوافل التجارة، فوصلت دعوة الإسلام إلى بشر جدد، وقبائل وثنية متعطشة إلى دين الفطرة، وهذا التوغل المحمود، والانطلاق الجميل بدعوة الله، كان ابن السنوسي المؤسس قد خطط له منذ عهده الباكر في الدعوة إلى الله فقد قال ( .. إذ أن الشعوب المجاورة في السودان والصحرا. من إفريقية الغربية، لاتزال تعبد الأوثان،.
إن انتقال الإمام المهدي إلى الكفرة ينسجم مع خطة الحركة السنوسية التي استهدفت قبائل الصحراء، وافريقيا الوسطى بدعوة الإسلام، ولذلك 
تحرك زعيم الحركة لاختيار مركز متوسط يعينه على تبليغ رسالته وأداء واجبه، أما قول من قال إنما قام بذلك خوفاً من الأوروبيين الذين أرادوا القبض عليه، فباطل، لأنه جاء للسودان الغربي ليقود حركة جهاد ضد أطماع فرنسا خصوصاً والأوروبيين عموماً وأما قول بعض المؤرخين إنما اندفع نحو الجنوب خوفاً من السلطات العثمانية
فهذا مردود، لأن علاقة الحركة بالدولة كانت قوية، بل إن السنوسية أصبحت من الركائز المهمة في فكرة الجامعة الإسلامية.
إن الإمام السنوسي حرص على أن يتوسط ميداناً يقود به حركة الإسلام في إفريقيا الوسطى ولذلك اندفع جنوباً، كما أنه حدثت أحداثاً مهمة جعلته يحرص على القرب منها، توغل فرنسا في القارة الإفريقية ومحاولة بسط نفوذها على الإمارات الإسلامية في إفريقية الغربيةكانت الوسائل الأمنية لدى الحركة السنوسية تقوم بجمع المعلومات على تحركات جواسيس فرنسا التي تحاول معرفة حقيقة قوة الحركة السنوسية، وكان الحدث الآخر الذي يشكل خطراً على الحركة السنوسية في تشاد قيام سلطنة رابح في السودان الغربي، فقام الإمام السنوسي، بحركته الإستراتيجية، فانتقل إلى الكفرة كخطوة أولى، وعمل على توطيد العلاقات بينه وبين واداي، التي كانت علاقتها بالحركة السنوسية قوية منذ عهد ابن السنوسي الذي كان على صلة بسلطانها: ( ثم ازدادت الروابط بين المهدي وسلطان واداي في المدة التالية: حتى طلب يوسف ( سلطان واداي) أن يوفد المهدي إلى أبشه أحد كبار الشيوخ السنوسيين مندوباً خاصاً في عاصمته، فأرسل إليه سيدي محمد بن عبدالله السني .. فوطد نفوذ السنوسية في واداي)

الحركة السنوسية




موقف محمد المهدي السنوسي والليبيين من
 الدولة العثمانية وفكرة الجامعة الاسلامية

في بداية عهد السلطان عبدالحميد الثاني طلب من السيد محمد المهدي السنوسي إرسال قوة من رجاله من الأقطار البرقاوية الطرابلسية لمساعدة الدولة العثمانية في حربها ضد روسيا عام 1877م إلا أن السنوسي أمتنع عن تنفيذ الطلب، لإنشغاله بالبناء والتربية والتكوين، والانتشار بالدعوة،
والاستعداد للجهاد، وهذا الامتناع جعل السلطان عبدالحميد يرسل الرسل الى الامام المهدي السنوسي للوقوف على حقيقة أمره، وبذل السلطان عبدالحميد الثاني جهداً كبيراً في سبيل التعرف على طبيعة الحركة السنوسية، وحقيقة نواياها، وأهدافها، ومدى استعداد زعيمها للعمل ضمن سياسته في الجامعة الاسلامية، وتمت الخطوة الأولى في هذا المجال، بطلب من الداخلية العثمانية الى وليها في طرابلس ، لموافاتها بمعلومات عن الحركة ونشاطها.
أجاب الوالي كمال باشا (1893-1898م) بما يشعر بحسن علاقة الوالي بالحركة السنوسية، واطمئنان الى نواياها، وثقته برجالاتها وأكد في رسالته التي بعثها للسلطات العثمانية في استانبول، على الفوائد العلمية والإجتماعية التي حققتها زوايا الحركة السنوسية المنتشرة في الصحراء الكبرى
بين أعراب البادية، ورفع مستواياتهم الدينية الخلقية والثقافية، ومزاحمتها الفعالة للجمعيات التنصيرية المنبثة في القارة الأفريقية، ودخول الكثير من الزنوج في الاسلام بتأثير دعايتها له وأكد الوالي في ختام رسالته، انقياد الحركة بزواياها وقادتها الى دولة الخلافة العثمانية
وأوفد السلطان عبدالحميد بعثة برئاسة رشيد باشا والي بنغازي ومعه الصادق المؤيد العظم أحد ياورات السلطان الى واحة الجغبوب في لييا وذلك عام 1889م ومما جاء في أخبار البعثة أن المهدي السنوسي قد أحسن استقبال البعثة واتاح لاعضائها مشاهدة زاوية الجغبوب والأطلاع على أعمال أتباع السنوسية، وأن المهدي السنوسي لم يكن إلا داعياً مرشداً، وإنه يدعو بالتأييد للدولة العثمانية وتوفيق الحضرة السلطانية
وبعد انتقال المهدي السنوسي من واحة الجغبوب الى واحة الكفرة في اقصى الجنوب من ولاية طرابلس عام 1895م، أرسل أحد اتباعه وهو الشيخ عبدالعزيز العيساوي الى استانبول ، لتأكيد اخلاصه وولائه للسلطان العثماني، وليطلب منه تأكيد الفرمانات التي صدرت من قبل للسنوسيين
أصدر الباب العالي أوامره في إجراء التأكيدات اللازمة لولاية طرابلس ومتصرفية بنغازي، في ألتزام الاهتمام والرعاية، والاحترام تجاه الحركة السنوسية واتباعها، وتقديم فريد العناية بكافة الزوايا
وقد أرسل السلطان مع الشيخ العيساوي هدايا للمهدي السنوسي من بينها نسخة مطبوعة من صحيح البخاري له خاصة، خلاف عشر نسخ اخرى تعطى من قبله لمن يرى فيه الأهلية، كما أرسل له ساعة (لتكون في الأوقات الخمسة مذكرة بصالح دعواته لجانبه العالي) 
ورد السلطان على هذه البعثة بإرسال الصادق المؤيد العظم بزيارة المهدي السنوسي في واحة الكفرة، وهناك اطلع الصادق بنفسه على أحوال الزاوية واجتمع بالمهدي الذي استقبله استقبالاً طيباً، وأطمأن لحسن توجيه نحو السلطنة العثمانية ومما ذكره الصادق المؤيد العظم في رحلته عن المهدي (أنه شيخ صادق لمقام الخلافة، وحسب وصية والده ، فهو في كل صباح عقب الصلاة يجري الدعاء بالصحة والعافية لخليفة المسلمين، ثم تقرأ الفاتحة ، وذلك في جميع الزوايا، وهو دائماً يوصي اتباعه بطاعة أمير المؤمنين، ومحبة الدولة العثمانية، لأن طاعتها واجبة شرعاً وعقلاً)
ومما زاد السلطان عبدالحميد ثقة بالحركة السنوسية كثرة شكايات الدول الأوروبية من الحركة، وتبرم قناصل الدول من نشاطها ، لعرقلتها الكثير من مشاريعهم التبشيرية التي كانوا ينوون تنفيذها
وحين اطمأن السلطان عبدالحميد الثاني إلى صدق توجه الحركة السنوسية لدولة الخلافة العثمانية وإخلاصها في العمل لسياسة الجامعة الإسلامية، بعث السلطان عبدالحميد إلى محمد المهدي السنوسي رسالة تتضمن أسس حركة الجامعة الإسلامية وحقيقة أبعادها وأهدافها، والدور الذي يمكن أن تقوم به الحركة السنوسية ضمن هذه السياسة
وأكد السلطان في رسالته إلى أهمية الخلافة والإمارة الإسلامية المقدسة التي اثبتها الله في البيت العثماني منذ مئات السنين افترضه الله على المسلمين من نصرة هذه الخلافة وتأييدها وطاعة ولاة الأمر القائمين على أمرها، ولاسيما في مثل هذه الظروف التي تحيط بالعالم الإسلامي، والتي أجمع فيها من سماهم السلطان : ( الأغيار من الكفار والملاحدة والمارقين والمفسدين في جميع الأقطار يتحزبون ويتوالون في السر والعلن خصومة للسنة والسنية وعزماً على هدم منار الخلافة العثمانية الإسلامية، ويأبى الله إلا أن يتم نوره)
)  وحذر السلطان عبدالحميد محمد المهدي السنوسي من عمليات التسلل الأوربي إلى داخل القارة الإفريقية تحت شعار الكشف الجغرافي، والبحث العلمي من جانب الإنجليز والإيطاليين وغيرهم، مبيناً المقاصد المضرة بالدين والمسلمين من قبل هؤلاء

وأكد السلطان عبدالحميد الثاني على أهمية تبصرة كل من له علاقة بالسنوسية والمتبين طرقها وزواياها المنتشرة في الصحراء الإفريقية بضرورة الإلتفاف حول الخلافة العثمانية المقدسة والإمامة الكبرى الإسلامية، التي هي ضمان قوة المسلمين وشعار وحدتهم وتضامنهمكما بين لمحمد المهدي السنوسي الوسائل العملية الواجبة الاتباع لمواجهة أعمال المبشرين وأعداء الإسلام والمسلمين في القارة الإفريقية لكشف وسائلهم وأهدافهم الكبرى، وذلك بتكثير اعداد الدعاة والعلماء وإعدادهم الإعداد المناسب وبثهم في كافة الأنحاء الإفريقية لنشر الإسلام بينهم، وتبصيرهم بأمور دينهم، والتأكيد على أهمية الخلافة في حياة المسلمين، ودور الوحدة والتضامن في دفع غائلة المعتدين، وأعداء الملة والدين
إن الليبيين عموماً ارتبطوا بفكرة الجامعة الإسلامية، وسياسة الدولة العثمانية وسلطانها عبدالحميد الثاني الذي تبنى الدعوة إليها وأكدوا في كل مناسبة ارتباطهم بهذه الدعوة، وخاصة في أزمات الدولة، ففي حرب الدولة مع اليونان سارع أهل طرابلس بتشكيل اللجان لجمع التبرعات وقد كتب على الاستمارات المعدة للجمع عبارة ( إعانة جهادية ) وبلغ مجموع التبرعات قرابة ( مائة ألف فرنك
وامتدح الشيخ سليمان الباروني (1870-1940م) أحد الزعماء الليبيين الدولة العثمانية وسلطانها، وأشاد بجيشها بمناسبة حربها مع اليونان وإنتصارها عليهم 
وأنشد الشاعر مصطفى بن زكرى بهذه المناسبة قصيدة قال فيها:
ياسعد سر مترنمــــاً
          ببشائر السعد المبيـن
واعطف على دار الخلافة   
      باليسار وباليميـــــن
وإذا مـررت  ( بيلدز )
وسعدت بالملك المكين
تاج الخلافـة بهجــة
الدنيا وعز المسلمـين
عبدالحميد وناصر
               الدين الحنيفي المبين 
وعن اليونانيين أعداء الخلافة قال:
مهلا بني اليونان لستـــم
في الحروب بمعجزين
وجنودكم أمست ( بترناوة )
حصيداً خامدين 
وساهمت صحافة ليبيا في المدن رغم نشأتها المتأخرة بدعم حركة الجامعة الإسلامية ففي أول ديسمبر 1908م ظهرت جريدة الكشاف، وكان صاحب امتيازها ومديرها المسؤول محمد النائب الأنصاري   
ووصف الجريدة بأنها ملتزمة بخط الجامعة الإسلامية 
وفي أوائل مارس 1908م صدر العدد الأول من جريدة ( العصر الجديد ) التي وصفت نفسها بأنها سياسية علمية، وجعلت شعارها ( من الشعب إلى الشعب ) وتعاطفت مع (اللواء) المصرية، كما سارت في تيارها بتبني فكرة الجامعة الإسلامية 
وفي استنبول أصدر الزعيم الليبي عبدالوهاب عبدالصمد صحيفة ( دار الخلافة )، وجعلت محور سياستها الدفاع عن الخلافة والجامعة الإسلامية 
وأسس الشيخ سليمان الباروني في القاهرة مطبعة عام 1325هـ/1908م أسماها ( الأزهار البارونية ) التي حدد هدفها قائلاً: ( أن تكون خادمة للدين، سائرة في ركاب الجامعة الإسلامية، ناثرة للآداب ولكل مافيه نفع وإرشاد الأمة والهيئة الإجتماعية مترقية في مدارج التقدم) وأصدرت المطبعة جريدتها باسم "الأسد الإسلامي " في عام 1908ماهتم سليمان الباروني بفكرة الجامعة الإسلامية، واتخذ من جريدته منبراً لإعلاء فكرتها، ومجالاً لبحث مشاكل المسلمين وتقصي أخبارهم. ومما جاء في افتتاحية العدد الأول منها .. فقد كان الرشاد في الأمة في زمن انقياد أفرادها بطبيعتهم لقوانين الشرع الشريف، ووقوفهم عند مناهيه. ثم لما دارت الأيام بدوران الدهر، وتغيرت الطبائع باختلاف أصناف البشر، وقع التساهل في أمر الدين، وانحلت عرى الاتحاد وساد الشقاق. وتؤكد الجريدة أنه سيكون على رأس اهتماماتها بذل النصح للأمة الإسلامية، وارشادها إلى مايعود عليها بالنفع العاجل والآجل والتقدم في مباراة الأمم الحية، ومزاحمتها في معترك الحياة الهنيئة وتساءل الباروني عن الأسباب الكائنة وراء فرقة المسلمين، وتفككهم، وما إذا كان ممكناً لمّ شعثها وتوحيد كلمتها في هذا الزمن الذي هم فيه أحوج إلى الاتحاد من أي شيء آخروهو يؤكد أن هذا ممكن، مدللاً عليه بشدة اهتمام اوروبا وساستها وكتابها بملاحظة الحالة التي بدأت تظهر بين المسلمين، بفعل مايبديه سلطانهم عبدالحميد وإلى جانبه المخلصون للعمل في سبيل تحقيق مابينهم من جامعة تضم كلمتهم وتوحيد رأيهم وتجمع شتاتهم أينما كانوا في أطراف المعمورة، حتى إذا ماكانوا يداً واحدة، وعلى قلب رجل واحد، ناقشوا أوروبا الحساب وناصبوها الحربوقد ظل عموم الليبيين على ولائهم للدولة العثمانية وسلطانها عبدالحميد فهو بالنسبة لهم خليفة المسلمين، وملجأ الدنيا والدين، ودولته ملاذ المسلمين جميعاً ودرعهم الواقي ضد محاولات أوروبا للنيل من استقلالهم 
واستمر هذا الشعور قائماً لدى أهل المدن في ليبيا، وزعماء الحركة السنوسية وأتباعها، حتى قام حزب الاتحاد والترقي في تركيا بإبعاد السلطان عبدالحميد الثاني 1908م فلم يشعر أهل الولاية إزاء هذه الحركة بالاطمئنان، ولم يستبشروا بها خيراً، بل قابلوها بالمعاداة والاستهجان، لما عرفوه عن الاتحاديين من " بعد عن الحكمة ومناهضة للدين  واستهجن الليبيون إعلان الدستور ولم يروا مبرراً لصدوره خاصة والشريعة الإسلامية كفيلة بسد حاجتهم، ووقع إثر ذلك حوادث كبيرة في طرابلس ضد الحركة والقائمين بها، وطالب غالبية الناس بابعاد من قدم إلى الولاية من الاتحاديين
ويذكر كاكيا:
( إن الأهالي في ليبيا نظروا إلى الجمعية بغير عين الرضى، وكرهوا رجالها، لتدخلهم في مسائل العادات والدين، وعدّوا إعلان الدستور انتهاكاً للشريعة الإسلامية
إن زعماء الحركة السنوسية كانوا شديدين الولاء للدولة العثمانية وكذلك زعماء المدن الليبية، وهذا يدل على الوعي العميق وشعورهم بضرورة مساندة دولة الخلافة